ورغم كمية الحشو الكبيرة والمعلومات غير الدقيقة في بعض جوانبه، جاء الكتاب الذي كان بمثابة منشور فكري، كمحاولة أخيرة من تيار الصحوة الديني للعودة إلى المشهد الاجتماعي والثقافي من جديد بعد سجن أهم مفكريه على الصعيد الديني مثل عبد العزيز الطريفي، وفيما يخص الرد على التيارات الحديثة المناوئة مثل إبراهيم السكران، وعلى الصعيد الجماهيري مثل سلمان العودة.
وكان تيار الصحوة قد تصدر المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في السعودية في ثمانينيات القرن الماضي بدعم حكومي وفي التسعينيات وهي ذروة سنوات الصدام بين التيار -الذي كان الحوالي أحد المنظرين له من جانب سياسي وفكري - وبين النظام السعودي، بسبب رغبة "الصحويين" في إصلاحات سياسية واجتماعية واعتراضهم على وجود قواعد أميركية في البلاد.
وتحدث الحوالي في كتابه عن السياسة والدين والفلسفة وما سمّاه المواجهة بين العالمين الغربي والإسلامي، لكن ما أثار السلطات وأحدث ضجة كبرى في البلاد عقب انتشار الكتاب هو أحد ملاحقه الذي جاء بعنوان "النصيحة الثالثة لآل سعود".
وهاجم الحوالي في الكتاب الأسرة الحاكمة وسياسات ولي العهد محمد بن سلمان الداخلية والخارجية ووصف العهد الحالي بأنه من أسوأ العهود وأفسدها. فعلى الصعيد الداخلي استنكر الحوالي الفساد السياسي والإداري والبطالة المنتشرة بين الشباب السعودي والتي وصلت إلى مستويات خيالية من وجهة نظره، لكن أخطر ما أشار إليه كان تنبؤه بسقوط الدولة السعودية إذا ما استمرت على نهجها المحارب للتدين بحسب تعبيره.
ويقول الحوالي إن شرعية الأسرة الحاكمة لم تأت من كونه يحب الأسرة أو يواليها، إنما جاءت من الاتفاق الذي عقد بين محمد بن سعود (مؤسس الدولة السعودية الأولى) وبين الإمام محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الحركة الوهابية التي قامت عليها السعودية)، وإن انتهاء هذا الحلف على يد بن سلمان يعني أن النظام فقد شرعيته، خصوصاً مع البطالة وارتفاع الضرائب وصرف الأموال في حرب اليمن "الخاسرة" حسب تعبيره، وعلى هيئة الترفيه وبطولات لعبة "الكوتشينة" الشعبية في وقت يعاني فيه غالب الشعب من عدم امتلاك مسكن خاص به. ووجه الحوالي رسالته مباشرة للأسرة الحاكمة قائلاً: "لا يغركم أن الشعب صابر واحمدوا الله على هذا الشعب واعدلوا معه، واعلموا أن للصبر حدودا وأن الصابر مهيأ للانفجار"، مطالباً بعرض المعتقلين السياسيين على المحاكم وعدم احتجازهم دون توجيه تهمة لهم.
وأكد الحوالي أدبيات تيار الصحوة التاريخية من رفضه لما سمّاه تغول الشركات الأجنبية في البلاد وخطر "التغريب" وتشديد السلطات على الدروس الدينية والتضييق على مدارس تحفيظ القرآن التي كانت السلطات ترعاها في السابق والهجوم على "التدين" في الإعلام المملوك للحكومة.
أما على الصعيد الخارجي فقد هاجم الحوالي ما قال إنها تبعية النظام السعودي لـ(ولي عهد أبو ظبي) محمد بن زايد، وقال للأسرة الحاكمة: "قد جعلكم الله رأساً فلا تكونوا ذنباً"، و"استقلوا في سياساتكم الخارجية عن الإمارات"، مذكرا بأنها "تدعي أنكم تحتلون جزءاً من أرضها". كما اتهم الحوالي الإمارات بأنها تسعى إلى تقسيم اليمن وتتآمر على الدول العربية الأخرى.
وطالب الحوالي النظام السعودي بعدم صرف الأموال على تحالفات خاسرة كما فعل مع الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح، والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي من قبل، وكما يفعل الآن مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي واللواء خليفة حفتر في ليبيا والجيش اللبناني، مطالباً بصرف الأموال على الشعب السعودي الذي يعاني اقتصادياً.
وأبرز ما ذكر في الكتاب أيضاً تشديده على رفض التطبيع الذي تقوم به السلطات السعودية، متهماً إياها بالتمهيد للتطبيع العلني وتسليم القدس لإسرائيل وفق أوامر ترامب، وأشار إلى أن الزيارات التطبيعية التي يقوم بها اللواء السعودي أنور عشقي هي زيارات موافق عليها ولا تمثله وحده شخصياً، إذ لا يمكن لمواطن أن يزور قطاع غزة ممثلاً عن نفسه بسبب منع الحكومة، فلمَ لا تمنع اللواء عشقي. وقال" أنتم حررتم مصر من الإخوان كما قال الأمير تركي الفيصل فلمَ لا تحررون فلسطين من إسرائيل"؟
كما دعا الحوالي إلى عودة القضية الفلسطينية كقضية مركزية للسعودية في تعاملاتها في السياسية الخارجية وعدم الهرولة للتطبيع خصوصاً أن التطبيع السعودي مع إسرائيل سيفيد الإيرانيين ويزيد من دعايتهم بأن السعودية دولة لا تستحق أن تحمي الحرمين الشريفين (مكة والمدينة).
ويعاني الحوالي من شلل نتيجة لإصابته بجلطة دماغية في عام 2005 إذ اضطر للانعزال عن الناس في ظل حملة التضييق التي شنت عليه عقب سجنه لمدة 5 سنوات في تسعينيات القرن الماضي عقب مهاجمته للنظام السعودي، ما دفع السلطات إلى الشك بأنه قد أملى كتابه على طلبته وأبنائه، وقد لمّح في كتابه إلى أنه قد يكون عمله الأخير نتيجة لاشتداد المرض عليه، وهو ما فسر توقيت نشر الكتاب في خضم أعنف استبداد تعيشه البلاد منذ تأسيسها. فإنه أحدث ضجة كبيرة في السعودية الى الدرجة التي دفعت الإعلاميين السعوديين المحسوبين على النظام للهجوم عليه ووصفه بالمدفوع من جهات خارجية.
أما على صعيد تيار الصحوة فإن الكتاب مثّل نصراً كبيراً له، حيث تنفس المنتمون له الصعداء بعد نشر النسخة المسربة، والتي تم تداولها على نطاق واسع كدلالة على معارضة النظام الحالي وتصرفاته الداخلية والخارجية، وسيبعث الكتاب الروح في تنظيمات الصحوة وحلقاتها العلمية التي تحولت إلى حلقات شبه سرية بعد منعها من المساجد واعتقال أكثر مفكريها ومنظريها في السجون ويبعث فيها الحماسة من جديد.
ولا تزال السلطات تعتقل المئات من المنتمين لتيار الصحوة من مفكرين وأكاديميين وكتاب صحافيين وخبراء اقتصاديين دون توجيه أية اتهامات رسمية لهم أو عرضهم للمحاكمة منذ سبتمبر/ أيلول من العام الفائت، كما وسعت السلطات دائرة الاعتقالات لتشمل النشطاء اليساريين، والناشطات النسويات منتصف شهر مايو/ أيار الماضي.