- الساحة السياسية تشهد تزايدًا في عدد المليشيات المسلحة ذات الأجنحة السياسية، مع وجود 48 حزبًا يمتلكون أجنحة مسلحة، مما يقوض فرص القوى المدنية والليبرالية.
- الأمل في التغيير الديمقراطي تبدد بسبب المحاصصة الطائفية والحزبية، مع تجاهل بناء المؤسسات وفصل السلطات، مما يدفع العراق نحو الاستبداد ويبرز الحاجة إلى عقد اجتماعي سياسي جديد.
لا جديد يُذكر في المشهد العراقي بعد 21 عاماً على الغزو الأميركي للبلاد، وإسقاط نظام صدام حسين وتأسيس العملية السياسية، والتي فرضت نظاماً تحاصصياً طائفياً أثبت في أكثر من مرة فشله، واستحالة قيام الدولة المدنية في بلد يعتبر واحداً من أغنى دول المنطقة بالتعددية الدينية والمذهبية والعرقية، وحتى الثقافية.
وتتوافق ذكرى الاحتلال وسقوط بغداد في التاسع من إبريل/ نيسان 2003، العام الحالي، مع أرقام حصلت عليها "العربي الجديد" من داخل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تُشير إلى ارتفاع عدد الأحزاب والكيانات السياسية إلى 295 حزباً وحركة سياسية مُسجلة ومعتمدة رسمياً، من بينها 40 في إقليم كردستان وحده، بينما يوجد 55 حزباً لم تكتسب درجة الاعتماد في دائرة الأحزاب التابعة للمفوضية.
وتحتل الأحزاب الدينية والطائفية والمناطقية أو العرقية نحو 82 في المائة من تلك الأحزاب والكيانات، ترفع بمجملها شعارات تبرز الهويات الفرعية على حساب الوطنية منها، وهو ما يعتبر أحد أبرز عوامل استمرار الشد الطائفي والقومي داخل البلاد.
أجنحة سياسية للمليشيات العراقية
غير أن الأرقام التي حصلت عليها "العربي الجديد"، تظهر ارتفاع عدد المليشيات المسلحة، والتي أسست أجنحة سياسية لها بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر دعم أشخاص مرتبطين بها لتأسيس أحزاب تهدف بالمحصلة لتعزيز وجودها في خريطة الفاعلين بالبلاد.
وفي وقت سجلت فيه حكومة محمد شياع السوداني الحالية وجود أحد أبرز قادة الفصائل المسلحة وهي جند الإمام أحمد الأسدي كوزير للشؤون الاجتماعية، فإن البرلمان العراقي يحفل بأعلى تمثيل للفصائل المسلحة أيضاً عبر الكتل السياسية، والتي ينضوي معظمها ضمن تحالف الإطار التنسيقي الحاكم. وأبرز تلك الكتل صادقون، وبدر، وحقوق، وبابليون، وعطاء، والشبك، وسند، والانتفاضة الشعبانية، والفتح، والتقدم الأيزيدي.
يحظر القانون العراقي امتلاك الحزب جناحاً عسكرياً أو الارتباط بأي نوع من الفصائل المسلحة
يأتي ذلك إلى جانب أحزاب تقليدية بارزة تمتلك أجنحة مرتبطة بها، مثل المجلس الإسلامي الأعلى، وحزب الدعوة الإسلامية، وتيار الحكمة، غير أن عملها السياسي يتفوق على الجانب الفصائلي منه. مع العلم أن قانون الأحزاب السياسية، والذي أقرّه مجلس النواب العراقي في 27 أغسطس/ آب 2015، يحظر امتلاك الحزب جناحاً عسكرياً أو أي تشكيل مسلح أو الارتباط بأي نوع من الفصائل المسلحة.
وتشترط المادة الثامنة من الفصل الثالث من قانون الأحزاب السياسية، وهو الفصل المتعلّق بأحكام التأسيس، ألا يكون تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي وعمله متخذاً شكل التنظيمات العسكرية، أو شبه العسكرية. كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة، وفقاً لما جاء في القانون المنشور على الموقع الرسمي لمجلس النواب العراقي على الإنترنت.
غير أن الواقع وبلغة الأرقام يشير إلى وجود 48 حزباً في العراق تمتلك أجنحة مسلحة تتفاوت بالقوة والعدد وتنضوي جميعاً داخل هيئة الحشد الشعبي، ما يضع فرص القوى المدنية والليبرالية، والتي ترفع شعار الدولة المدنية ومعيار المواطنة، أمام تحدٍ جديد في إيجاد مساحة للعمل، خصوصاً مع تاريخ التصفيات والاغتيالات لقادتها على يد فصائل مسلحة، بعضها باتت تملك أحزاباً سياسية.
فصائل مسلحة تتجاهل قانون الأحزاب في العراق
وتقول المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات العراقية جمانة غلاي إن "الأحزاب السياسية المسجلة في العراق حتى الآن يصل عددها إلى قرابة 300 حزب، بينها نحو 40 حزباً في إقليم كردستان". وتوضح لـ"العربي الجديد" أن "المفوضية غير معنية بتوجهات الحزب سواء كانت دينية أو ليبرالية أو قومية". وتلفت إلى أن المفوضية "تتعامل مع جميع الأحزاب على أنها أحزاب عراقية، لكن يتم تسجيل قوائم انتخابية قومية في بعض الأحيان".
