وكشفت مصادر مقرّبة من الحزب، فضلاً عن أعضاء فيه، عن انسحابات كثيرة ومتواصلة من صفوف الحزب، خصوصاً من قبل الأعضاء المقيمين خارج البلاد مثل لندن وباريس ودول أوروبية أخرى يقيمون فيها منذ ثمانينات القرن الماضي، عقب حظر حزب "البعث العراقي" للحزب الشيوعي، ومطاردة قياداته بعد تولّي صدام حسين الحكم في البلاد.
وقال أحد أعضاء الحزب في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" من باريس، إن "الانسحاب لا يعني ترك العمل السياسي، بل هو بمثابة إجراء وقائي لحماية سمعتنا وتاريخنا من هذا التخبّط، وبسبب تهميش آراء مفكري الحزب وأعمدته من قبل المتصدرين للعمل الحزبي في بغداد"، موضحاً أنّ "محاولة فصل الجانب الإيديولوجي عن الجانب الحزبي هي بمثابة انتحار، وهو ما لا يمكن القبول به من قبل القيادات والكوادر المتقدمة". وتابع "الاعتراض هنا ليس على شخص مقتدى الصدر أو غيره في موضوع التحالف، بل على فكرة تحالف متناقضين فكرياً وسياسياً، وعدم الأخذ بملاحظاتنا واعتراضنا أو تحفّظنا، والخوف من التعامل مع الحزب الشيوعي كتابع أو جهة ثانوية وليس كشريك، وهذه كارثة بحد ذاتها، فللحزب تاريخ نضال كبير يمتد لثمانية عقود، لا يمكن التقليل من شأنه بهذا الشكل" وفقاً لقوله.
وكشف العضو في الحزب الشيوعي عما وصفه "حدوث جدل وتلاسن في لقاء جرى أخيراً في باريس، وصل إلى حدّ الشتائم بين أطراف الحزب المؤيدة والمعارضة لهذا التحالف". من جانبه، قال الناشط المدني في العراق، سعيد محمود الكرخي، إنه علم "بسحب الأستاذ حسان عاكف يده من الحزب الشيوعي"، وهو أحد أبرز شخصياته "بسبب سلسلة تخبّط في القرارات". ووفقاً للكرخي، فإنّ الانسحابات "لا يمكن اعتبارها انشقاقات حتى الآن، كونها لم تسفر عن تشكيل جناح منفصل عن الحزب. لكن الأغلبية يتخذون موقف الانسحاب بهدوء وبشكل حضاري ومؤدب"، على حد وصفه.
وبيّن الناشط أنّ "هناك بعض القيادات والكوادر داخل الحزب الشيوعي العراقي جمّدت عضويتها بما يتعلّق بالأنشطة الانتخابية بسبب هذا التحالف، وهناك من يعتقد بأنّه يصبّ في مصلحة التيار الصدري إلى جانب من يعتقدون أنّه يصبّ في مصلحة الحزب الشيوعي. هناك الكثير من الآراء، وبالتالي هذا التحالف لا يدوم طويلاً في حال فازوا في الانتخابات وحققوا مقاعد برلمانية، إذ من الممكن أن يتم تفكيكه". وتابع "في هذه المرحلة هناك مشتركات بين الجانبين مهّدت للتحالف، مثل المطالبة في الخدمات وتحسين الوضع المعيشي وبناء دولة مدنية وحصر السلاح في يد الدولة وتنسيق جهود الجانبين في التظاهرات في بغداد ومحافظات عدة منذ مدة ليست قليلة".
ورجّح الكرخي ألا يستمر التحالف طويلاً "كونه سيصطدم بملفات لا يمكن أن يتوافق الطرفان عليها، مثل الحريات الشخصية للعراقيين كالحجاب والاختلاط وبيع الخمور وحقوق النساء المدنية وحرية المعتقد وإبعاد رجال الدين عن السلطة والمؤسستين العسكرية والأمنية والشعارات الدينية والإعلام، وهذه كلها قوانين تضاف إلى معضلة تعديل الدستور التي من المقرر أن تتم في دورة البرلمان المقبلة. لذا سيكون هناك الكثير من الأمور التي يختلفون حولها".
يأتي ذلك في ظلّ حديث عن عودة نشاط الحزب الشيوعي في أبرز معقلين دينيين في العراق، وهما الفلوجة والنجف غرب وجنوب العراق، حيث عادت طروحات الحزب من خلال ناشطين غالبيتهم من الشباب في كلتا البلدتين، فضلاً عن بلدات أخرى في العراق، بعدما كان مقتصراً في الغالب على بغداد في السنوات الماضية. ويعزو مراقبون ذلك إلى خيبة أمل الشارع من حكم الأحزاب الدينية طيلة العقد ونصف العقد الماضي.
إلى ذلك، أكّد السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي والقيادي البارز فيه في بغداد، حميد مجيد موسى، في حديث خاص لـ "العربي الجديد"، عدم وجود أي انشقاقات داخل الحزب، موضحاً أن "هناك من يحاول النفخ بحالة النقاش الصحي الجارية داخل الحزب والتي تتم بشكل شفاف وعلني في مثل هذه القضايا المصيرية".
وأضاف موسى "نحن في فترة انتخابات والحزب واع جداً لذلك، وقرار التحالف اتخذ بالإجماع وفق النظام الداخلي للحزب. ولكن بسبب كون الحدث جديداً وظاهرة غير اعتيادية، لا بدّ أن تكون هناك نقاشات وردود فعل، ومن الطبيعي أن تحصل نقاشات صحيّة، لكن التصدّع أو الانشقاق غير موجود والنقاش واسع ومفتوح وعلني وهذا كلّه جرى ويجري بسلاسة"، لافتاً إلى أن "هناك حملات من خارج الحزب تريد أن تنفخ في هذا الجدل وتحوله إلى تصدع وهو غير صحيح".
وتابع أنه "من يقول إن الحزب سلّم تاريخه الطويل لآخر بعمر شهرين، غير صحيح. فالتيار الصدري له تاريخ طويل في العملية السياسية، ونحن نتحالف مع قوى سياسية وليست دينية والضابط هو هل يتفق معنا في البرنامج أم لا؟ وهل لدينا مشتركات أم لا؟ هذه هي معايير التحالفات، وتحالف "سائرون" فيه نظام داخلي وأمانة عامة، بمعنى أنه ليس هناك قائد ومقود أو تابع ومتبوع في هذه التحالفات ولم نسلم القيادة لأحد".
وختم موسى بالقول إن "الحزب سيكون في حلّ من هذا التحالف إذا وجدنا أنّه تمّ نقض المشتركات والثوابت التي تم الاتفاق عليها". بدوره، قال النائب عن التيار المدني جوزيف صليوا، لـ"العربي الجديد"، "بالطبع هناك فرق كبير بين الليبراليين والإسلاميين والشيوعيين، لكن في الوقت نفسه، هناك نقاط مشتركة أيضاً، خصوصاً إذا كان الطرف الآخر صادقا فيما يطرحه من نقاط وبرامج"، مضيفاً "أعتقد أنّ الحروب الأيديولوجية والشعارات الرنانة ذهب وقتها، والمواطن العراقي اليوم يحتاج إلى عمل دؤوب على أرض الواقع وإلى من يبني بلده بعد أن فقد كل شيء بسبب هذه الشعارات الرنانة وإلى من ينتصر للمواطن لكي يشعر بمواطنيته وبالأمل والأمان في بلده".