وأعلنت وزارة الداخلية المصرية، أمس الأحد، تصفية 18 "إرهابياً" بتبادل لإطلاق النار في محيط مدينة بئر العبد، بعد يومين على مقتل 10 عسكريين، إثر تفجير عبوة ناسفة في مدرعة تابعة للجيش جنوبي المدينة.
وتعليقاً على إعلان التصفية، قدّم أحد سكان مدينة بئر العبد، لـ"العربي الجديد"، رواية مختلفة للأحداث. وقال المصدر إن جهاز الشرطة المصرية اقتاد عدداً من المعتقلين في قسم شرطة المدينة، بواسطة شاحنات الترحيلات وسيارات للشرطة، باتجاه منطقة الرواق غرب بئر العبد، وذلك في ساعة متأخرة من ليل السبت - الأحد، وبالتزامن مع إعلان الداخلية. ولفت المصدر إلى أنه جرى إغلاق المنطقة، مع انتشار قوات الشرطة في المكان، قبل أن يتم إنزال المعتقلين من الترحيلات ووضعهم في منزلٍ قيد الإنشاء. ولاحقاً، سمع دوي إطلاق نار في المنطقة، بحسب المصدر، قبل أن تهرع سيارات إسعاف لنقل جثث القتلى إلى جهةٍ غير معلومة، بمرافقة آليات للشرطة.
وأضاف المصدر، وفق روايته، أن قوات الشرطة اضطرت، صباح أمس الأحد، إلى إحضار ناقلة مياه تابعة لجهاز الدفاع المدني لإزالة آثار الدماء من مكان التصفية، ومنع أي شخص من الاقتراب، بعد تمكّن عدد من المواطنين من الوصول إلى المنزل صباحاً، قبل عودة قوات الشرطة. ولفت إلى أن بعض هؤلاء المواطنين التقطوا صوراً من المكان، تُظهر عدم وجود أي آثار اشتباك في المنطقة، وهو ما كان قد أكده سكّان في وقت سابق. وبرأي المصدر، فإن ما حصل هو إطلاق نار من مصدرٍ واحد، استمر لأقل من 10 دقائق، مشيراً إلى أن قوات الشرطة كانت قد حضرت قبل يوم من الحادثة إلى المكان، لمعاينة المنزل والمنطقة المحيطة، لكن أحداً حينها لم يعرف سبب الزيارة.
وكان الجيش المصري قد خسر 10 من عسكرييه، بينهم ضابطان، نتيجة تفجير عبوة ناسفة في مدرعة تابعة له قبيل عصر الخميس الماضي، أثناء عمل الدورية العسكرية على توزيع وجبات الإفطار على النقاط العسكرية في منطقة تفاحة، جنوب مدينة بئر العبد. وفي أعقاب ذلك، شنّ الجيش حملة قصف جوي ومدفعي مكثفة طاولت مناطق جنوب بئر العبد والعريش والشيخ زويد ورفح، فيما لم يعلن "ولاية سيناء" عن خسارته أياً من أفراده نتيجة لذلك، بينما أعلن الجيش لاحقاً عن تمكنه من قتل اثنين من عناصر التنظيم المتطرف، نتيجة "عملية نوعية" قام بها في محافظة شمال سيناء.
ورأى أحد مشايخ مدينة بئر العبد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن الأمن المصري قد بدأ يطبق في بئر العبد ما كان اعتمده في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، من نهج قتل المواطنين بدعوى المداهمات الأمنية للقضاء على الإرهابيين. ولفت المصدر إلى أن قوات الشرطة نفذت حملة اعتقالات واسعة خلال الأيام القليلة الماضية في أعقاب تكرار هجمات "داعش"، مشيراً إلى أن غالبية المعتقلين هم شبان لا علاقة لهم بالتنظيم، أو بالأعمال الإرهابية التي تشهدها المدينة منذ فترة. وأوضح في هذا السياق أن قوات الشرطة أقامت حواجز للتفتيش والاعتقال داخل بئر العبد، في حين أن هجمات التنظيم تحصل على أطراف المدينة، ويعلم الجميع أن مناطق تمركزه هي في جنوب المدينة، وليس في وسطها حيث تجرى عمليات الاعتقال.
