يعقد مجلس الأمن الدولي في نيويورك، اليوم الأربعاء، اجتماعاً لمناقشة الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة والاستماع لإحاطة الأمم المتحدة حول آخر المستجدات على الأرض بما فيها بناء المستوطنات. وقد أكد السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أنّ الاجتماع سيعقد على مستوى وزاري، ويأتي كخاتمة لحزمة من التحركات والاجتماعات التي عقدها الجانب الفلسطيني خلال الأشهر الأخيرة في نيويورك على مستوى الأمم المتحدة، وفي عدد من العواصم الدولية كبروكسل وموسكو على سبيل المثال. وتهدف تلك الخطوات والتحركات لحشد موقف دولي يندد بالخطوة الإسرائيلية المرتقبة، اعتباراً من الأول من يوليو/ تموز المقبل، والمتمثلة ببدء تطبيق مخطط لضم قرابة ثلاثين في المائة من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وقال منصور إنّ الاجتماع يبعث رسالة واضحة للجانب الإسرائيلي بأنّ هناك إجماعاً دولياً ضدّ خطة الاحتلال، معتبراً أنّ رفع مستوى التمثيل في الاجتماع من سفراء الدول فقط، كما هي عادة أغلب الاجتماعات، إلى مستوى وزاري، "يؤكّد على هذه الرسالة".
وسيحضر عن الجانب الفلسطيني وزير الخارجية رياض المالكي. كما يتوقع أن يحضر الاجتماع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، إلى جانب مبعوثه الخاص لعملية السلام بالشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، علماً أنّ حضور غوتيريس لم يؤكد بشكل نهائي بعد. ومن غير الواضح حتى اللحظة أي من الدول ستحضر على مستوى وزاري وأيها على مستوى السفراء.
ومهما يكن، فمن الضروري النظر لهذا الاجتماع في سياقه الأوسع في ما يخصّ التحركات الدولية، والتي تأتي على مستويين: الأول العواصم، والثاني الأمم المتحدة، فضلاً عن سقف التوقعات الذي يمكن البناء عليه. على مستوى العواصم، تقتصر التحركات على اجتماعات ومحادثات ثنائية وتلويح بالتحرك من قبل أكثر من عاصمة من دون أن تعلن أي منها عن خطوات فعلية في هذا الإطار. فعربياً، قد يتخذ الطرفان اللذان يقيمان علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، الأردن ومصر، بعض الخطوات التجميلية، لكن لم يصرح أي منهما عن خطوات فعلية توجع الجانب الإسرائيلي، من بينها، على سبيل المثال، الانسحاب من المعاهدات الموقعة مع الاحتلال، أو وقف تبادل المعلومات الأمنية بين إسرائيل والأردن، أو فتح الحدود بشكل كامل ووقف حصار غزة الذي تشترك به مصر، أو حتى فتح الحدود بشكل جزئي.
أما دولياً، وعلى مستوى العواصم كذلك، فإذا أخذنا الاتحاد الأوروبي، وهو أكثر الجهات المانحة للسلطة، كما له علاقات اقتصادية ودبلوماسية مميزة مع إسرائيل لا تقل أهمية عن علاقات الأخيرة مع الولايات المتحدة، فإنّ كلمة ممثل الاتحاد الأوروبي للأراضي الفلسطينية، سفين كون فون بيرغسدورف، أول من أمس الاثنين، ضمن مهرجان ضدّ الضم في مدينة أريحا، تبلور الموقف الأوروبي، والدولي عموماً، وتفصح عن المدى الذي تريد أن تذهب إليه تلك الجهات. إذ ركز بيرغسدورف على المواقف الدولية المعلنة والتي تتردد بشكل مستمر، أولها رفض الخطة، ورفض أي تغييرات على حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967، من دون أي اتفاقيات حول ذلك بين طرفي الصراع. وثانياً، أنّ الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للسلطة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئة الفلسطينيين (أونروا)، وثالثاً أنّ أي خطوة في إطار الضم "لن يتم الاعتراف بها"، وأنّ "الاتحاد يراقب عن كثب تبعات هذه المخططات، ويؤكد أنه في حال تنفيذ أي ضم فسيكون هناك رد منه يتناسب مع هذا الأمر، وهو يرى أن ذلك ستكون له نتائج على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل". غير أنه لم يحدد أي من المسؤولين الكبار في الاتحاد الأوروبي ما هي الخطوات التي ستتخذ. وتلك التصريحات تشبه تصريحات أخرى كان قد أطلقها مسؤولون عندما ضمت إسرائيل القدس ونقلت الولايات المتحدة سفارتها إليها، إذ لم يخفض الاتحاد الأوروبي وقتها من تعاونه الاقتصادي والأمني والدبلوماسي مع إسرائيل، واكتفى ببعض الخطوات التجميلية.
