أفرزت النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية التي جرت في المغرب، الأربعاء، خريطة سياسية جديدة تجعل سيناريو تشكيل الحكومة المقبلة مفتوحاً على جميع الاحتمالات.
وفي وقت تترقب فيه الساحة السياسية هوية المرشح لقيادة حكومة ما بعد اقتراع الثامن من سبتمبر/أيلول، بناء على تكليف من ملك البلاد، توحي نتائج صناديق الاقتراع أنّ الطريق لتشكيل الأغلبية القادمة ستكون سهلة على الأقل، ولن تصل إلى ما عاشته البلاد من أزمة استمرت لأشهر في عام 2016 جراء ما يعرف بـ"البلوكاج" (الانسداد السياسي)، الذي أطاح برئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران.
وكانت النتائج التي أعلنت عنها وزارة الداخلية المغربية، الليلة الماضية، قد كشفت عن حصول حزب "التجمع الوطني للأحرار" على 102 مقعد نيابي من أصل 395، وحزب "الأصالة والمعاصرة" على 86 مقعداً، و"حزب الاستقلال" على 81 مقعداً، في حين احتل حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" المرتبة الرابعة بـ35 مقعداً، وحزب "الحركة الشعبية" المرتبة الخامسة بـ29 مقعداً.
وحقق حزب "التقدم والاشتراكية" المرتبة السادسة بـ21 مقعداً، وحزب "الاتحاد الدستوري" المرتبة السابعة بـ18 مقعداً، مقابل 13 مقعداً فقط لحزب "العدالة والتنمية"، بينما تشغل الأحزاب السياسية الأخرى 10 مقاعد.
وبلغة الأرقام، فإنّ على قيادة "الأحرار" البحث عن 96 مقعداً من أجل تشكيل حكومة بحد أدنى من الأغلبية وهي 198 مقعداً، وهي الإمكانية التي لا يرتاح إليها الحزب، الذي يطمح إلى تكوين حكومة ذات أغلبية مريحة قادرة على مواجهة التحديات.
وبينما يسود ترقب لطبيعة التحالفات التي يمكن نسجها من قبل الأحزاب لتشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، كان لافتاً استباق رئيس "التجمع الوطني للأحرار" عزيز أخنوش للمفاوضات السياسية التي ستنطلق مباشرة بعد التكليف الملكي، برسم خريطة تحالفات حزبه لتكوين حكومة جديدة من خلال التأكيد على أنّ الأحزاب التي سيتحالف معها تجمعه بها رؤية موحدة وبرنامج حكومي طموح، من أجل "تكوين أغلبية رصينة". وأشار إلى أنّ برنامج حزبه سيشكل قاعدة تفاوضه مع الأحزاب الوطنية لبناء أغلبية قوية ومنسجمة، لإحداث "القطيعة مع الماضي".
وفي ظل ما أفرزته صناديق الاقتراع من نتائج، تبرز خمسة سيناريوهات لتشكيل الحكومة المغربية الجديدة، بحسب مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية" خالد الشرقاوي السموني.
ويتمثل أول هذه السيناريوهات، بحسب السموني، في إنجاز تحالف حكومي بين الأحزاب الثلاثة الأولى: "التجمع الوطني للأحرار" (102 مقعد)، و"حزب الأصالة والمعاصرة" (86 مقعداً)، و"حزب الاستقلال" (81 مقعداً)، بأغلبية 269 مقعداً.
من جهته، قال الباحث في العلوم السياسية حفيظ الزهري، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ نسبة تحقق تحالف بين "التجمع الوطني للأحرار" وحزب "الأصالة والمعاصرة" تبقى ضعيفة، مستدلاً على ذلك بالتشجنات التي عسكتها تصريحات واتهامات الأمين العام لـ"الأصالة والمعاصرة" عبد اللطيف وهبي بحق عزيز أخنوش بـ"توظيف قدراته المالية وموقعه الحكومي لأهداف انتخابية".
إلا أنّ الزهري يشير إلى احتمال تغير مواقف قيادة "الأصالة والمعاصرة" من قيادة "الأحرار"، بحكم القاعدة السياسية "لا عداوة دائمة في السياسة"، لافتاً إلى أنّ تحالفهما يبقى مرتبطاً بما ستسفر عنه مفاوضات توزيع الحقائب الحكومية ورئاسة مجلس النواب، لا سيما إذا أُغري رفاق وهبي بنتائج المشاركة في حكومة "الأحرار".
وبحسب الباحث في العلوم السياسية، فإنه في حال تحقق هذا التحالف، فإن نتائجه ستكون تشكيل حكومة قوية، مضيفاً: "أتوقع أن تكون المفاوضات صعبة وألا تقتصر على الحقائب الوزارية، وإنما أيضاً على ما ستؤول إليه رئاسة مجلس النواب المقبل".
