4 عوائق أمام تطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام السوري

15 يوليو 2024
لم تقدم أنقرة أية تنازلات لنظام الأسد رغم اندفاعها نحو التطبيع (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التوترات بين تركيا وسوريا حول التطبيع**: دمشق ترفض التطبيع مع تركيا دون انسحاب القوات التركية من الشمال، بينما تواصل أنقرة التوغل في الأراضي السورية دون تقديم تنازلات.

- **العوائق أمام التطبيع**: تشمل العوائق إصرار النظام السوري على الانسحاب التركي، ورفض إعادة اللاجئين، وتخلي تركيا عن المعارضة السورية مما يضر بسمعة حكومة أردوغان.

- **العوامل الإقليمية والدولية**: تلعب العوامل الإقليمية والدولية دوراً كبيراً، حيث تضغط طهران على دمشق لعدم التجاوب مع تركيا، وتسعى أنقرة للحفاظ على علاقاتها مع الغرب وحلف الناتو.

الرد من قبل دمشق على التصريحات التركية، حول الرغبة في التطبيع مع النظام السوري كان متوقعاً، بما يجعل المسألة معلقة، دون فتح نوافذ أمام الأتراك، في ظل الأبواب الموصدة بين الطرفين. وقبل استعراض موقف النظام، تجدر الإشارة إلى أنه رغم الاندفاع التركي نحو تطبيع العلاقات، إلا أن أنقرة لم تقدم أي تنازلات إلى النظام منذ ظهور خطوط التواصل بين الطرفين قبل نحو ثلاثة أعوام، بحسب ما أعلن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الأحد. ففي حين وقفت دمشق عند مطالبها، أساسا للتفاوض على التطبيع، وليس إتمامه بطبيعة الحال، لا سيما بالتشديد على انسحاب القوات التركية من الشمال، فإن أنقرة لم تعط أي إشارات على الذهاب نحو هذا الاتجاه، بل على العكس، فإنه بالتوازي مع برود النظام بالرد على التصريحات التركية، بادئ الأمر، كان وزير الدفاع التركي يجدد نية بلاده بالتوغل بعمق 30 إلى 40 كلم في الأراضي السورية، وذلك خلال اجتماعات حلف شمال الأطلسي (ناتو) في واشنطن، قبل أيام.

على ذلك، يتضح عدم الرغبة التركية في إعطاء تنازلات حقيقية للنظام، على الأقل حتى الآن، ويظهر أن أنقرة لا تريد وليست قادرة (بالمفهوم السيادي) على تقديم التنازلات المطلوبة، سيما مسألة الانسحاب، وترك الحدود مشرعة أمام ابتزاز النظام باستخدام ورقة المجموعات الكردية. مقابل ذلك، هناك عدم رغبة في دمشق لإتمام عملية التطبيع، حتى وإن جلس النظام على طاولة مفاوضاتها، وربما يحصل ذلك بشكل وإطار جديدين، فجولة التفاوض التي تمت بوساطة روسية من خلال الاجتماعات التقنية لوزراء الدفاع والخارجية ورؤساء الاستخبارات، لم تفض إلى شيء.

عملياً، هناك عدة عوائق تمنع أو تعرقل التطبيع بين أنقرة ودمشق، وتجعل من الأمر مسألة شكلية، هدفها تسجيل المواقف، أو تحقيق مكاسب على المستوى السياسي، لا سيما في الداخل لكل من الطرفين. أولاً، إصرار النظام على الانسحاب التركي من الأراضي السورية في الشمال، وهو يعلم أن أنقرة لا يمكن أن تقدم على هذه الخطوة بعد أن قدمت لها الحرب السورية فرصة التوغل في الشمال لدرء خطر حزب العمال الكردستاني وأذرعه السورية، حزب الاتحاد وقوات سورية الديمقراطية (قسد). وهو إصرار لا يستند إلى التذرع بالسيادة المطلقة، سيما أن المساحات التي توغلت فيها قوات تركيا كانت أساسا تحت سيطرة المعارضة السورية وقسد، مع العلم أن النظام السوري هو من سمح لقسد بالتمدد في الشمال الشرقي في البلاد، ردا على مساندة أنقرة للمعارضة السورية بعد اندلاع الاحتجاجات على نظام بشار الأسد.

ثانياً، من الواضح أن أنقرة تندفع باتجاه التقارب، وليس التطبيع، بهدف حل مشكلة اللاجئين السوريين على أراضيها، لكن النظام السوري لا يزال مصرا على عدم إعادة اللاجئين رغم كل المبادرات الدولية لهذا الشأن حتى من قبل حلفائه الروس، ويرجع هذه الإصرار لأسباب مذهبية في المقام الأول، فمعظم اللاجئين من لون وطيف واحد، وسياسية في المقام الثاني، كون الغالبية من اللاجئين يؤيدون الحراك ضد رئيس النظام بشار الأسد. وأخيراً، أسباب اقتصادية تتعلق بعدم قدرة النظام على توفير الاحتياجات والخدمات وبنى تحتية للناس الذين بقوا في مناطق سيطرته، فكيف بأعداد اللاجئين الضخمة.

ثالثاً، مهما بلغت براغاماتية حكومة أردوغان، بتعاطيها مع ملفات إقليمية ودولية مختلفة، ومنها الملف السوري، فإن إتمامها التطبيع مع النظام، يعني تخليها الكامل عن المعارضة السورية، وهذا سيثبّت على أردوغان وحكومته مبدأ "البيع والشراء" مع الجهات التي تتعامل معها وتدعمها، ما سيكون له صدى في دول ومواقع أخرى، سيما أن حكومة أردوغان "تدخلية"، وعملت على مد أذرع في مواضع عدة، بينها ليبيا وكردستان العراق وأذربيجان، مع التوغل في بعض الدول الأفريقية الفقيرة. وتحرص حكومة أردوغان على عدم ترك هذا الانطباع عنها لدى أي جهة تريد إنشاء علاقات مع تركيا.

رابعاً، العوامل الإقليمية والدولية ستفرض أو فرضت أساسا نفسها على مسألة التطبيع والأساس الذي سيقوم عليه، إذ تشير المعلومات الواردة من دمشق بأن طهران تضغط على النظام لعدم إتمام التطبيع مع تركيا أو التجاوب معه بشكل حقيقي. وإن كانت روسيا أبرز حلفاء النظام، لكن أُذنه في طهران، وهذه الأخيرة تضيق ذرعا من المنافسة الروسية على النفوذ معها في سورية، وتجهد لعدم وجود منافس آخر، مهما كان شكله أو نوع علاقته بسورية. وتحت هذه العائق، يندرج الموقف التركي كذلك، إذ لا يمكن لأنقرة أن تنفصل عن "تغريبها" مهما بلغت قوة علاقتها مع الوسيط الروسي، فما بين أنقرة والغرب من علاقة في حلف (ناتو) وسعي للانضمام للاتحاد الأوروبي، أكبر من التحالف التكتيكي مع موسكو، وستأخذ حكومة أردوغان بعين الاعتبار عدم استجرار الحنق الأميركي والأوروبي عليها، نظرا للموقف الغربي المعادي للنظام بسبب حلفه مع روسيا وإيران أولا، وثانيا على خلفية تداعيات الحرب السورية.

خلال هذه الشهر وقبله، رمى الأتراك والنظام بأوراقهما على طاولة من سراب، وقد تجمع تلك الأوراق أو يعاد ترتيبها على طاولة حقيقية خلال جلسات تفاوض، لكن كل المعطيات والوقائع، تشير إلى أن النتائج ستبقى واحدة.