من جانبه، يبيَّن مصدر مسؤول من دائرة الأحزاب العراقية المرتبطة بمفوضية الانتخابات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عدد الأحزاب التي تمتلك أجنحة مسلحة ارتفع منذ عام 2016 بنحو الضعف". ووفقاً للمسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن "دائرة الأحزاب بالأساس تتألف من أعضاء تم ترشيحهم من أحزاب وفقاً لنظام المحاصصة المعروف، وبالتالي لا توجد استقلالية لهم في رفض تسجيل هذا الحزب أو ذاك".
ويعتبر أن "الغاية هي الدخول في الانتخابات بنهاية المطاف، لذلك كانت القوانين والضوابط تطبق على الأحزاب المدنية والحراكات الشعبية المستقلة"، مُقرّاً بأن "كثيراً من الأحزاب المسجلة تفتقر لشروط تسجيل الحزب رسمياً، لوجود مخالفات تتعلق بالعمل والنشاط المسلح، أو مجهولية التمويل، لكنها حصلت بالنهاية على ترخيص بفعل نفوذها".
تقويض الديمقراطية في العراق
في غضون ذلك يشير سكرتير المكتب السياسي في الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي إلى أن الشعب العراقي كان ينتظر التغيير الحقيقي بعد سقوط بغداد عام 2003، و"كان يتطلع إلى الخلاص من حقبة النظام الديكتاتوري والتحوّل إلى نظام ديمقراطي يتم من خلاله استثمار الأموال العراقية بأحسن الطرق".
لكنه يضيف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما حصل هو المحاصصة الطائفية والحزبية، والديمقراطية التوافقية، بالإضافة إلى صراعات جديدة بشأن محتوى الدولة ولا تزال قائمة".
فهمي: النظام الجديد أهمل بناء المؤسسات وفصل السلطات والمواطنة
ويوضح أن "الديمقراطية في العراق خضعت للأسس التي قام عليها النظام السياسي بعد عام 2003، وهي قوّضت المرتكزات الأساسية لبناء الدولة الجديدة". ويتابع: "النظام الجديد تعامل مع الديمقراطية على أنها إجراء الانتخابات، وأهمل بناء المؤسسات والفصل الحقيقي للسلطات وربط المواطنة. هذا كله لم يحدث"، مضيفاً أنه "خلال 21 عاماً أقدم ممثلو المكونات في الأحزاب السياسية على اختزال المكونات لمصالحهم وبطريقة حزبية احتكرت السلطة، وبالتالي تمتعت بمواردها، ونتيجة لذلك نشأت فئات وشرائح من هذه الأحزاب تمتعت بامتيازات غير اعتيادية".
ويلفت إلى أن "التداول السلمي للسلطة بعد تغيير نظام صدام حسين اختزل إلى التداول ما بين الأحزاب المتنفذة للسلطة، ولم يسمح للأحزاب المدنية والعلمانية والليبرالية بالمشاركة في هذا التداول". ويوضح فهمي أن "الكثير من القوانين غير مفعلة، مثل قانون العمل والقوانين التي تحافظ على المنتج الوطني، وذلك لأسباب، منها سياسية"، معتبراً أنه "بالتالي فإن المنافسة السياسية حين تكون من دون ضوابط، فهي بمثابة إعلان حالة الحرب".
ويشير إلى أن المنافسة أصبحت "محتكرة وتستخدم وسائل غير شرعية، ولذلك ظهرت جسور بين السياسة والاقتصاد والسلاح للجهة السياسية نفسها، ما أدى إلى ظهور شرائح سياسية يمكن تسميتها بكلية القدرة، مقابل جهات محرومة من ممارسة حتى عملها المدني والنشاط السياسي الوطني". وبرأيه، فإن "الجهات النافذة التي تسيطر على السلطة تسعى إلى تغطية فشلها بمبادرات مثل المعونة المالية الاجتماعية (الرعاية الاجتماعية)، وهذا لا ينفي وجود 10 ملايين عراقي تحت خط الفقر"، موضحاً أنه "لو احتسبنا الجهات القريبة من خط الفقر، لوجدنا أن نحو نصف الشعب العراقي فقير".
طموحات متبددة للعراقيين
بدوره، يعتبر رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن "الآمال والطموحات تبددت بعد 21 عاماً من تغيير النظام" وسقوط بغداد بعد الغزو الأميركي، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العراقيين "كانوا يأملون بالتحوّل الديمقراطي في ظل دولة مؤسسات وعدالة اجتماعية وتكافؤ الفرص واستعادة الدور الفاعل في تثبيت الاستقرار في المنطقة".
الشمري: العراق يتحوّل تدريجياً نحو الاستبداد والنظام السلطوي
ويوضح أن "مستوى الإحباط لدى العراقيين حالياً بلغ أعلى مستوياته، فيما يبدو أن العراق يتحول تدريجياً إلى نظام سلطوي، إذ إن الديمقراطية لم تعد نمطاً سياسياً واجتماعياً، بل اقتصرت على صورة الصندوق الانتخابي فقط".
كما يتحوّل العراق، وفق الشمري، "تدريجياً نحو الاستبداد، فيما فرص تعافي العملية السياسية صعبة"، ويعزو ذلك إلى أن "الطبقة الحاكمة لديها القدرة على وأد أي فرصة لتصحيح الانحراف والإصلاح، والفرصة الوحيدة لتحسين الوضع هي الذهاب إلى عقد اجتماعي سياسي جديد، لتجاوز إخفاق عقدين من الزمن". ويعتبر أن "التجارب المدنية والليبرالية ضيقة جداً، وقد تم تقويض أهم التجارب، مثل تجربة (زعيم ائتلاف الوطنية) إياد علاوي ثم تجربة (النائب السابق والأمين العام لحزب الشعب) فائق الشيخ علي".