منذ أن تأسست على يد زعيمها الأول الملا عمر في مدينة قندهار جنوب أفغانستان عام 1994، تؤكد حركة "طالبان" أن هدفها الأول والأخير هو تطبيق الشريعة الإسلامية، بحسب رؤيتها الذاتية. وأثناء حكمها لأفغانستان في تسعينيات القرن العشرين، طبقت الحركة كل حدود القصاص وقطع اليد والجلد، لكنها لم تبادر بعد سيطرتها على كابول في أغسطس/ آب الماضي إلى تطبيق هذه الحدود في شكل عام إلا جزئياً، ربما بسبب الضغط الدولي، ولمحاولة انتزاع اعتراف العالم بحكومتها.
بالطبع كان أهم ما توقعه الأفغان بعد سيطرة "طالبان" على البلاد تطبيق حدود القصاص، لكن الحركة لم تتسرع في هذا الأمر. وهي فسرت هذه الخطوة بطرق مختلفة، مع التزام الصمت غالباً على الوقائع، ومع تكرار بأن الهدف الأساس لكل ما فعلته في العقدين الماضيين من الحرب والقتال هو تطبيق الشريعة الإسلامية، وإقامة نظام إسلامي.
في كلمة ألقاها خلال اجتماع عقد في كابول بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاتفاق الدوحة في 29 من فبراير/ شباط الماضي، قال نائب رئيس الوزراء في حكومة "طالبان" رئيس مكتبها السياسي الملا عبد الغني برادر: "أرادت طالبان منذ نشأتها إرساء الأمن والسلام في أفغانستان من خلال تطبيق شرع الله، وقد ضحّت بالغالي والرخيص في هذا السبيل، ونجحت في المرحلة الأولى في إنهاء الاحتلال وإقامة النظام الإسلامي، وستكرر ذلك في باقي المراحل، ونطلب من الشعب الأفغاني أن يتعاون معنا".
ويعتبر الناشط الأفغاني محمد فواد، في حديثه مع "العربي الجديد"، عدم تطبيق طالبان حدود القصاص في شكل عام محاولة منها لتطبيع العلاقات مع دول العالم، وتأمين حصول حكومتها على الاعتراف الدولي. أما عقائدها فلم تتغير وستطبق كل الحدود بعد اعتراف العالم بحكومتها".
وبخلاف العاصمة بدأت "طالبان" في تطبيق الحدود في بعض الولايات، لكن بنسبة ضئيلة ومن دون الإدلاء بتصريحات رسمية حول المسألة، وكان آخرها تطبيق عقوبة الجلد في حق شاب وفتاة زعمت "طالبان" أنهما "أقاما علاقة غير شرعية في ولاية غور" (غرب).
حصل ذلك أمام عيون عشرات المواطنين في فيروز كوه، عاصمة الولاية، حيث جلد والشاب والفتاة 39 مرة في حضور قضاة المحكمة الذين أصدروا الحكم استناداً إلى اعتقالهما داخل مستشفى خاص في المدينة من دون أن يتواجد شخص ثالث معهما، ما أثبت بحسب بيان الحكم "وجود علاقة غير شرعية بينهما".
وقال الناطق باسم مكتب المدعي العام المحلي في ولاية غور، صميم مهاجر، في تصريح صحافي أدلى به في يوم تطبيق الحكم في 23 فبراير/ شباط الماضي، إن "طالبان اعتقلت الشاب والفتاة داخل مستشفى خاص بالمدينة، من دون أن يتوفر دليل على أنهما ارتكبا أي فعل غير شرعي، لكن مجرد بقائهما معاً في المستشفى اعتبر جريمة دفعت المحكمة إلى تطبيق حد التعزير عليهما، وهو 39 جلداً في حق كل واحد منهما. وحصل ذلك على مرأى من عشرات من سكان المدينة، كي يتعظ الجميع".
ويعلّق سيد آغا الذي يسكن في فيروز كوه على قضية جلد الشاب والفتاة بالقول لـ"العربي الجديد": "تطبيق حدود الشريعة أمر ديني والشعب الأفغاني المسالم يقبل هذا الأمر، لكننا نريد التريث والتدقيق أكثر في القضية خاصة أن المجتمع الأفغاني تقليدي. وقد جلد الشاب والفتاة من دون إثبات أي ذنب عليهما وفق ما تقوله المحكمة، باستثناء التواجد في مكان واحد. وهذا أمر يدمر حياتهما خاصة الفتاة التي لن يتزوجها أحد بعد جلدها على مرأى من الناس، في حين أنها بريئة، وكان يجب التدقيق أكثر في القضية".
أما الناطق باسم الحكومة المحلية في ولاية غور، عبد الواحد حماس، فقال في بيان: "مجرد وجودهما في مكان واحد من دون أن يكون بينهما علاقة شرعية جريمة، والشريعة الإسلامية أوجبت حد التعزير، لذا ثبت جريمتهما المتمثلة في البقاء في مكان واحد من دون وجود شخص ثالث معهما".
وعشية حادث ولاية غور بيوم واحد، طبقت قوات "طالبان" حد الزنا على شاب أفغاني في مدينة ترينكوت على مرأى من مئات الناس في الدوار الرئيسي بالمدينة، وهو موقع تجمعات عام.
وقال ولي جان، أحد سكان مدينة ترينكوت، الذي حضر الواقعة لـ"العربي الجديد": "أحضرت قوات طالبان شاباً في سيارة عسكرية بعدما جمعت الناس من كل مكان. وخاطب المسلحون الناس عبر مكبرات الصوت بأن الشاب ارتكب الزنا في مديرية شور، وجرى نقله إلى مدينة ترينكوت لتطبيق الحد. أما الحاضرون فتساءلوا فيما بينهم حول مصير الشخص الثاني في القضية".
ولاحقاً، قال المسؤول الإعلامي في ولاية أورزجان محمد أصف لصحافيين: "اعترف الشاب نصرت الله بارتكاب الزنا، وجرى تطبيق الحد عليه، أما الفتاة فأبلغت المحكمة أن الرجل ارتكب الجريمة عنوة وبقوة فجرت تبرئتها، وطبق الحد على الجاني (100 جلدة) مع سجنه لمدة خمسة أشهر".
ويعلق المحامي الأفغاني وفي الله عرب زاده على الواقعة بالقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن إنكار تطبيق حدود حكم شرعي، والقانون الأفغاني يقر بذلك، لكن طالبان يجب أن تحدد الأولويات، فالبلاد تمر بمرحلة صعبة، والحالة المعيشية هشة جداً، وقواتها تعتقل عشرات يومياً بتهم السرقة، ما يعني أن تطبيق الحدود على كل هؤلاء أمر بالغ الصعوبة حالياً، وقد يخلق مشاكل بين حكومة طالبان والمجتمع الدولي".