مع إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني الخامسة والسبعين، يتغير المشهدان الإقليمي والدولي حول القضية بشكل متسارع، سواء من خلال انفتاح بعض الإقليم العربي على الاحتلال الإسرائيلي والتطبيع معه، أو الانكفاء عن القضية في أعقاب سلسلة التطورات الدولية الأخيرة.
ولم يعد الملف الفلسطيني على الصعيد الأميركي في مقدمة الملفات الخارجية التي تتحرك بها واشنطن، باستثناء بعض المناسبات وأوقات التصعيد، في ضوء الانشغال بالملفات الأخرى، المتمثلة في الحرب المستمرة للعام الثاني على التوالي في أوكرانيا، بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني.
في المقابل، فإن القضية الفلسطينية، ومنذ العام 2021، تأخذ مساراً مختلفاً، لا سيما بعد المواجهة التي أطلقت عليها المقاومة اسم "سيف القدس"، وأطلق عليها الإسرائيليون اسم "حارس الأسوار"، مع تتالي المواجهات والهبات في مختلف الأراضي الفلسطينية.
تزايد نشاط المقاومة في الضفة
وبدا لافتاً خلال هذين العامين نشاط المقاومة الفلسطينية عبر الخلايا العسكرية، التي دشنت في الضفة الغربية المحتلة، في مشهد يعيد للأذهان جانباً من الحالة العسكرية التي كانت قائمة خلال فترة انتفاضة الأقصى ما بين 2000 وحتى 2005.
سهيل الهندي: التطبيع العربي مع الاحتلال يعد "طعنة" في خاصرة القضية الفلسطينية
ولا يزال المشهد السياسي الفلسطيني على حاله، منقسماً بين تيارين، الأول يتمثل في السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس المتمسك بخيار المفاوضات والتسوية كخيار "حل الدولتين"، رغم حالة التنكر الإسرائيلي لهذا الأمر، والتيار الثاني الذي تنخرط فيه حركة حماس وقوى حليفة لها، والتي ترى في المقاومة الشاملة، بما في ذلك الخيار المسلح، حلاً للمواجهة مع الاحتلال.
أما شعبياً، فإن الشعب الفلسطيني بات فاقد الأمل في استعادة الوحدة بين حركتي فتح وحماس، في ظل فشل كل محاولات الاتفاق السابقة، والتي كان آخرها اتفاق الجزائر الذي تم توقيعه من دون أن يُرى منه شيء على أرض الواقع.
ومع ذكرى النكبة الـ75 يبقى حلم العودة قائماً بالنسبة للفلسطينيين، رغم تعقيدات الحالة السياسية القائمة. ويتزامن ذلك مع محاولات إسرائيلية لتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، هذا الجسم الشاهد على قضية اللاجئين.
ويقول عضو المكتب السياسي لحركة حماس سهيل الهندي، لـ"العربي الجديد"، إن الشعب الفلسطيني اليوم أكثر يقيناً في ضوء المتغيرات الحاصلة داخل الكيان الإسرائيلي بالعودة إلى أراضيهم التي هجروا منها عام 1948، بالرغم من هرولة أنظمة عربية نحو التطبيع.
ويضيف الهندي أن الشعوب العربية لا تزال مؤمنة بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في أرضه، بالرغم من حالة التطبيع التي تشهدها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وهو ما يظهر في الكثير من المحافل الشعبية التي تشهد رفضاً واضحاً للاحتلال.
المقاومة باتت أكثر تقدماً
وبحسب عضو المكتب السياسي لحماس، فإنّ المقاومة باتت أكثر تقدماً إلى جانب الحاضنة الشعبية الفلسطينية، في الوقت الذي يتراجع فيه الاحتلال الإسرائيلي على كافة الصعد، وهو ما يتضح من خلال الأزمة السياسية الداخلية الأخيرة.
يحذر أحمد المدلل من محاولات الاحتلال إجهاض وكالة أونروا
ويشير إلى أن العالم يكيل بمكيالين في تعامله مع الملف الفلسطيني من خلال الصمت على الجرائم الإسرائيلية وغض الطرف عنها، إلى جانب أضرار التطبيع العربي مع الاحتلال، والذي يعد "طعنة" في خاصرة القضية الفلسطينية ويعزز من تغلغل الاحتلال في المنطقة.
ويرى الهندي أن "الأنظمة العربية التي قامت بالتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي لم تجن إلا الإهانة"، لا سيما مع استمرار حالة الرفض الشعبية الواسعة والقاطعة لفكرة التطبيع مع الاحتلال، والتعامل معه على أنه كيان دخيل على المنطقة.
