ورصد التقرير الانتهاكات التي طاولت الحريات العامة وحقوق الإنسان في مصر، خلال العام المنصرم، والتي تطرقت للمرة الأولى إلى قتل المدنيين بقذائف صاروخية في شمال سيناء، واستعانة الجيش بمليشيات مسلحة ممثلة في قبيلة الترابين، للقضاء على الموالين لتنظيم "ولاية سيناء"، وهو ما يضع السيسي ونظامه في ورطة حقيقية أمام المحافل الدولية.
وفي 22 أغسطس/ آب 2017، قررت الإدارة الأميركية تقليص المساعدات العسكرية والاقتصادية المقرّرة لمصر بحوالى 96 مليون دولار، وتجميد 195 مليون دولار إضافية، بسبب تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وتورط نظام السيسي في مجالات التعاون العسكري مع حكومة كوريا الشمالية، المعادية للولايات المتحدة.
وانتقد تقرير الخارجية الأميركية حالات القتل خارج نطاق القانون، التي حمّل الحكومة المصرية مسؤوليتها، واستمرار الاعتقالات السياسية بحق المعارضين، وما طالته من صحافيين وناشطين، وكذلك الحد من حرية الإعلام، مستنكراً عدم فتح الحكومة المصرية تحقيقاً في انتهاكات الإخفاء القسري، والتعذيب، وقمع قوات الأمن، الأمر الذي أشاع شعوراً بالإفلات من العقاب.
وعبّر التقرير عن مخاوف جدية من القيود الحكومية المفروضة في مصر، بشأن حرية التعبير، والتجمع السلمي، والمشاركة السياسية، وتكوين الجمعيات الأهلية، وأثرها السلبي على المناخ السياسي المحيط بالانتخابات الأخيرة، في ضوء استمرار تمديد حالة الطوارئ المفروضة في جميع أرجاء البلاد، منذ الهجمات التي طاولت كنائس قبطية في إبريل/ نيسان 2017.
ودان التقرير عمليات القتل التعسفي، أو غير القانوني، من جانب الحكومة أو وكلائها، بحق المشتبه بهم في قضايا الإرهاب، والاحتجاز التعسفي، وتعرض المعارضين لظروف قاسية، وتعذيب في السجون، بما يحتمل أن يهدد حياتهم، بما في ذلك استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، والمحتجزين السياسيين.
كذلك، دان تقرير الخارجية الأميركية مواجهة الأشخاص المثليين جنسياً للاعتقال، والسجن، والمعاملة المهينة، وإصدار قوانين من شأنها فرض قيود على الصحافة، والإنترنت، والحرية الأكاديمية، علاوة على عدم استجابة الحكومة المصرية بشكل فعال للحد من العنف ضد المرأة، وعمالة الأطفال دون السن القانوني.
ونبه التقرير إلى عدم شروع حكومة السيسي في معاقبة أو مقاضاة المسؤولين الذين ارتكبوا انتهاكات، سواء في الأجهزة الأمنية، أو في أي مكان آخر في الحكومة، وعدم إجرائها تحقيقاً شاملاً في انتهاكات حقوق الإنسان في معظم الحالات، بما في ذلك حوادث العنف المرتكبة من قبل قوات الأمن، وتعرض أشخاص للموت داخل السجون، ومراكز الاحتجاز، من جراء التعذيب.
ويُعتبر هذا التقرير الثاني والأربعين لحقوق الإنسان الذي تعده خارجية واشنطن، استناداً إلى معلومات من السفارات والقنصليات الأميركية، والمسؤولين الحكوميين، ومصادر أخرى، إذ تصدرت مصر والسعودية وسورية مقدمة الدول التي تشهد انتهاكات حقوقية واسعة، في الوقت الذي التزمت فيه الخارجية المصرية الصمت إزاء ما أورده التقرير عن الانتهاكات.
إلى ذلك، هاجم حزب "المصريين الأحرار" الموالي للسيسي، تقرير الخارجية الأميركية، بالقول إنه "استخدم لغة حادة كتلك اللغة التي كانت تستخدم إبان إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، والتي كانت له مواقف منحازة إلى جماعة الإخوان"، بحسب زعم الحزب، مشيراً إلى أنه "كان من المتصور أن يتخلى التقرير عن تلك اللغة بتولي (دونالد) ترامب الحكم"، في إشارة إلى علاقته الجيدة بالسيسي.
وقال الحزب، في بيان اليوم السبت، إن التقرير تطرق إلى موضوعات جديدة لم تتعرض لها الإدارة الأميركية في السابق، معتبراً أنه أخطأ حينما تحدث عن الانتهاكات التي شابت الانتخابات الرئاسية المنقضية في مصر، وفاز بها السيسي "بغالبية كاسحة"، لعدم وقوعها في الإطار الزمني للتقرير الذي يتناول أوضاع حقوق الإنسان خلال العام 2017.
وأعرب رئيس الحزب، عصام خليل، عن خيبة أمله نتيجة استمرار اعتماد الخارجية الأميركية على تقارير إعلامية وصحافية "تستخدم لغة عدائية ضد مؤسسات الدولة المصرية"، متابعاً: "كنا ننتظر تطوراً إيجابياً، لا سيما أنه التقرير الأول في ظل إدارة ترامب، الذي عبّر في أكثر من مناسبة عن تأييد الولايات المتحدة مصر في حربها على الإرهاب".
وكان رئيس البرلمان المصري، علي عبد العال، قد ترأس وفداً لزيارة الولايات المتحدة، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لتحسين صورة النظام المصري أمام دوائر اتخاذ القرار في الكونغرس الأميركي، والدفاع عن نصوص قانون العمل الأهلي الذي أصدره مجلس النواب، وصادق عليه السيسي، في مايو/ أيار 2017، بهدف تقييد أنشطة منظمات المجتمع المدني.
وحاول الوفد المصري استعراض جملة القوانين التي أصدرها مجلس النواب، مركزاً على إجراءات برنامج الإصلاح الاقتصادي، بدعوى أنها ستساهم في معدلات النمو، ومواجهة المشكلات المزمنة التي عانى منها الاقتصاد المصري على مدار العقود الماضية، وهي الإجراءات التي تسببت في ارتفاع غير مسبوق في معدلات التضخم في البلاد، وفقد العملة المحلية أكثر من 70% من قيمتها.
وسبقت هذه الزيارة زيارة أخرى "غير ناجحة" للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، في يونيو/ حزيران 2017، رغم أنها مثلت أول زيارة رسمية لوفد من البرلمان المصري للولايات المتحدة منذ العام 2008، بعد فشل أعضاء اللجنة في لقاء مسؤولين بارزين بالبرلمان الأميركي بغرفتيه، للتحريض ضد دولة قطر، ومطالبة عدد من أعضاء الكونغرس بتبني تصنيف جماعة الإخوان المسلمين "تنظيماً إرهابياً".