نازحو إدلب يضغطون بالتظاهر للعودة إلى مناطقهم

25 مايو 2020
تنوي روسيا فتح طريق "أم 4" في الشرق اليوم(Getty)
+ الخط -

يتحضر آلاف المدنيين المهجرين والنازحين عن عشرات القرى والبلدات في محافظة إدلب السورية و"منطقة خفض التصعيد" عموماً، للتظاهر اليوم الاثنين تحت شعار "طوفان العودة"، لمطالبة الضامن التركي وفصائل المعارضة باتخاذ إجراءات وحلول لجهة إعادتهم إلى مدنهم وقراهم بعد أشهر من التهجير، إثر تقدّم قوات النظام إليها خلال المعارك الأخيرة بمساندة روسية وإيرانية. من جهتها تستعدّ روسيا لفتح الطريق الدولي الحسكة - حلب ـ اللاذقية "أم 4"، في القسم الشرقي منه (شرق سورية)، وسط غموض في ما إذا كانت إعادة استئناف الحركة على الطريق ستشمل الجزء الغربي من الطريق (أي بعد حلب) أو الجزء المارّ في إدلب من الطريق.

في سياق تظاهرة اليوم، حدّد المنظمون وسط الطريق بين مدينتي إدلب وسرمين مكاناً لتجمّع المتظاهرين. ويشير أحد المنظمين، النازح من مدينة سراقب، محمد الخاني، إلى أن "أولى الرسائل للضامن التركي ستتوجه إليه بأننا كمدنيين أيّدنا التدخل التركي على أساس أن يقوم بواجباته في حماية المدنيين من بطش الروس والنظام والإيرانيين، ولكن للأسف لم يقم الضامن بواجباته كما يجب، ولذلك نحن نطالبهم اليوم بتحقيق المطالب التي لطالما نادت بها تركيا على لسان مسؤوليها، وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان بعودة النازحين، واسترداد المنطقة على أساس تفاهمات أستانة وسوتشي، التي كانت أساساً خارج إرادة الشعب في إدلب".

ويضيف الخاني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التظاهرة ستحمل مطالبنا كشعب مهجر بالحرية والعدالة والكرامة، وحقنا كمهجرين بالعودة إلى ديارنا، وكذلك جميع المهجرين السوريين من الأراضي السورية كافة، ونستند إلى قوة شعبنا وإرادته والزخم البشري الذي ستحققه التظاهرة، ورسائلنا واضحة وقوية للعالم والضامن التركي، وهي رسائل إنسانية وأخلاقية في المقام الأول". ويرى أن "الاتفاق الأخير بين روسيا وتركيا، هو اتفاق ذل وعار أمام تضحيات السوريين"، مضيفاً: "رسالتنا الأساسية للمجتمع الدولي والدول المتنفذة، بالعودة إلى الاتفاقات الدولي وتطبيق بيان جنيف والقرار 2254 لحل القضية السورية بالأجمع، وليس مشكلة إدلب وحدها".

من جهته، يشرح محمد حسين القاسم، وهو نازح من بلدة معرشورين في الريف الشرقي لمدينة معرة النعمان، كبرى مدن جنوب إدلب، الأسباب التي تدفع المدنيين النازحين إلى التظاهر، ويلخّصه بـ"الأمل بأن يستجيب المجتمع الدولي والضامن التركي للمطالب المحقة للمتظاهرين بالعودة". ويعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "أصبح لدينا اعتقاد بأن الاتفاق الروسي ـ التركي تغاضى عن موضوع عودة النازحين، بعد السكوت عن هذا الجانب خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما بعد توقيع الاتفاق، سواء من الجانب التركي أو الروسي. ورسالتنا للضامن التركي تكمن في المطالبة بتعجيل تنفيذ اتفاقي أستانة وسوتشي، ما سيمكننا من العودة إلى منازلنا وديارنا، نتيجة ما نواجهه من ظروف صعبة نعيشها كنازحين يومياً".

ويضيف القاسم: "هذه الظروف التي تدفعنا إلى الضغط على تركيا لترتيب العودة إلى قرانا ومدننا بأقصى سرعة، نتيجة الضغط الذي نتعرض له من الجوانب كافة، على الصعيد المادي والصحي والتعليمي وحتى الاجتماعي، فاليوم أطفالنا لا يزالون من دون مدارس، ومرضانا يعانون من قلة المتابعة الصحية، وأغلبنا بلا عمل ولا دخل ونسبة البطالة بين صفوف النازحين مرتفعة جداً، ما أثر في الوضع المادي والمعيشي للنازحين بشكل لم يعد يطاق". ويشدّد على أنهم كنازحين لم يعد أمامهم من خيار سوى الضغط الشعبي على المجتمع الدولي والضامن التركي، لتلبية مطالبهم، ويأملون الاستجابة نظراً للأوضاع المأساوية التي يعيشها النازحون.