أما عن السيناريو الثاني الذي يتوقعه مدير "مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية" لتشكيل الأغلبية الحكومية المقبلة، فيتعلق بضم حزب آخر يتقاسم الإيديولوجيا نفسها تقريباً مع الأحزاب الثلاثة الأولى لتشكيل الحكومة بأغلبية مريحة، لافتاً، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يمكن إضافة حزب "الاتحاد الدستوري" في هذه الحالة بالنظر لتقاربه مع "حزب التجمع الوطني للأحرار".
ويرى السموني أنّ التشكيل الحكومي في هذه الحالة يصبح على النحو التالي: "التجمع الوطني للأحرار" (102 مقعد)، وحزب "الأصالة والمعاصرة" (86 مقعداً)، و"حزب الاستقلال" (81 مقعداً)، وحزب "الاتحاد الدستوري" (18 مقعداً)، بأغلبية 287 مقعداً.
أما السيناريو الثالث، فيكمن في ضم حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" إلى الأحزاب الثلاثة الأولى لتشكيل الحكومة بأغلبية مريحة، ليصبح معها التشكيل الحكومية متكوناً من "الأحرار" (102 مقعد)، و"الأصالة والمعاصرة" (86 مقعداً)، والاستقلال (81 مقعداً)، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" (35 مقعداً)، وبأغلبية 304 مقاعد.
وكسيناريو رابع، يرى السموني إمكانية التوصل إلى تحالف لتشكيل الحكومة المقبلة يتكون من "التجمع الوطني للأحرار" (102 مقعد)، و"حزب الاستقلال" (81 مقعداً)، و"حزب الاتحاد الاشتراكي" (35 مقعداً)، بأغلبية 218 مقعداً، في حال اختار حزب "الأصالة والمعارضة" التموقع في المعارضة.
في المقابل، يبدو أنّ السيناريو الخامس ممكن التوقع من خلال توسيع تشكيل الحكومة بأغلبية مريحة في حالة تموقع "حزب الأصالة والمعاصرة" في المعارضة، فتصبح الحكومة مشكلة من "التجمع الوطني للأحرار" (102 مقعد)، و"حزب الاستقلال" (81 مقعداً)، و"حزب الاتحاد الاشتراكي" (35 مقعداً)، و"حزب الحركة الشعبية" (29 مقعداً)، و"الاتحاد الدستوري" (18 مقعداً)، بأغلبية 265 مقعداً.
لكن الزهري يرى أنه في حال فشل قيادة "التجمع الوطني" في تشكيل الأغلبية، فإنّ سيناريو سادساً يلوح في الأفق، وهو التوجه نحو الحزب الثاني في الانتخابات (الأصالة والمعاصرة)، لتشكيل تحالف يضم أحزاب "الاستقلال"، و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، و"التقدم والاشتراكية"، في مؤشر للعودة إلى تحالف الكتلة الديمقراطية (تأسس في 1992 كإطار من أجل تنسيق المواقف بين "الاتحاد الاشتراكي"، و"الاستقلال"، و"التقدم والاشتراكية"، و"منظمة العمل الديمقراطي الشعبي"، و"الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، في نضالها الموحد من أجل تحقيق مطلب الإصلاح).
ويشير الزهري إلى أنّ ما يدعم ذلك هو الدعوات الصادرة عن قيادات أحزاب الكتلة، ومن أبرزها دعوة الأمين العام لـ"الاستقلال" إلى "إجراء تناوب ديمقراطي جديد يضمن تحولاً في البلاد، على اعتبار أنّ المحطة الحالية تتطلب العمل الجماعي من أجل تجاوز الإشكالات والتحديات المطروحة على المستويين الداخلي والخارجي، وبالتالي الحاجة الماسة لإفراز حكومة قوية قادرة على مواجهة التحديات".
كما صدرت دعوة مماثلة عبر عنها الكاتب الأول لـ"الاتحاد الاشتراكي" إدريس لشكر، حينما دعا إلى "تناوب سياسي جديد ذي أفق اجتماعي وديمقراطي يتيح لجميع المغاربة الحق في العيش الكريم".
ويعتبر الزهري أنّ سيناريو تشكيل ائتلاف حكومي يضم "الأصالة والمعاصرة" وأحزاب الكتلة الديمقراطية الثلاثة وارد جداً، مشيراً إلى أنه يمكن أن يحظى بالمساندة النقدية لمجموعة حزب "العدالة والتنمية"، في حين سيكون المشهد البرلماني بوجود معارضة قوية يتزعمها "التجمع الوطني للأحرار" ببرلمانييه الـ102، لافتاً إلى أنّ الخريطة التي أفرزتها الانتخابات تجعل التحالفات مفتوحة على جميع الاحتمالات في ظل عدم وجود خطوط حمراء.