تقاسم اللاجئون الفلسطينيون في مخيم شعفاط، شمال القدس المحتلة، ومسؤولون في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وضواحي القدس المحتلة، الرفض الشعبي والرسمي لمخطط طرحه رئيس بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس نير بركات بتفكيك عمل الوكالة وإغلاق مؤسساتها في المدينة المقدسة وضواحيها، محذّرين من أن "خطوة كهذا ستصعّد الأوضاع وتزيد من سوء أحوال اللاجئين الـ110 آلاف القاطنين منذ عقود، بعد أن هُجّروا وطُردوا من مدنهم وقراهم وبلداتهم، لأن القرار بهذا الشأن غير قانوني".
في هذا الإطار، أكد عضو اللجنة الشعبية في مخيم شعفاط، خضر الدبس، أن "جميع سكان المخيم هم على قلب رجل واحد في مواجهة هذا المخطط الإسرائيلي الخطير، والذي لم يكن ليتم لولا دعم الإدارة الأميركية لسياسات الاحتلال التصعيدية". وعلّق الدبس في حديث لـ"العربي الجديد" على ذلك بقوله، إن "رئيس بلدية الاحتلال نير بركات طرح وبشكل علني، مخططه العنصري لإنهاء عمل وكالة الغوث في مدينة القدس، مستهدفاً مؤسساتها الخدمية والتعليمية والصحية والإدارية، ووجود المؤسسة التي تخدم الملايين من اللاجئين من أبناء الشعب الفلسطيني. واستغل بركات القرارات الخطيرة التي تجرأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اتخاذها مهدداً اللاجئين في القدس بأن ينسوا حق عودتهم، وأنه سيلغي الشاهد المزعج على إرهاب احتلاله بحق قرانا ومدننا التي هُجّرنا منها ومستهدفاً جموع اللاجئين، لأنه واثق بأن أحداً لن يحاسبه. في المقابل لم ترتق تصريحات المسؤولين وأصحاب القرار إلى الحد الأدنى من الواجب اتخاذه وإعلانه لجموع اللاجئين ولشعبنا العظيم".
وقال إن "أهلنا في مخيم شعفاط هم على قلب رجل واحد وهم يعلمون حقاً ما هي الجرائم التي ارتكبت بحقهم وحق أجدادهم من العصابات الصهيونية في عام 1948، وأن كل تلك السنين لن تلغي ذاكرتنا، ولن تقنعهم كل المغريات. فالاحتلال في عام 1948 هو نفسه الاحتلال في عام 1967، ونفسه أيضاً حينما وضع البوابات أمام أبواب المسجد الأقصى وما زال نفس الاحتلال لم ولن يتغير، وبالتالي لن يمرّ مخطط بركات وسنقاومه بكل ما أوتينا من قوة".
محافظ القدس الجديد، عدنان غيث قال لـ"العربي الجديد" تعقيباً على ما أعلنه بركات، إنه "سنكون جميعاً موحّدين قيادة وشعباً ضد أية خطوة من هذا القبيل. ونحن قادرون على إفشالها وإحباطها. فإغلاق مقرات أو مؤسسات والسيطرة على مدارس للوكالة لا يعني أن قضية اللاجئين قد انتهت. هي قضية حية طالما أن ملايين اللاجئين من أبناء شعبنا ينتشرون في عموم الوطن وفي الشتات، وطالما أن قضيتهم، وهي سياسية بامتياز، لن تحل حلاً عادلاً يعيد اللاجئين إلى أراضيهم ومنازلهم التي فُقدوها وهُجّروا منها. وستكون مهامنا الأساسية كسلطة وقيادة فلسطينية تجسيد هذا الحق ودعم أبناء شعبنا ومساندة صمودهم سواء في مخيم شعفاط، أو في أية منطقة ينتشر فيها لاجئون".
بدوره، اعتبر سامي مشعشع، المتحدث الرسمي باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ومدير الإعلام والاتصال – دولة فلسطين في حديث لـ"العربي الجديد"، رداً على تصريحات نير بركات، إن "مطلق جهة ومطلق دولة لا تملك قراراً بإنهاء مهام الوكالة".
وتابع: "يستطيعون أن يدلوا بدلوهم في هذا الموضوع، ولكن مرجعية الوكالة هي الجمعية العمومية للأمم المتحدة، علماً بأن 167 دولة صوتت لصالح تجديد عمل وكالة الغوث الدولية. وهنا لا بد من القول إن تعريف الوكالة لمن هو لاجئ، تعريف يستند إلى أسس قانونية واضحة، وعندما تجدد ولاية الوكالة، فإن هذه الدول لا تجدد عمل هذه الوكالة فقط بدعم دبلوماسي ومالي، ولكن أيضاً عبر هذا التجديد إنما تعرف ضمنا من هو لاجئ فلسطيني. وهو تعريف يمنحه صفة التوريث أيضاً، وهي صفة لا تتميز بها أونروا فقط، ولكنها أيضاً صفة تميز عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، كما هو حال اللاجئين الأفغان وغيرهم".
