حصل "العربي الجديد" على نسخة من تحريات هيئة الأمن القومي المصري، التي تم الاستناد إليها في تحقيقات القضية رقم 47 لسنة 2018 جنايات أمن الدولة العليا "طوارئ"، والتي قضت بموجبها المحكمة برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي يوم الأحد الماضي بالسجن المؤبد 25 عاماً غيابياً بحق 5 متهمين؛ وهم ضباط بالحرس الثوري الإيراني، لإدانتهم في القضية، وكذلك السجن المشدد 15 سنة حضورياً بحق متهم واحد مصري الجنسية وغرامة 500 ألف جنيه (نحو 30 ألف دولار) لكل منهم.
وتولّى التحقيق في القضية وكيلا نيابة أمن الدولة العليا، المستشاران أحمد الصاوي وضياء عابد، تحت رئاسة رئيس نيابة أمن الدولة المستشار أحمد الضبع، وإشراف المستشار خالد ضياء المحامي العام الأول لنيابة أمن الدولة العليا.
وبحسب التحقيقات، فإنّ "5 ضباط بالحرس الثوري، شكلوا خلية بالتعاون مع مدرس أزهري مصري، للتخابر مع دولة إيران، ووضع مخطط للإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي الدولي، وتكوين حكومة (شيعية) تتبع دولة إيران للسيطرة على مصر، وتكوين مجموعات من الأُسر والخلايا تتمدد في المجتمع المصري لخلق مجتمع (شيعي) يحقق أهداف دولة إيران". ويضاف إلى ذلك "دعْم مجموعات سياسية وعسكرية لخلق مليشيات مسلحة في مصر تتبع إيران على غرار (حزب الله) و(الحوثيين)، وإعداد تقارير عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية الداخلية للبلاد شاملةً تسليح القوات المصرية، ورصد ومحاولة تجنيد شخصيات عسكرية وسياسية ودينية، وغيرها من أعمال التخابر التي تضرّ بالأمن القومي لمصر".
وتضمّ القضية 6 متهمين رئيسيين، هم: علاء علي معوض (45 سنة) مدرس بمعهد "شها" الأزهري بمدينة المنصورة، بالإضافة إلى 5 ضباط بالحرس الثوري الإيراني، هم "حسن درباغي وشهرته الحاج حسن، ومحمد حسن ذكاري وشهرته أبو حسين، وحميدة الأنصاري، وكريمي محسن، وشفيعي حسين".
وأعدّت القضية هيئة الأمن القومي المصري، وجاءت في تحرياتها وفقاً لما ورد في تحقيقات النيابة، قيام المتهم الأول بالتخابر مع دولة إيران، والمتهمين الثاني وحتى السادس (العناصر بالحرس الثوري الإيراني) بقصد الإضرار بمركز مصر الحربي والسياسي.
وأفادت التحقيقات بأنّ المتهم الأول (علاء علي معوض) تعارف عام 2011 على المتهمة الرابعة (حميدة الأنصاري) داخل جامعة "المصطفى الإيرانية"، عبر تطبيق "بال توك" الإلكتروني، حيث دعته لزيارة دولتها، فزارها في الفترة من 25 يناير/ كانون الثاني 2013 وحتى 5 فبراير/ شباط 2013، وقدمته خلال ذلك لعناصر من الحرس الثوري الإيراني وهم المتهم الثالث (محمد حسن ذكاري)، أحد مسؤولي الملف المصري بالحرس الثوري الإيراني، والمتهمان الخامس والسادس (كريمي محسن، وشفيعي حسين).
اقــرأ أيضاً
وبحسب ما ورد في التحقيقات، جرى تجنيد معوّض للعمل لصالح دولة إيران من خلال تكليفه بنشر مذهبها بالبلاد، لتنفيذ أهدافها السياسية في السيطرة على العديد من دول الشرق الأوسط - ومنها مصر - بتكوينها ودعمها لمجموعات سياسية وعسكرية من معتنقي هذا المذهب بتلك الدول، تدين لها بالولاء. وذلك على غرار تأسيس أجهزتها الأمنية (الحرس الثوري الإيراني والمخابرات الإيرانية) لـ"حزب الله" بدول العراق ولبنان والسعودية والبحرين، وجماعة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، واستخدام تلك الأجهزة لشخصيات عربية من مختلف الجنسيات، على أن يستتر المتهم الأول في تنفيذه لذلك التكليف بادعاء "نشر فضائل آل البيت". كذلك، تمّ تكليفه بجمع المعلومات عن الأوضاع السياسية الداخلية في البلاد، وأوضاع الشيعة بها، وتكوين شبكة من المتعاونين معه في مختلف المجالات والأوساط، ولا سيما الأزهر ورجال الدين والإعلاميين.
