يوما ما سأل صحافي الرئيس السوري بشار الأسد عن سر احتفاظه بقوام رياضي، ضحك الأسد بصوت عال، وأجاب: "أنظُر إلى ما يفعله وزير خارجيتي وليد المعلم، وأفعل عكسه".
غالبا ما غرّد المعلم خارج سرب الطاقم السياسي للنظام السوري، فهو من دعاة التفاهم والحوار مع الولايات المتحدة والغرب، مقابل دعاة تعزيز العلاقة العضوية مع المحور الإيراني أو ما كان يطلق عليه "محور المقاومة والممانعة" الممتد من إيران والعراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين.
رغم ذلك، انحاز الرجل المعروف بأنه من دعاة التسوية مع إسرائيل، وقد قضى عمره -كما يقول- مفاوضا من أجل السلام، إلى الخيار العسكري والأمني في قمع الثورة السورية منذ انطلاقتها، فشكل ذلك مفاجأة لمن يعرفونه.
خيب المعلم، آمال الكثير من السوريين الذين راهنوا عليه بالانشقاق على النظام، أو تركه أو على الأقل الاستمرار في لغته الهادئة. لكن الوزير الدمشقي لم يكتف بالانحياز إلى الخيار الأمني، كما تكشّف عن محاضر اللجنة السياسية السورية أو محاضر الاجتماعات مع رئيس بعثة مراقبي جامعة الدول العربية، الفريق محمد أحمد الدابي، بل بات يصرح عن ذلك في المؤتمرات الصحافية وفي كلماته أمام المحافل المختلفة، وآخرها كلمته في افتتاح مؤتمر جنيف 2.
لا أحد يعرف كيف تحول وزير الخارجية الهادئ ذو الأعصاب الباردة، لدرجة تغيظ من يعمل معه، إلى واحد من الصقور، لدرجة استغراب بعض من حضروا اجتماعات الوزير ومدير إدارة أمن الدولة حينها، اللواء علي مملوك، مع رئيس لجنة المراقبين العرب الدابي، كيف أنّ مملوك كان يخفف من حدة الوزير المعلم.
وتعتبر المماحكة والغرق بالتفاصيل استراتيجية المعلم في الدفاع عن النظام، وهي النصيحة التي قدمها المعلم للجنة مراقبي الجامعة العربية، وموفدي الأمم المتحدة من بعدهم. وكذلك الاستمرار في سياسة الإنكار كما فعل عندما أعلن عن محو أوروبا عن الخارطة في يونيو/ حزيران 2011 أو عرض فيديوهات لأعمال المعارضة المسلحة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 ثبت أنها تتعلق بأحداث 7 مايو/ أيار 2007 في لبنان، ولا تتعلق بالأحداث السورية.
كثير من الأقاويل تتناول فساد المعلم عن طريق مرافقه الشخصي هشام القاضي، والذي أُطلق عليه لقب الغلام والوزير الفعلي، وتتناول علاقته مع الوزير الكثير من الشائعات. ولكن الثابت فيها أنه يدير استثمارات المعلم وأراضيه في منطقة كفر سوسة المزدهرة في دمشق، ويشرف على تأمين موائد الوزير المشهور بشراهته للطعام والسجائر.
ويتهم خصوم المعلم في النظام السوري، بأنه ليّن العريكة مع الغرب، ومطواع مع وزراء الخارجية الخليجيين، وعلى رأسهم الوزير السعودي سعود الفيصل، وغالبا ما يغمزون من ذمته المالية، وأحيانا ارتباطاته الأمنية .
ويقف في مقدمة الخصوم نائب الرئيس فاروق الشرع، الذي عمل المعلم مديرا لمكتبه ثم معاونا ونائبا له، ثم ورث عنه منصب الوزير، وكذلك بثينة شعبان التي عملت مترجمة للرئيس الراحل حافظ الأسد ومن ثم مديرة للإعلام في الخارجية، ولاحقا وزيرة للمغتربين قبل أن تضم إلى الخارجية.
وديعة رابين
ويردد منتقدو المعلم بأنه المسؤول عن سوء التفاهم المتعلق بوديعة رابين، والتي يقول السوريون إن وزير الخارجية الأميركية وارن كريستوفر نقلها إليهم في 1994، وفيها التعهد بانسحاب إسرائيل من كامل الجولان إلى حدود 1967، ويزعم الإسرائيليون أن ما نقل هو انطباع الوزير كريستوفر، وليس تعهدا من رئيس الحكومة الإسرائيلية اسحق رابين.
ويقول خصوم المعلم إن رئيس الأركان حكمت الشهابي، عقب اجتماعه مع رئيس الأركان الإسرائيلي إيهود باراك، قد عنّف المعلم، الذي كان وقتها سفير سوريا لدى واشنطن.
وسأله إن كان باراك هو نفسه من كتب تقييما إيجابيا عن لقائه به والمستشار العسكري لرئيس الوزراء داني ياتوم نهاية عام 1995، وكذلك عن لقائه أيضا بالسفير الإسرائيلي في واشنطن ايتمار رابينوفيتش في أبريل/ نيسان 1995.
من يخلف المعلم؟
تؤكد مصادر سورية أن المعلم لن يستطيع الاستمرار في عمله في وزارة الخارجية وأن الأسماء المرشحة لشغل كرسيه محصورة بين الممثل الدائم لسورية في مقر الأمم المتحدة في نيويورك بشار الجعفري، ونائب وزير الخارجية فيصل المقداد، وكذلك سفير سوريا في الصين عماد مصطفى.
وترجح هذه المصادر أن يكون المنصب من نصيب الجعفري، في حين يتسلم المقداد وزارة الإعلام بديلا عن الوزير عمران الزعبي والذي تنقل بعض المصادر إصابته بمرض عضال.
والمعلم، وهو يقترب من نهاية حياته السياسية في خضم الأزمة السورية، يكون قد حقق أمنية طلبها في عام 2006 بعد العدوان الصهيوني على لبنان، وهي أن يكون بين جنود أمين عام حزب الله، حسن نصر الله.
ومن يحرس الآن سريره، في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، عناصر من حزب الله.