أطلقت بعض الأحزاب الإسرائيلية، من خلال وسائل الإعلام الحديث، "الشرارات" الأولى لحملاتها الخاصة بانتخابات الكنيست المقبلة، التي ستجري في السابع عشر من مارس/آذار المقبل، في رسائل تعتمد "الساتيرا" في غالبيتها، وتنذر بمعركة حامية الوطيس.
فظهر زعيم حزب "البيت اليهودي" المتشدد نفتالي بينيت، في فيديو عبر موقع "يوتيوب" تحت عنوان "نتوقف عن الاعتذار"، يقوم فيه بتقديم الاعتذارات للناس في الشوارع، عن أخطاء لم يرتكبها، ساخراً بذلك من اليسار الإسرائيلي، الذي يرى بينيت أنه يريد لإسرائيل الاعتذار عن أشياء لم تفعلها، من وجهة نظره، ويسوّق كمثال لذلك عنواناً ظهر في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، هو "على إسرائيل الاعتذار"، يتناول الاعتداء على سفينة مرمرة التركية التي كانت في طريقها إلى غزة.
واقتنصت زعيمة حزب "ميرتس" اليساري، زاهافا غالؤون، الفرصة للرد على بينيت، من خلال فيديو ارتدت فيه زي امرأة يهودية متدينة، لتوجّه رسالة أن حركتها "لا تسخر من أحد، وتعمل من أجل الجميع". كما كتبت لبينيت أن ممارسة السياسة تكون بالمحبة أو لا تكون.
أما عبر موقع "فايسبوك" للتواصل الاجتماعي، فظهرت صفحتان داعمتان لرئيس حزب العمل يتسحاك هيرتسوغ، تتنافسان فيما بينهما على تسويق شخصيته، بمضامين متناقضة كلياً.
فكلتاهما تعتمدان صوراً فكاهية لهيرتسوغ، لكن إحداهما تركّز على صفاته "الطيبة" و"الانسانية"، والأخرى تجعل منه بطلاً لأفلام قتالية شهيرة، في محاولة لإظهاره كشخص قوي ومقاتل من الداخل عند الحاجة، بعكس مظهره "المسالم".
ويقول أستاذ الإعلام في جامعة تل أبيب خليل ريناوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير من السياسيين، يتوجّهون لمختصين ومستشارين من الرعيل الجديد، لتصميم حملات إعلامية عبر وسائل الاعلام الحديث، لأنهم يدركون أن المستهلك الشاب يتابع الأحداث من حوله عبر الإعلام الاجتماعي وأجهزة الهواتف والألواح الذكية، فالوسيلة الاعلامية باتت تجيّر نفسها للمستهلك، وليس المستهلك من ينتظرها".
ويتوقّع ريناوي أن "يتم توظيف الإعلام الحديث في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة أكثر من الانتخابات التي جرت قبل عامين"، موضحاً أنه "بالإضافة إلى الرسالة الموجّهة، فإن التفاعلية لها تأثير، وهي الشق الثاني من أهمية وسائل الاعلام الاجتماعي"، مشيراً إلى أن "الأحزاب تستغل الردود، لتقويم أو تعديل حملاتها المقبلة، وهذا يدخل ضمن ما يُسمى التأثير الذي يتدحرج"، معتبراً أن "الوضع الذي كان سائداً من حملات تقليدية تسير وفق مخطط سابق ينفذّ بحذافيره، تغيّر".
لكن ريناوي يؤكد في الوقت نفسه، على أهمية وسائل الاعلام التقليدية، "فهناك عملية تفاعل متبادل، بين وسائل الاعلام الحديثة وتلك التقليدية، ومن يريد التأثير أكثر لا بد أن يستخدمها جميعاً، ويخلق نوعاً من الترابط والتناغم".
تفاعل على مدار الساعة
من جهته، يرى العميد السابق لكلية الإعلام في جامعة النجاح عاطف سلامة، أن "الإعلام التقليدي لا يزال حاضراً، لكنه لم يعد كافياً ولا صاحب التأثير الأكبر في ظل وجود الإعلام الحديث"، مشيراً إلى أن "صحيفة "يسرائيل هيوم" وُجدت لدعم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكنه لا يستطيع الاعتماد عليها فقط، إذ أصبح لكل سياسي وسيلة إعلام خاصة فيه، من خلال الإعلام الحديث، يطرح عبرها كل ما يريد على مدار الساعة، ويتفاعل مباشرة مع الجمهور، ويمكنه أيضاً من خلال ذلك قياس توجّهات الناس".
ويعتبر سلامة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الوسائل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الواقع الجديد، ولا يمكن للسياسي أن يتجاهلها لأنه سيشعر بنقص"، موضحاً أنه "في انتخابات الكنيست الماضية قبل عامين كانت هذه الوسائل حاضرة، لكنها حتماً ستكون أقوى هذه المرة"، ملاحظاً أن بينيت "بدأ حملته فعلاً من خلال "يوتيوب" وردّت عليه غالؤون بفيديو آخر، وهذا جزء من التفاعلية السريعة التي يوفّرها الاعلام الحديث، وإمكانية النشر والرد في أي وقت".
تجربة عملية
أما كاتب الاعلانات رازي نجار، الذي سبق أن شارك في حملتين انتخابيتين عامي 2006 و2012، فيتحدث لـ"العربي الجديد" عن تجربة عملية شارك بها ضمن الحملة الانتخابية لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" قبل نحو عامين، وهي عبارة عن فيديو أحدث ضجة كبيرة على "يوتيوب" ومن ثم في وسائل إعلام أخرى.
سخر الفيديو من النشيد الوطني الإسرائيلي "هتكفا"، فتعرّض حزب "التجمع" والقائمين على حملته الانتخابية للتحريض.
يذكر نجار أنه "بعد نشر الفيديو، لم تكن هناك حتى حاجة للترويج له، فقد شدّ الشارع العربي واستفز الشارع الإسرائيلي، إذ كان لاذعاً ومتحدّياً وتناولته وسائل الاعلام الإسرائيلية"، مشيراً إلى أن "لجنة الانتخابات طلبت لاحقاً شطبه، وتسببت الضجة حوله بموجة أخرى من المشاهدات والإقبال عليه، ومن ثم جاءت موجة ثالثة من المشاهدات وتناقل الفيديو، عندما نوقش الموضوع في المحكمة العليا".
ويضيف نجار:" عندما وضعنا فكرة الفيديو، توقّعت أن يُحدث ضجة كبيرة، لكني فوجئت أن حجمها تجاوز توقعاتي بكثير، وهذا دليل على قوة الإعلام الحديث، حين يُستثمر بالشكل الصحيح وحين نُحسن اختيار الرسائل"، متوقّعاً أن يكون حضور وسائل الإعلام الحديثة أكبر في الحملات الانتخابية المقبلة للكنيست.