ينصح العراقيون غيرهم ممن يجهلون مناطق العاصمة بغداد وباقي المحافظات بأن يأخذوا احتياطاتهم، ويتحلوا باليقظة حين يتواجدون في مناطق مزدحمة تعتبر مواقع مفضلة لمن يعرفون شعبياً باسم "القفاصة" أو "النكرية" الذين يشكلون ظاهرة متنامية في العراق منذ الغزو الأميركي في عام 2003.
و"القفاصة" أو "النكرية" هم النشّالون الذي يسرقون بخفة يد وحيل مختلفة محافظ نقود وحقائب وأشياء أخرى يمكن أن يحصلوا منها على مال، مثل الحلي وغيرها. ويزداد حذر العراقيين في شكل كبير حين يدخلون منطقة باب الشرقي بالعاصمة بغداد، خاصة أسواقها المكتظة، وفي الأسواق التي تشهد حركة تبضع نشطة، مثل باب المعظم والكاظمية والأعظمية والكرادة وعلاوي الحلة والبياع والمنصور وغيرها. وهم قد يروون قصصاً كثيرة تتعلق بالنشل تعرضوا لها نفسهم أو أشخاص يعرفونهم أو حدثت أمامهم.
تخبر فائزة صاحب الموظفة في محل لبيع الهدايا "العربي الجديد" أن عملها قريب من أحد أبرز أسواق بغداد المكتظة، وأنها تستغل ذلك لشراء ما تحتاجه من أدوات للمنزل ومختلف احتياجات أسرتها، وتقول: "تعرضت للسرقة ثلاث مرات شملت أولها حقيبة يدوية احتوت على مبلغ بسيط من المال ومواد تجميل خاصة، والثانية هاتف خليوي سعره نحو 150 دولاراً، والثالثة ساعة يد شعرت بأنها تسرق من يدي لكن المكان كان مزدحماً بالمتبضعين، ما سمح بفتح السارق الذي تواجد خلفي عتلة الساعة بسرعة، وسحبها بخفة عجيبة. وصرخت حينها وحاول كثيرون مساعدتي لكن بلا جدوى". رغم ذلك لا تزال فائزة تتبضع من هذا السوق الذي يعرض بضائع رخيصة، "لكنني أتجوّل فيه بحذر كبير، بعدما تعلمت دروساً مكلفة من عمليات النشل السابقة".
ويعرف العاملون في الأسواق النشّالين والطرق التي يستخدمونها، لذا يحذرون زبائنهم والمتبضعين دائماً إذا شاهدوهم في غفلة عن أغراضهم. ويقول ياسين صبيح الذي يملك محلاً لبيع الأدوات المنزلية في سوق البياع غربي بغداد والذي يعتبر بين الأكثر اكتظاظاً، لـ"العربي الجديد": "شاهدت حوادث نشل كثيرة خلال 40 عاماً من وجودي في السوق، ويصيب حدسي دائماً حين أتوقع سرقة متبضع أو متبضعة. والنساء يتعرضن للسرقة أكثر من الرجال، فهن ينشغلن بالبضائع كثيراً، ويضعن حقائبهن أحياناً على الأرض أو على طاولة خلال شرائهن أغراضاً، فيسهل صيدهن من النكرية. جعلني عملي المستمر هنا أعرف النشالين، كما أصبحت أقرأ وجوه وتصرفات الأشخاص الغرباء عن السوق، إذا كانت غايتهم السرقة".
ويشير صبيح إلى أنه ينصح المتبضعين الذين ينشغلون في مشاهدة المعروض في المحلات لدى سيرهم داخل السوق، ما يجعل أذهانهم شاردة ويسهل سرقتهم، و"أنا أنادي على أي شخص وأنصحه بالتنبه لحقيبته، أو المشتريات التي يحملها، أو حتى من ظهور جزء من محفظة نقوده".
ويبتكر النشّالون أساليب عدة يعرفها جيداً العاملون في الأسواق ورجال الأمن، وفق عباس الشهيلي الذي يعمل في فريق أمن حماية السوق في الكاظمية شمالي بغداد. ويقول لـ"العربي الجديد": "أسمع مرات صراخ أشخاص لدى تعرضهم لسرقات. وغالبية النشالين مراهقون وشبان في مقتبل العمر، ويستخدمون طرقاً مختلفة للنشل، علماً أن بعضهم يعملون بمفردهم في مراقبة واختيار ضحاياهم لسرقة حقائبهم اليدوية أو محافظ نقودهم، وأحياناً البضائع التي يشترونها، فيما ينضم آخرون إلى مجموعات قد تضم سارقين أو أكثر، ويوقعون الضحايا عبر محاولة أحدهم إعاقة الشخص بطريقة ما أو إلهاءه كي يسرقه الثاني. ونحن نستمر في تحذير الناس الذين يمرون من جانبنا حين نراهم غير مبالين، وقد يكونون بالتالي فريسة مناسبة للنشّالين". يضيف الشهيلي: "قبضنا على عدد من النشالين الذين تبين أن أكثرهم عاطلون عن العمل ويسرقون لأنهم يتعاطون العقاقير المخدرة".
ويتنبه غالبية الرجال عادة إلى محافظ نقودهم وهواتفهم الخليوية حين يمرون في مكان مزدحم، لكن كثيرين تعرضوا أيضاً لسرقات من نشّالين، وأحدهم المحامي نعيم سلطان الذي يقول لـ"العربي الجديد" إن "يد النكري كانت خفيفة وسريعة، وشعرت بها حين سرق محفظة نقودي من الجيب الخلفي للبنطلون، لكن الزحام الشديد أعاقني عن منعه أو اللحاق به".
ويوضح أن هذه حادثة تعود إلى عام 2018، ويؤكد أنه مطلع على العديد من قضايا النشّالين التي يشاهدها في المحاكم، و"هذه الجرائم ليست جديدة لكنها زادت في شكل كبير منذ أكثر من 15 عاماً، وستزداد أكثر مع ارتفاع نسب البطالة والفقر. لكن الجديد فيها اعتمادها على أساليب مبتكرة في تنفيذ عمليات النشل، وبينها قيام مجموعة نشالين مراهقين بعملية ذكية وغريبة تمثلت في صراخ أحدهم وسط جموع المتبضعين بأن هناك قنبلة مفخخة داخل السوق، ما أثار الفزع لدى الجميع الذين هرول بعضهم لمحاولة الخروج من السوق ما أحدث فوضى كبيرة. وتبين لاحقاً أن لا صحة لذلك، وأن ما حدث هو خطة افتعلها النشّالون، ثم اكتشف عدد من الأشخاص أنهم تعرضهم للسرقة".