كما أوكلت إليه مهمة إعداد مجلة سُمّيت "السراج المصري" لتوفير الغطاء الملائم للقيام بعمليات جمع المعلومات وإرسالها للخارج. وتمّ تكليفه باختيار وفرْز عناصر مصرية من مختلف الأوساط، وتسفيرهم إلى دولة إيران لفحصهم من قبل الحرس الثوري الإيراني وتجنيد من يصلح منهم للعمل لصالحه. وطلب منه كذلك تأسيس مركز سمّاه "رحمة للعالمين" يباشر نشاطه من خلال مقابل مادي يحصل عليه من الدولة الإيرانية، بعد مراجعة المتهم الثاني - مسؤول الملف المصري بالحرس الثوري الإيراني - لنشاطه واعتماد ذلك المقابل.
وأضافت التحقيقات أنه في إطار تنفيذ المتهم الأول لما كُلّف به، أعدّ خططاً وبرامج للترويج للمذهب الشيعي بمصر بما يتناسب مع طبيعة المجتمع المصري ومفاهيمه ومختلف شرائحه الاجتماعية والعمرية، تضمّنت تكوين أسر شيعية ومجموعات بالمحافظات المختلفة، وبثّ المفاهيم الشيعية ميدانياً وعبر الوسائل الإلكترونية، وتأسيس معهد تعليمي لإعداد دعاة لهذا المذهب.
كما أعدّ تقارير ضمّنها ما جمعه من معلومات عن التطورات السياسية بالبلاد وأوضاعها الداخلية، وعن بعض الشخصيات المصرية ولا سيما الشيعية منها، شملت كيفية التواصل معها، وأرسل بكل ذلك إلى العناصر الإيرانية التي يتعامل معها.
واضطلع المتهم الأوّل أيضاً بتسفير قرابة 40 شخصاً مصرياً إلى دولة إيران، بعد أن أرسل إلى العناصر التي يتعامل معها صور جوازات سفر هؤلاء وسيرهم الذاتية. وأعد مؤلفات تتضمن ترويجاً للمذهب الشيعي ووزّعها بالمجان. كما أعدّ مجلة "السراج المصري"، وافتتح مركز "رحمة للعالمين" بتكلفة 650 ألف جنيه مصري (39 ألف دولار أميركي) تلقاها من المتهم الثالث بواسطة آخر، وحصل (أي المتهم الأول) مقابل ذلك على مبالغ مالية بلغ إجمالها 75 ألف دولار أميركي.
وأشارت تحريات هيئة الأمن القومي، إلى تعارف المتهم الأول وسيدة كويتية الجنسية تُكنى باسم "أم زهراء"، زوجة عضو مجلس الأمة الكويتي عبد الحميد عباس حسين دشتي، المتهم الهارب في قضية تجسس لصالح إيران، والصادر في حقه قضية أخرى من النائب العام الكويتي وأمر بضبطه، نفاذاً للتعميم الصادر من النيابة العامة الكويتية عن طريق الإنتربول الدولي بهذا الشأن.
كما كشفت هيئة الأمن القومي في تقريرها، أنّ محتوى ما تمّ العثور عليه مع المتهم الأول تضمّن تقريراً مرسلاً منه إلى عناصر الحرس الثوري الإيراني بعنوان "برنامج تمهيدي لحكومة الإمام المهدي"، يتضمن وضع نواة لحكومة مصرية تابعة لدولة إيران. كذلك عثر على تقارير عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية الداخلية للبلاد، وتقرير عن إنشاء حزب سياسي باسم "شباب التحرير"، وآخر بعنوان "برنامجي لخلق مجتمع شيعي مترابط" يتضمن عرضاً للوسائل المزمع اتباعها لاختراق المجتمع المصري فكرياً وسياسياً. ويضاف إلى ذلك عدد من السير الذاتية وصور جوازات سفر لشخصيات مصرية من مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية ورجال دين، تتضمّن كافة بياناتهم وخبراتهم ووسائل التواصل معهم. فضلاً عن تقارير تتضمّن نتيجة تحرياته عن 14 شخصية مصرية شيعية وأنشطتها وتحركاتها الداخلية.
