وعلى الرغم من إعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عن حزمة من الإجراءات من شأنها دعم السكان وقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة في ظروف الأزمة، بما فيها تأجيل سداد أقساط القروض وصرف إعانات إضافية لعائلات لديها أطفال، إلا أن النشطاء الروس يرون ذلك دون الحد الأدنى الذي كان يمكن للسلطات الروسية تقديمه للمواطنين، في ظل امتلاكها احتياطات دولية تفوق 550 مليار دولار.
وفي هذا الإطار، يعتبر الناشط اليساري، إيغور ياسين، أن إجراءات الدعم التي قررت السلطات الروسية تقديمها للسكان غير تناسبية بالمرة، مشيرا إلى أن الحكومة لا تريد تقديم أي دعم مباشر يذكر، مكتفية بالعمل على منع اندلاع احتجاجات.
ويقول ياسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الإجراءات غير تناسبية تماما، ولا يمكن تفسيرها إلا ببخل الطبقة الحاكمة الروسية. على مدى سنوات طويلة، قامت الحكومة الروسية بادخار مبالغ طائلة تحسبا لليوم الأسود الذي قد حلّ".
وحول رؤيته للأهداف الحقيقية للدعم الحكومي الروسي، يضيف: "تكاد الحكومة لا تقدم أي دعم مباشر للناس، وكل ما يهمها هو منع اندلاع الاحتجاجات والحفاظ على السلطة، فتتصرف بأسلوبها المعتاد وتشدد القيود وتمرر الإجراءات التي ما كان لها أن تجرؤ عليها من قبل".
ولما كان نظام العزل الذاتي الساري في روسيا عطّل عمل العديد من القطاعات في روسيا، وفي مقدمتها القطاع الخدمي، لم يعد بإمكان ملايين الروس مواصلة عملهم، وسط فرض إجراءات صارمة وتطبيق غرامات مالية مبالغ فيها على من يتحرك في العاصمة موسكو من دون تصاريح.
وفي مدينة فلاديقوقاز، عاصمة جمهورية ألانيا الواقعة جنوب روسيا، شارك بضعة آلاف قبل نحو أسبوع في تظاهرة مناهضة لنظام العزل الذاتي، وهو ما علق عليه الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، بالتحذير من تداعيات سلبية لـ"التجمع من دون مراعاة التباعد الاجتماعي"، مؤكدا على إمكانية إعلام قيادة البلاد بالمشكلات "في إطار الحوار".
ومن بين رموز المعارضة غير النظامية الروسية الذين صعّدوا لهجتهم تجاه السلطات الروسية، رجل الأعمال الهارب وأثرى أثرياء روسيا سابقا، ميخائيل خودوركوفسكي، الذي سجل مجموعة من مقاطع فيديو، أحدها بعنوان "لديكم ما تأكلونه؟ ابقوا في المنزل"، استهله بالقول إن "سلطتنا تضع الناس أمام خيارين كلاهما مر: إما البقاء في المنزل في إطار العزل الذاتي، ولكنكم لن تجدوا ما تأكلونه قريبا، وإما الخروج إلى الشارع، مخاطرين بالتعرض للضرب بعصيّ الشرطة والإصابة بفيروس كورونا".
وعلق خودوركوفسكي على تظاهرة فلاديقوقاز، بالقول إنه "في القرن الـ21، وبعد 20 عاما من الوفرة النفطية والقيادة الحكيمة لفلاديمير فلاديميروفيتش، يبدأ في البلاد تمرد جياع"، مرجحا أن مدخرات المواطن الروسي المتوسط لن تسمح له بالعيش إلا حتى موعد راتبه القادم، وساخرا من تصريحات بوتين بأن من يفوق دخله الشهري 17 ألف روبل (حوالي 230 دولارا أميركيا) ينتمي إلى الطبقة الوسطى.
كما سخر المعارض الهارب من قلة الدعم المقدم لقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة البالغ نحو مليار دولار فقط والشروط التعجيزية للحصول عليه، مرجحا أن تذهب عشرات مليارات الدولارات في تلك الأثناء للشركات الحكومية العملاقة مثل "غازبروم" و"روس نفط" ومصرفي "سبيربنك" و"في تي بي"، أي كل من يتعين عليه الإسهام في ميزانية الدولة وليس الحصول على أموال منها.
ولم تقتصر الدعوات إلى زيادة دعم السكان على أشد خصوم الكرملين، بل طرحها أيضا زعماء الأحزاب البرلمانية التي تظهر درجة عالية من الولاء للسلطة، بمن فيهم زعيم حزب "روسيا العادلة"، سيرغي ميرونوف، الذي طالب بصرف إعانات بطالة لا تقل عن الحد الأدنى للأجور لجميع العاطلين، وليس فقط لمن فقدوا عملهم بعد 1 مارس/آذار الماضي.
يذكر أن روسيا تعيش ظروفا اقتصادية صعبة في المرحلة الحالية نتيجة لمواجهتها أزمتي كورونا وانهيار أسعار النفط، مما دفع المصرف المركزي الروسي إلى خفض توقعاته لأداء الاقتصاد الروسي في عام 2020، مرجحا تراجعه بنسبة قد تتراوح بين 4 و6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.