وأكد المصدر أن مشايخ المدينة ينوون التواصل مع الجهات الأمنية ونواب سيناء في مجلس الشعب (البرلمان المصري) للتعرف إلى هويات القتلى، وتسليم جثثهم إلى ذويهم، من أجل إتمام مراسم الدفن داخل المدينة، في ظل تأكيد شهود عيان أن ما جرى خلال الأيام الماضية هو "تصفية لمعتقلين"، وأن الأهالي بدأوا إبلاغ المشايخ ووجهاء المدينة بأسماء وصور أبنائهم من أجل التواصل مع الجهات المسؤولة، للتثبت من مقتلهم خلال هذه الحادثة. علماً أن هؤلاء قد جرى اعتقالهم من دون أي سند قانوني، أو تهم موجهة إليهم، بل في إطار التحري، في ظلّ عجز قوات الأمن المصرية عن الوصول إلى المسؤولين الحقيقيين عن الهجمات في نطاق مدينة بئر العبد، بحسب المصدر.
ورأى باحث في شؤون سيناء، تحدث لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إنه "وفقاً للمعطيات الظاهرة من بيان الداخلية، وما رافقه من صور للحادثة، وكذلك روايات الأهالي، وطبيعة الأوضاع التي يعرفها كل من يوجد في سيناء، فإن ما جرى هو عملية تصفية لمعتقلين أو مختفين قسرياً، لا يحتمل الشك، بغضّ النظر عن المسمى، وإن القتلى هم مدنيون لا علاقة لهم بالمواجهات بين التنظيم وقوات الجيش". وذكّر الباحث بـ"دليل" عدم إعلان قوات الأمن عن أسماء القتلى، على الرغم من كونهم "إرهابيين" يجب فضحهم، كما أنها لم تكشف عن صورهم كما تجري العادة، إذ تعجّ صفحات قوات الجيش والضباط بصور أفراد "ولاية سيناء" الذين يقتلون خلال مداهمات أو اشتباكات في سيناء.
وأوضح الباحث أن هذا النهج في التعامل مع عمليات التصفية تبدّل منذ عام 2017، حينما صفّت قوات الداخلية 10 شبان من سكان المدينة بعد اختفائهم قسرياً لأشهر، وجاءت التصفية في أعقاب هجوم" كمين المطافي" الذي استهدف فيه "ولاية سيناء" كميناً أمنياً للشرطة على طريق الساحل شمال المدينة، موقعاً عشرات القتلى والجرحى، عدا عن تدمير الكمين بشكل كامل. هذه الحادثة، كما روى المصدر، دفعت قوات الشرطة إلى نقل عدد من المختفين قسرياً، وقتلهم في أحد شاليهات مدينة العريش، بحجة مسؤوليتهم عن الهجوم، إلا أن قوات الشرطة لم تخفِ وجوه القتلى، ما سهّل على المتابعين الحصول على هوياتهم، والوصول لذويهم، الذين تمكنوا من الإثبات بمحاضر وتقارير رسمية اختفاء أبنائهم منذ أشهر قبل وقوع الهجوم، ما أحرج قوات الأمن ووزارة الداخلية، وأشعل موجة غضب شعبية ظهرت خلال جنازات تشييع الشبان، وتبعتها تظاهرات في المدينة. هذه الواقعة، بحسب الباحث، دفعت الجيش والشرطة إلى اتباع نهج إخفاء وجوه المعتقلين الذين يجرى قتلهم بحجة مداهمات واشتباكات مع التنظيم، أما في حال كان القتلى من التنظيم، فيجرى الكشف عن وجوهم والتشهير بهم في صفحات تابعة للجيش وضباطه في سيناء، على وسائل التواصل الاجتماعي.