من جهة أخرى، تتجهز القوات الروسية لإعادة افتتاح طريق الحسكة ـ اللاذقية "أم 4"، الذي يعتبر ثاني أهم طريق في البلاد، ويربط الساحل السوري بمحافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي، مروراً بمحافظتي إدلب وحلب، ومناطق خاضعة لسيطرة المعارضة وأخرى لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). ونقل موقع "روسيا اليوم" عن مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى من مطار القامشلي الدولي، قوله إنه سيُعاد اليوم الاثنين فتح طريق "أم 4". وأضاف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن هناك دوريات روسية ستسير يومياً على الطريق ما عدا الجمعة، لتعقب حركة الطريق ومنع أي استفزازات عسكرية عليه، مشيراً إلى وجود تنسيق مشترك مع "الإدارة المدنية" التابعة للإدارة الذاتية في بلدة تل تمر بريف الحسكة. وأكد أن روسيا ستمنع على أي مظاهر عسكرية للقوى المختلفة على الطريق.



وفي تسجيل مصور، قال الرئيس المشترك لبلدية تل تمر محمد خلّو، إن "المبادرة الروسية جاءت بالتنسيق مع القوات التركية في المنطقة". في المقابل، لم يصدر أي تعليق تركي على إعادة فتح الطريق. وأضاف خلّو أن أول قافلة باتجاه مدينة منبج شرقي حلب، ستنطلق اليوم الاثنين في الساعة التاسعة صباحاً برفقة دورية روسية، موضحاً أن الطريق سيكون مفتوحاً أمام حركة التجارة والتنقل لجميع المواطنين، والقوات الروسية ستكون بمثابة الضامن لحرية التنقل والسلامة.

وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من نجاح كل من روسيا وتركيا في تسيير دوريات مشتركة على ذات الطريق في جزئه الغربي، وتحديداً بين المنطقة الواقعة ما بين مدينتي سراقب وأريحا في ريف إدلب، بعد أن تعطلت أكثر من شهرين بسبب الرفض الشعبي لدخول الروس مناطق المعارضة.

ويخضع الطريق لسيطرة مختلف القوى الموجودة في سورية، إذ تسيطر قوات النظام على أجزاء من الطريق في كل من الحسكة وحلب وجزء صغير في إدلب، فيما تستحوذ "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل "الجبهة الوطنية" على نحو 50 كيلومتراً في إدلب، بينما تسيطر فصائل "الجيش الوطني" على نحو 80 كيلومتراً من الطريق في محافظتي الرقة والحسكة بعد العملية التركية المشتركة مع "الجيش الوطني" شرق الفرات، وتسيطر "قسد" على أجزاء في محافظتي حلب والحسكة. وكان الطريق قد أغلق مرتين، الأولى بعد خروج معظم ريف إدلب عن سيطرة النظام إبان اندلاع الثورة عام 2011، أما المرحلة الثانية فكانت عقب إطلاق تركيا عملاً عسكرياً ضد "قسد" بمشاركة الجيش الوطني عام 2019، وسيطرتها على أجزاء من ريفي الرقة والحسكة.

ولا يعرف إذا ما كان افتتاح الطريق أمام الحركة الطبيعية شرقاً، سيمتد إلى جزئه الغربي المارّ من إدلب قريباً، علماً أن أحد أهم أسباب معارضة المدنيين في إدلب لفتح الطريق يتمثل بالاعتقاد بأن فتح الطريق سيستأنف الحركة الطبيعية وبالتالي إهمال قضيتهم الرئيسية بالعودة إلى منازلهم، ويربطون عملية فتح الطريق بإيجاد حل سريع وواضح لمسألة العودة. وكانت تركيا قد نشرت 12 نقطة مراقبة حوالي "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها) بموجب تفاهمات أستانة في مايو/ أيار 2017، بين الضامنين الثلاثة (روسيا، تركيا، إيران)، وعززت أحقيتها بفرض نفوذها على المنطقة باتفاق سوتشي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين الموقع في سبتمبر/ أيلول 2018، إلا أن قوات النظام، بدعم روسي وإيراني، ضربت بالاتفاقين عرض الحائط وشنت عمليات عسكرية متقطعة بدأت منذ إبريل/ نيسان 2019 وقضمت مساحات واسعة من المنطقة، ولا سيما أرياف حماة الغربي والشمالي، وإدلب الشرقي والجنوبي، وحلب الجنوبي والغربي، ما أدى إلى نزوح أكثر من نحو 1.7 مليون مدني بعدما سيطرت قوات النظام على مدنهم وقراهم.