اعتبر مشعشع أنه "بالنسبة لتصريحات بركات، فتاريخياً كان هناك لوبيات وأشخاص وبحّاثة وأموال ترصد في محاولة للتشكيك بدور الوكالة وبحياديتها ونزاهتها ونزاهة موظفيها، واتهامها بأنها تعزز الاتكالية وبأنها فاسدة وتصرف الأموال بغير وجه حق. ولكن تاريخياً هذه الأصوات وهذه اللوبيات كانت على الهامش ولم تؤثر. ولكن للأسف يبدو أنها أصبحت الآن قوية لدرجة أنها بدأت تؤثر على صنّاع القرار في بعض الدول، وهذا كان نتاج قرار الإدارة الأميركية الحالية، على عكس الدول الأخرى، التي تدرك مدى دور الوكالة من ناحية الحيادية والإصلاحات والنزاهة والكفاءة، وبالتالي المطالبات الأخيرة بتجفيف موارد الوكالة فشلت".
وأضاف أن "الفشل الآخر هو هذا الادعاء من قبل نير بركات وقوله إنه سينهي عمل الوكالة بالقدس، علماً بأن القدس حسب القانون الدولي، وحسب كل معطيات كل القوانين الناظمة وقرارات الأمم المتحدة هي مدينة محتلة، ووجود الوكالة ومقر الرئاسة فيها يعكس هذا الواقع".
وأضاف أنه "إزاء ذلك، تعرب أونروا عن قلقها إزاء التصريحات الأخيرة التي أطلقها رئيس بلدية القدس بشأن عملياتها ومنشآتها في القدس الشرقية، حيث تدير العمليات الإنسانية في توافق مع ميثاق الأمم المتحدة، والاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي لا تزال سارية، وقرارات الجمعية العامة ذات العلاقة".
وقال مشعشع إن "الوكالة مكلفة تحديداً من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقديم الحماية والمساعدة للاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، إلى حين التوصل إلى حل للنزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين". ورأى أن "أونروا سعت باستمرار للحفاظ على عملياتها في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، منذ عام 1967 في تعاون وعلى أساس اتفاق رسمي لا يزال ساري المفعول مع دولة إسرائيل. ويسود إقرار بالعمل المهم الذي تقوم به الوكالة في مجال التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية في القدس الشرقية. وهي مصممة على مواصلة تقديم هذه الخدمات". وأكد أن "مثل هذه التصريحات تتعارض مع المبادئ المحورية للعمل الإنساني النزيه والمستقل ولا تعكس الحوار والتفاعل النشط والمنظم، الذي تحافظ عليه كل من أونروا ودولة إسرائيل تقليدياً".
ورداً على سؤال حول قانونية هذه الخطوة، وما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية قادرة فعلاً على وقف عمل الوكالة في القدس وإغلاق مقراتها فيها، قال مشعشع: "هذه الخطوة قد تعرقل عملياتنا كعاملين في التحرك من وإلى القدس. والعديد من زملائنا الذين يعملون في مقر الرئاسة ومخيم شعفاط، وتواجدنا في مناطق أخرى هم من حملة هوية الضفة الغربية، ونحصل على أذونات دخول لهم من السلطات الإسرائيلية".
وأضاف: "نحن نواجه دائماً عراقيل وعدم تجديد عقود، وسيارات الوكالة تخضع أحياناً للتفتيش والتأخير، ونحن نحاول دائماً أن نوضح الصورة بأننا مؤسسة إنسانية، وأننا نقوم بعمل مهم حتى بشهادات بعض الساسة الإسرائيليين، لأن للوكالة دورا تقوم به في غياب توافق سياسي، ولكن لا تملك أية دولة حق فرض فيتو على عملها لا في القدس ولا في الضفة الغربية أو أي موقع آخر، وهناك قوانين لازمة في هذا المجال. ولكن ما نخشاه هو تصاعد الأصوات المنادية بتجفيف موارد الوكالة أو نقل صلاحياتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أو التشكيك بأعداد اللاجئين، بالإضافة إلى الفاقد المالي الكبير للوكالة والأزمة المالية، ما قد يؤدي إلى تصعيد في عرقلة عمل الوكالة".