من جانبه، يؤكد الناطق باسم حركة فتح منذر الحايك، لـ"العربي الجديد"، أنّ ذكرى النكبة لهذا العام تتزامن مع وجود حكومة يمينية متطرفة، تسعى من خلال ارتكاب المجازر والقتل وتهويد الأماكن والمقدسات والاستيطان إلى حسم الصراع بشكل كامل.
محاولة لإنهاء مشروع الحل السياسي
ويقول الحايك إنّ السياسات الحالية لهذه الحكومة يُراد من خلالها إنهاء ما تبقى من مشروع الحل السياسي القائم على قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، بالتزامن مع حالة التطبيع التي تقوم بها بعض الدول العربية مع الاحتلال.
ويصف التطبيع مع الاحتلال بأنه "طعنة" في خاصرة القضية الفلسطينية، وانقلاب على مبادرة السلام العربية، وهو ما أعطى للاحتلال غطاء آخر لارتكاب مجازر وممارسة الإرهاب وزرع الاستيطان في الأراضي المحتلة وممارسة سياسة الأبارتهايد ضد الشعب الفلسطيني.
ويشدد الحايك على "الحق التاريخي والديني للشعب الفلسطيني في أرضه ومقدساته، وهو ما تعمل عليه القيادة الفلسطينية من خلال تدويل القضية الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، خصوصاً الأمم المتحدة، عبر الخطاب الرسمي الذي سيدحض الرواية الإسرائيلية".
محاولات الاحتلال لإجهاض أونروا
ويشير عضو المكتب السياسي لحركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل إلى المخاطر التي تعيشها القضية الفلسطينية ومحاولات الإجهاض التي يسعى الاحتلال لتنفيذها بحق وكالة "أونروا"، باعتبارها شاهدا تاريخيا على حق الفلسطينيين في أراضيهم.
محمود الراس: الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة أكثر تمسكاً بخيار المقاومة
ويقول المدلل، لـ"العربي الجديد"، إن الذكرى تعكس حجم التحديات الجسيمة التي تعصف بالقضية الفلسطينية في ضوء المتغيرات التي يشهدها الإقليم والمجتمع الدولي، والتي يمكن استثمارها من أجل خدمة الملف الفلسطيني وبناء رؤية وطنية تستند إلى خيار المقاومة.
ويشدد على أهمية المقاومة كخيار استراتيجي للمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وهو أمر ظهر بشكل واضح خلال المواجهات الأخيرة، التي أكدت فيها فصائل المقاومة على وحدة الساحات والجبهات.
ويشير إلى أنّ "وحدة الساحات والجبهات بات خياراً واضحاً نجحت المقاومة في ترجمته من خلال الاعتماد عليه كخيار استراتيجي للمواجهة، في مختلف الأراضي الفلسطينية، إلى جانب بعض حلفائها في المنطقة وهو أمر سيكون له أثره الواضح على المشهد المقاوم ككل".
التمسك بخيار المقاومة
وفي السياق، يشدد عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مسؤول فرعها في غزّة محمود الراس على أن الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة أكثر تمسكاً بخيار المقاومة كخيار وحيد لإزالة آثارها، واستعادة حقوقه المسلوبة، في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي.
ويقول الراس، لـ"العربي الجديد"، إن الشعب الفلسطيني أكثر تمسكاً بحقوقه الوطنية، رغم ما تشهده المنطقة من إقبال على التطبيع، وسط تنكر للحقوق الفلسطينية والحقوق الأخلاقية تجاه القضية من قبل المطبعين، إلى جانب رفض الفلسطينيين التنازل عن أي من حقوقهم بشكل تام.
وما يجري في الإقليم والمشهد العالمي ينعكس بشكل واضح على القضية الفلسطينية في ضوء حالة إعادة التموضع الدائرة حالياً، وهو ما يتطلب صياغة استراتيجية وطنية لمواجهة العدوان الإسرائيلي بمعالم واضحة، وفق الراس.
ويلفت إلى أن "الجبهة" تمتلك مبادرة لصياغة استراتيجية وطنية فلسطينية تقوم على إعادة بناء منظمة التحرير، بحيث تكون مؤسسة جامعة فلسطينية، تبدأ بالمجلس الوطني الفلسطيني، عبر انتخاب أعضاء حيثما سمحت الظروف، مروراً ببقية مؤسسات المنظمة.
ويشدد على وجود حاجة فلسطينية لاستراتيجية وطنية يتم من خلالها تقديم الخطاب الفلسطيني إلى المجتمع الإقليمي والدولي، بما يخدم الأهداف الفلسطينية الداخلية، ويرفع من مكانة القضية ويسهم في صياغة استراتيجية التحرر من الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل.