على الرغم من انطلاق أعمال البرلمان التونسي الجديد في 13 مارس/ آذار الماضي، دون اكتمال عدد أعضائه، ما زال التعثر يطغى عليه، حيث عادت مسألة سد سبعة مقاعد شاغرة داخله لتطرح من جديد على الساحة، بسبب ما تحمله من تعقيدات وإشكاليات، بعد نحو عام على حلّ الرئيس التونسي، قيس سعيّد، المجلس المنتخب في 2014، إثر تجميد أعماله لأشهر في 25 يوليو/ تموز 2021.
وانطلق البرلمان في عمله منقوصاً من 7 أعضاء عن دوائر الخارج بـ154 نائباً فقط من جملة 161 مقعداً كما ينص عليه دستور 2022، حيث لم تسجل انتخابات في هذه الدوائر.
ويرى البعض أنه لا بد من تعديل شروط الترشح في تلك الدوائر، وأساساً تعديل شرط الحصول على 400 تزكية، وإلا فإنّ النتيجة نفسها ستتكرر؛ أي إنّ الشغور سيتواصل، بينما يرى آخرون أنّ المسّ بشروط الانتخابات سيؤدي إلى غياب المساواة بين المترشحين.
وكان رئيس مجلس النواب، إبراهيم بودربالة، قد استقبل أخيراً رئيس الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات، فاروق بوعسكر، ومن بين المسائل التي نُظر فيها، إشكالية الشغور. وقال بودربالة إنّ المجلس سيعمل فور الانتهاء من صياغة نظامه الداخلي، على القيام بالإجراءات اللازمة في ما يخصه، حتى تُستكمَل تركيبته في أقرب الأوقات.
أما الناطق باسم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، فأكد أنّ مجلس نواب الشعب مُطالب بسد الشغور في المقاعد السبعة بالخارج، موضحاً أنّ البرلمان مُطالب بمعاينة الشغور، وعلى أن يقوم مكتب المجلس بمراسلة هيئة الانتخابات بوجود الشغور، والهيئة بدورها مطالبة بتنظيم انتخابات تشريعية جزئية، في أجل لا يتجاوز ثلاثة أشهر.
وحول إدخال تغييرات على شروط الترشّح، قال إنه لا بد من الأخذ بالاعتبار أسباب عدم التقدّم بترشحات في تلك الدوائر ومراجعة الشروط، مبيّناً أنه سيُستأنَس بالتجارب الدولية ويُسمَع للخبراء في ذلك.
تعليقاً على ذلك، قال المدير التنفيذي لمرصد "شاهد"، الناصر الهرابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، إنه "بحسب القانون الانتخابي فإنّ مجلس نواب الشعب يعاين الشغور، وحالياً هناك شغور في 7 دوائر بالخارج لم تفرز أي مترشح"، مؤكداً أنه "يتعين على مجلس نواب الشعب إبلاغ هيئة الانتخابات بسد الشغور، ويتم في ضوء ذلك، وفي ظرف 90 يوماً، إجراء الانتخابات الجزئية، وأنّ الأصل هو أن تحصل الانتخابات وفق ذات المرسوم عدد 55 (القانون الانتخابي)"، مؤكداً أنّ "هذا يعني المحافظة على ذات الشروط، ومن بينها هنا شرط 400 تزكية".
وأضاف الهرابي أنه "في حال تغيير الشروط، فإنّ هذا يعني غياب التكافؤ بين المترشحين، والمسّ بمبدأ المساواة، وهذا الشرط سيختل"، مشيراً إلى أنّ "ثلاثة مترشحين في ثلاث دوائر بالخارج، كانوا قد فازوا وفق شرط الـ400 تزكية، والسبعة الباقون يجب أن يفوزوا وفق ذات الشروط".
وقال إنه رغم أن "الظروف في الخارج تختلف، والتونسيين موزعون على عدة دول، إلا أنّ هذا لا يعني تغيير الشروط، لأنّ القانون هو القانون، ويجب أن يطبّق على الجميع؛ أي بذات الشروط وذات الآليات، برغم الصعوبات".
من جهته، أكد رئيس "شبكة مراقبون"، سليم بوزيد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، أنّ "سد الشغور يكون بتنظيم انتخابات جزئية، وهذا الأمر يتطلب تغيير المجلة الانتخابية، بمعنى أنّ المعايير والشروط التي قادت إلى هذا الشغور في المقاعد يجب تلافيها"، موضحاً أنه "في حال الحفاظ على ذات الشروط في المجلة الانتخابية، فإنه سيتم الحصول على ذات النتيجة".
وبحسب بوزيد، فإنه "يمكن إجراء انتخابات تشريعية جزئية ولكن بمعايير جديدة"، مؤكداً أنّ "الدوائر الانتخابية في الخارج ضيقة للغاية، وعدد التزكيات عالٍ جداً، وهو ما أدى إلى حصول شغورات كبيرة سجلت في 7 دوائر".
وبيّن المتحدث ذاته أنّ "هذا التعديل يطرح إشكالات، ولذلك على مجلس نواب الشعب إجراء حوار أو لقاء لإقناع جميع الأطراف بضرورة حصول مثل هذه التغييرات"، مؤكداً أنه "مثلاً في الانتخابات المحلية بدأ الحديث عن عدد أقل من التزكيات، وأنّ هناك وعياً بأنّ 400 تزكية هو عدد كبير، وبالتالي هناك سبب موضوعي وعقلاني للحد من هذا العدد، وهناك ضرورة لسد الشغور".
وختم بالقول إنّ "على النواب والسياسيين إيجاد صيغة لإقناع الرأي العام بضرورة الحد من التزكيات، لأنّ بقاء ذات الشروط سيقود حتماً إلى ذات النتيجة، وستكون هناك دوائر شاغرة مجدداً".