أما بالنسبة للوبي الإسرائيلي المعارض للضمّ، فإن معارضته لا تأتي في إطار حرص على حقوق الفلسطينيين. إذ يبرز الحديث عن "تهديد ديموغرافي، (هو تعبير عنصري) ستضطر إسرائيل للعيش في ظله لاحقاً مع أغلبية فلسطينية". كما يتحدّث فريق آخر من جنرالات سابقين أو دبلوماسيين إسرائيليين، عن الكلفة العسكرية والتهديد الأمني على مستويات عدة، بما في ذلك عدم استقرار قد يشهده الأردن، أو عزل إسرائيل دولياً ووقف دول عربية، ولا سيما خليجية، ضغوطها بما يتعلق بإيران ونفوذها في المنطقة. لكن لا يبدو أنّ هناك من يأخذ "التهديدات" العربية على محمل الجد، وخصوصاً السفير الأميركي لدى دولة الاحتلال، ديفيد فريدمان، الذي يعمل مع الجانب الإسرائيلي على ترسيم "الحدود الجديدة" ضمن لجنة أميركية إسرائيلية. وحتى التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي أعلن الجانب الفلسطيني عن إيقافه، يؤكد واقع الحال على الأرض عكس ذلك، وأنّ هذا الوقف صوري أكثر منه فعلي.
ويعيدنا ذلك إلى الدائرة الثانية من التحركات على الصعيد الدولي، والمتمثلة بالأمم المتحدة، وأهم مؤسستين فيها: الجمعية العامة ومجلس الأمن. ولعل ما يحدث على هذا المستوى ليس أكثر من انعكاس وبلورة لما يحدث على مستوى العواصم، ولكن في مبنى واحد، وهو مقر الأمم المتحدة. والسؤال هنا هو: ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعية العامة، التي تضم 193 دولة، من أجل الضغط على إسرائيل لوقف خطط الضم، وكذلك وقف خروقاتها لقرارات تلك الجمعية؟ في إجابة عن هذا السؤال، قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، تيجاني محمد باندي، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد": "بالنسبة للجمعية العامة، لا يمكننا عقد اجتماع عام رسمي للنظر في هذا الشأن (بحضور جميع الدول الأعضاء إلى القاعة، إذ إنّ الأمم المتحدة مستمرة حتى نهاية يوليو المقبل بالعمل عن بعد بسبب فيروس كورونا)، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الجمعية تعتبر أنه لا يمكن للدول أن تغير الحدود كما يحلو لها. هذه الأمور يتم القيام بها عن طريق المفاوضات وبما يتماشى مع القانون الدولي، ولم يتغير شيء في هذا السياق، إذ ما زالت الجمعية العامة ملتزمة بقراراتها التي تدعم حلّ الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967".
ولكن في الحقيقة يمكن للجمعية العامة، على الأقل نظرياً، أن تقوم بعدد من الخطوات الإضافية لردع الجانب الإسرائيلي، ومن بينها التصويت على تجميد عضوية إسرائيل فيها، أسوة بما حدث عام 1974 عندما تمّ تجميد عضوية جنوب أفريقيا تحت نظام الفصل العنصري، ما أدى لفقدانها حقها في الحديث وتقديم اقتراحات والتصويت. لكن هذا السيناريو أو ما يشببه غير مطروح حتى للنقاش حالياً.
وحول الخطوات التي اتخذها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، لمجابهة التحركات الإسرائيلية، والاتصالات التي يقوم بها، قال المتحدث الرسمي باسمه، ستيفان دوجاريك، لـ"العربي الجديد"، رداً على أسئلة حول الموضوع: "لقد تحدث السيد ملادينوف (ممثل الأمين العام لعملية السلام في الشرق الأوسط) بشكل واضح وعلني عن مسألة الضم ولا سيما في لقاءاته مع الإسرائيليين، وقال إنّ هذه الخطوة تهدد عملية السلام برمتها". وعن الرباعية الدولية (روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة)، وعدم تمكنها من عقد أي اجتماعات لتنشيط المباحثات، قال دوجاريك: "لقد تحدثنا وحاولنا تجديد عقد اجتماعات الرباعية، وكما هو واضح لم نتمكن من عقدها وكنا نأمل أن يحدث هذا لأنه مهم". وهنا أيضاً، لم تتمكن الأمم المتحدة من تفعيل حتى اجتماعات الرباعية، مجرد الاجتماع، لأنّ الجانب الأميركي يقف بالمرصاد ويعارض هذا الأمر. أما غوتيريس، فلم يدرج إسرائيل على "قائمة العار" في تقريره الأخير حول الأطفال والنزاعات المسلحة، على الرغم من تسجيل التقرير لقرابة أربعة آلاف انتهاك بحق الأطفال الفلسطينيين.
في المقابل، تركّز العديد من الدول الغربية على قضية المساعدات التي تُقدّم للاجئين الفلسطينيين أو السلطة، وكأن المساعدات هي الحلّ. وربما ليس مصادفة أنّ يعقد، يوم أمس الثلاثاء، أي قبل يوم واحد من اجتماع اليوم في مجلس الأمن، مؤتمر للمانحين شارك فيه غوتيريس وحضره الجانب الفلسطيني على مستوى وزير الخارجية وترأسته كل من الأردن والسويد كذلك على مستوى وزاري، يهدف إلى الحصول على التزامات فورية وطويلة المدى من الدول التي تدعم "أونروا" ومؤسساتها. وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوة وضرورة دعم "أونروا"، خصوصاً في ظل الهجوم الأميركي والإسرائيلي على المنظمة وقطع الدعم المالي عنها، إلا أنّ ورقة "المساعدات" ترفع بوجه أي سؤال حول الخطوات الفعلية على الأرض لمجابهة التحركات والانتهاكات الإسرائيلية. إذاً، فإن اجتماع مجلس الأمن اليوم، وعلى الرغم من أهميته الرمزية، فإنه سيستخدم للاستهلاك المحلي الفلسطيني، وستعلن فيه الدول مواقفها "الحاسمة" لرفع العتب وحفظ ماء الوجه.