بعدما حوّل الأهالي في قرية قيرة الصغيرة التابعة لمحافظة سلفيت، شمال الضفة الغربية المحتلة، قطعة أرض بور إلى أرض زراعية تنتج مختلف أنواع الخضار، نجحوا في تأمين اكتفاء ذاتي من الخضار، خصوصاً في ظل الإغلاق الذي فرضته السلطات الصحية نتيجة لتفشي فيروس كورونا في الأراضي الفلسطينية.
مبادرة "المزرعة المجتمعية" التي رسمت صورة جميلة من صور التضامن الإنساني والتكافل الاجتماعي، أطلقها سكان القرية مجتمعين. بداية، طرحت مجموعة من الشباب الفكرة على المجلس القروي الذي وافق عليها فأمّن قطعة أرض كان قد تبرّع بها مغترب من أبناء القرية البالغ عدد سكانها نحو 1500 نسمة فقط، واشترك الأهالي في فلاحة الأرض ومدّها بأنابيب الري والزراعة وصولاً إلى مرحلة القطاف وجني المحصول.
في هذا السياق، تقول رئيسة المجلس القروي عائشة خليل نمر لـ"العربي الجديد": "السكان، كغيرهم من أبناء الوطن، تأثّروا بالجائحة من جراء تعطل كثير من مرافق الحياة نتيجة الإغلاق والحجر الصحي. ولأنّ الحاجة أمّ الاختراع، تواصلت معنا مجموعة من الشبان لتخصيص قطعة أرض وزراعتها بالخضار، لتكون متاحة للمحتاجين في القرية، بدلاً من انتظار مساعدات غذائية من هذه الجهة أو تلك. نحن أسرة واحدة يساعد فيها القوي الضعيف، والمقتدر شقيقه من دون منّة أو فضل".
تضيف نمر: "الأصل في المجلس القروي أو البلدي أن يكون داعماً لكل المبادرات الخلاقة. لذلك، تبنّينا الفكرة، وبدأ البحث عن قطعة أرض مناسبة، فكان التفاعل هذه المرة من أحد أبناء القرية المغتربين في الكويت، فتبرّع بأرضه التي تبلغ مساحتها عشرة دونمات، وقد تمّ استصلاح خمسة دونمات منها لتنفيذ المبادرة كمرحلة أولى".
بعدها، زرعت 15 ألف شتلة، تشمل 18 نوعاً من الخضار الأساسية، كالفلفل، والبندورة، والكوسا، والخيار، والفقوس (الخيار الأرمني) وغيرها. وبدأ المحصول يثمر تدريجياً، واتّفق على أن يشتري ميسورو الحال حاجتهم بأسعار رمزية لتغطية النفقات، فيما يحصل الفقراء أو محدودو الدخل على حاجتهم مجاناً.
يقول المزارع فؤاد عرباسي لـ "العربي الجديد": "بدأنا العمل بعدد قليل من المشاركين، لكن ما لبث أن تضاعف عددهم في وقت قياسي، خصوصاً أن المبادرة أعادت الأهالي إلى الزراعة، وهي مهنة الآباء والأجداد التي هجرها كثير من أبناء هذا الجيل، وقد فضلوا دراسة تخصصات مختلفة والبحث عن وظائف".
بالنسبة لعرباسي، فإن الأرض هي الوطن، والزراعة أحد أهم أشكال تعزيز الصمود في الأرض، لا سيما أن الاحتلال الإسرائيلي يشنّ حرباً ضروساً ضد الوجود الفلسطيني، ويعمل ليل نهار على مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات.
ويرى عرباسي أن على كل من فقد وظيفته أو عمله أن يعود إلى أرضه ويزرعها ويهتم بها ليأكل مما يزرع، وبالتالي لا يضطر العاطلون من العمل إلى انتظار من يقدّم لهم المساعدة.
نجاح الفكرة دفع القائمين على المشروع إلى توسيعه، ويستعدون حالياً لاستصلاح القسم الثاني من الأرض ومساحتها 5 دونمات والتحضير لموسم الشتاء وزراعة بعض المحاصيل كالملفوف والزهرة (القرنبيط) وغيرها. إلا أن تلك الخطوة تحتاج إلى كميات أكبر من المياه. لذلك، تأمل رئيسة المجلس القروي أن تمدّ وزارة الزراعة والجمعيات الزراعية الفلسطينية يد العون لهم، وتعمل على تأهيل سبع آبار تحيط بالمزرعة المجتمعية، ما سيوفر كميات المياه المطلوبة لري الأرض بالكامل، من دون الحاجة إلى شرائها بمبالغ باهظة.
ويأمل ابن القرية الناشط فريد طعم الله أن تشكّل المبادرة نواة لجمعية زراعية تعاونية تغطي احتياجات القرية بشكل كامل. ويقول لـ "العربي الجديد": "هذه الأفكار هي التنمية الحقيقية التي يحتاج إليها المجتمع الفلسطيني بعيداً عن المانحين، وتعدّ نموذجاً لتحقيق السيادة على الغذاء بما يعزز الصمود على الأرض في وجه الاحتلال".
دور للشباب
انتشرت الزراعة البيئية (الزراعة ضمن النظام البيئي والحفاظ على الموارد واستدامته) في فلسطين، خلال السنوات العشر الأخيرة. وأكثر ما يميزها هو انخراط الشباب فيها. وقبل نحو عشر سنوات، ظهرت مزرعة بيت قاد في جنين (الضفة الغربية) إضافة إلى المزرعة الإنسانية في بني زيد الشرقية في رام الله (الضفة الغربية).