كما عثر على تقرير أعده بعنوان "القوات المسلحة المصرية"، تضمّن الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة وهيكلها التنظيمي وتسليحها وإمكانياتها، وقدرات أفرعها الرئيسية البحرية والبرية والدفاع الجوي. إلى جانب تقارير أعدّها عن تطورات الأوضاع الداخلية وتحركات رئيس الجمهورية، والتعديلات الوزارية وحركة المحافظين.
وعقب انتهاء التحقيقات، وجّهت نيابة أمن الدولة العليا طوارئ، إلى المتهم الأول تهم التخابر مع دولة أجنبية (إيران) ومن يعملون لمصلحتها، بقصد الإضرار بمركز البلاد الحربي والسياسي وبمصالحها القومية، بأن اتفق مع المتهمين الثاني والثالث - مسؤولي الملف المصري بالحرس الثوري الإيراني – والمتهمين من الرابع وحتى السادس - من عناصر الحرس الثوري- على العمل لصالح دولة إيران داخل البلاد من خلال إمدادهم بمعلومات عن أوضاعها الداخلية، وتمكينهم من تجنيد آخرين يعملون لصالح إيران، وتكوين مجموعات تخلق للأخيرة نفوذاً سياسياً وعسكرياً بالبلاد.
ونفاذاً لذلك، وفق خلاصة التحقيقات، أمدهم بتقارير حوت معلومات عن الأوضاع الداخلية لمعتنقي مذهب تلك الدولة (الشيعة الاثني عشرية) بالبلاد، وانتقى مواطنين من محيطه، أوفد بهم إلى تلك الدولة لفحصهم من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني وتجنيد من يصلح منهم للعمل لصالحها. كما اضطلع بنشر مذهبها بالبلاد من خلال إصدار مؤلفات ومجلة وموقع إلكتروني، وإنشاء مركز اتخذ مقراً لنشاطه، وسعى لاستقطاب عناصر لذلك المذهب وإمدادهم بمعونات مالية وتكوين مجموعات منظمة بالبلاد لتنفيذ مخطط تلك الدولة. كما طلب المتهم الأول وأخذ من دولة أجنبية (إيران) وممن يعملون لمصلحتها، أموالاً بقصد ارتكاب عمل ضارّ بمصلحة قومية.
كما ارتكب جريمة غسل أموال بقيمة 75 ألف دولار - المتحصلة من الجرائم المذكورة - بأن أودع جزءاً من هذا المبلغ بحساباته البنكية وحسابات أبنائه القصر، وابتاع بجزء آخر سيارة وقطعة أرض أقام عليها مبنى، وكان القصد من ذلك السلوك إخفاء حقيقة هذه الأموال وتمويه مصدرها لإضفاء المشروعية عليها.
كما وجهت نيابة أمن الدولة إلى ضباط الحرس الثوري الإيراني، تهماً بأنهم اشتركوا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب جريمة التخابر المذكورة، بأن اتفقوا معه على ارتكابها وساعدوه بأن استقبلوا منه المعلومات التي أرسلها لهم عن الأوضاع الداخلية للبلاد. كما أمدّوه بالأموال اللازمة لمباشرة الأنشطة المكلف بها، وتحملوا تكاليف سفر المواطنين الذين اضطلع بتسفيرهم لدولتهم، واستقبلوهم لفحصهم والنظر في أمر مدى صلاحيتهم للعمل لصالحهم، فوقعت الجريمة بناءً على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. كما أعطوا المتهم الأول المبالغ النقدية والمنافع المادّية، بقصد ارتكاب عمل ضارّ بالمصالح القومية للبلاد.