كشفت مصادر دبلوماسية مصرية أن القاهرة تتعرض لضغوط كبيرة من الإمارات والسعودية لـ"دفعها دفعاً" إلى التدخل العسكري المباشر في ليبيا، لا سيما بعد الخطاب الذي أدلى به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السبت الماضي وإعلان ما وصفه بـ"توافر الشرعية الدولية لأي تدخل مصري عسكري". وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن اتصالات عديدة جرت بين الرئاسة والمخابرات المصرية وبين القيادات في أبوظبي والرياض، اتجه فيها حديث تلك القيادات نحو دعم التحرك المصري "الحتمي" في ليبيا اقتصادياً وعسكرياً، والترحيب به لحسم تفاقم المواجهات بين مليشيات شرق ليبيا التي يتزعمها خليفة حفتر والمدعومة من الدول الثلاث، وقوات حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، وذلك على عكس اتجاه الاتصالات الجارية على مدار الساعة مع القوى الأوروبية والولايات المتحدة، والتي باتت أكثر حرصاً على التوصل إلى حل سياسي، مع استشعار اقتراب الخطر من منطقة الهلال النفطي.
وأوضحت المصادر أن أحد تقارير تقدير الموقف من جهة عليا اقترح على السيسي استمرار العمل على تجهيز الجيش بالكفاءة القصوى، خصوصاً سلاحي الجو والبحرية، والاكتفاء بتوجيه ضربات جوية كبيرة لأهداف ليبية وتركية في حال استمرار تعقّد الموقف حول سرت والجفرة، من دون الانجرار إلى تدخل بري أو بحري مباشر، معتبراً أن من أهداف هذه الضربات تخويف إثيوبيا. بينما اقترح تقرير تقدير موقف آخر تم تداوله في جهات رسمية عليا وهو العمل سريعاً على إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في شرق ليبيا لضمان استمرار مراقبة الجيش المصري عن قرب للأوضاع الميدانية، وعدم الزج بأعداد كبيرة من القوات، مع التوسع في تدريب أفراد القبائل الليبية والبدء في تكوين جيش ليبي كبير موالٍ لمصر تكون نواته مليشيات حفتر.
وأضافت المصادر أن من مصلحة الإمارات تحديداً دخول مصر لقيادة العمل العسكري لتحالف قوى شرق ليبيا بنفسها، بعد الفشل المتكرر والذريع لحفتر في قيادة هذه المليشيات وتحقيق الاستفادة القصوى من الأموال التي ساعدته بها الإمارات إلى جانب المعدات العسكرية والأسلحة والذخائر. واعتبرت المصادر هذه المسألة من ركائز الخلاف المصري الإماراتي حول ليبيا، فمصر التي تعطي حالياً حفتر فرصته الأخيرة لإدارة الموقف على الأرض، ما زالت متشككة في مدى ولاء أي شخصية أخرى لها، عكس ثقتها الكبيرة بحفتر التابع للقاهرة وأجهزتها منذ بداية ظهوره في المشهد الليبي، وفي الوقت نفسه فإن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد يجد من الصعوبة استمرار قبول هذا الوضع المهدر للطاقة والمساعدات والفرص، لا سيما أن رئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، والذي تتعامل معه القوى الإقليمية والدولية بصورة أكثر جدية من ذي قبل حالياً بسبب هزائم حفتر، سبق أن رشح للإمارات ومصر عدداً من الشخصيات التي يمكن الاعتماد عليها لتسيير ما يسمى بـ"الجيش الوطني الليبي". لكن وبحسب المصادر المصرية، فإن الإمارات والسعودية تعتبران أن الوضع حالياً أصبح من الخطورة بما لا يسمح بتكرار تجربة الاعتماد على شخصية ليبية يمكن أن تقدم على "بعض الحماقات" مثل حفتر.
وسبق أن استبعدت مصادر دبلوماسية وحكومية مصرية مطلعة أن تعلن الدولة قريباً التعبئة العامة استعداداً للتدخل العسكري المباشر بالصورة التي أوحى بها حديث السيسي، مؤكدة أنه ليس في مصلحة مصر فتح جبهة عسكرية قد يطول أمدها مع تركيا وقوات حكومة الوفاق في الوقت الحالي، خصوصاً أن الخطاب التركي والإشارات الواردة من الوفاق تعكس أولوية الرغبة في التفاهم مع مصر حول مستقبل الأوضاع في ليبيا، مع تأكيد ضرورة استبعاد حفتر من المعادلة السياسية والاستراتيجية.
وذكرت المصادر أن جهاز المخابرات العامة القائم على الملف الليبي في مصر قد التقط بالفعل تلك الإشارات في الآونة الأخيرة، لا سيما خلال التعاون في عملية إعادة العمال المصريين الثلاثة والعشرين نهاية الأسبوع الماضي، وكذلك تصريحات الخارجية التركية المتواترة عن أهمية ليبيا الاستراتيجية لمصر، وإمكانية التنسيق بين الطرفين. وأكدت المصادر أن اللهجة الجديدة للخطاب المصري والتلويح بالتدخل العسكري المباشر يعكسان تغيراً في بعض الأوضاع داخل جبهة شرق ليبيا، أبرزها اعتبار المهمة الحالية لحفتر في حماية سرت والجفرة والحفاظ على تماسك مليشياته وعدم ارتكاب أخطاء استراتيجية جديدة هي الأخيرة له، وفي حال فشله فسوف يتم استبداله أو تجاوز وجوده مباشرة، والاعتماد على عقيلة صالح كواجهة وحيدة للحلف الإقليمي المناوئ لحكومة الوفاق.