"قرنقعوه" قطر... أطفال يحتفلون بالليلة الرمضانية بعد كورونا
يحيي أطفال قطر، مساء اليوم الجمعة، ليلة القرنقعوه التي تقع منتصف شهر رمضان، فيخرجون ليطوفوا على بيوت الفريج (الحيّ) محتفلين بالمناسبة، وذلك بعدما غابت في خلال شهرَي رمضان الأخيرَين بسبب أزمة كورونا وما رافقها من إجراءات تقييدية اتّخذتها السلطات الصحية لمكافحة انتشار العدوى.
وقد أعدّت مؤسسات قطرية عدّة هذا العام برامج خاصة للاحتفال بهذه المناسبة، بهدف إدخال البهجة إلى نفوس الأطفال بعد توقّف قسري عن إحيائها. وهكذا يعود الصغار هذا المساء ليردّدوا أهازيج خاصة بهذه المناسبة الرمضانية الشعبية التراثية، منها "قرنقعوه قرقاعوه... عطونا الله يعطيكم... بيت مكة يودّيكم... يا مكة يا المعمورة... يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة". وبعد الجولة التي تنتهي عند العشاء، يعود هؤلاء إلى منازلهم وقد امتلأت أكياسهم التي يحملونها في أعناقهم، بأنواع من المكسّرات والسكاكر التي جهّزها الأهالي خصّيصاً للمناسبة.
ووفقاً للعادة الشعبية، يخرج الأطفال في مجموعات عند انتهاء الإفطار إلى الأحياء، حاملين معهم أكياساً من القماش، ويطوفون على المنازل القريبة وهم يرددون أهازيجهم الحماسية، ويطرقون على الأبواب بغية ملء الأكياس التي يحملونها بما يهيّأ خصيصاً قبل أيام من هذه المناسبة. فمنذ بداية شهر رمضان، تبدأ الأسر القطرية بتحضير سلال كبيرة تُسمّى "الجفير" باللهجة القطرية، تملأها بمكسّرات وسكاكر من قبيل الزبيب واللوز والجوز وعين الجمل والنخي والملبّس وغيرها حتى تعبّئ بها أكياس الأطفال الزائرين.
ويرتدي الأطفال الملابس التقليدية، ذات الطابع الخليجي الخالص، فنرى الفتيان بثياب بيضاء جديدة وقد اعتمروا "القحفية" وهي قبّعة مطرّزة بخيوط فضية. وقد يرتدي بعضهم "السديري" المطرّز، وهو رداء شعبي يُلبَس فوق الأثواب ويصل حتى الخصر. أمّا الفتيات فيرتدينَ فوق ملابسهن العادية "الثوب الزري"، وهو ثوب ملوّن ومطرّز بخيوط ذهبية، ويغطّينَ رؤوسهنّ بـ"البخنق"، وهو قماش أسود تزيّنه خيوط ذهبية عند الأطراف، فيما يتزيّنّ بحليّ تقليدية خليجية.
احتفال أوّل بعد الوباء
وكان احتفال أطفال قطر بالقرنقعوه في الفرجان (الأحياء) قد غاب في العامَين الماضيَين نتيجة الإجراءات الوقائية التي اتّخذتها السلطات الصحية في قطر لمواجهة انتشار فيروس كورونا الجديد، ومن بينها منع التجمّعات التي تضمّ أكثر من خمسة أشخاص في الأماكن المغلقة، علماً أنّ الاحتفال بالقرنقعوه يأتي أسرياً وفي داخل البيوت.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والباحث في التراث الشعبي صالح غريب لـ"العربي الجديد " إنّ "أزمة كورونا التي تجاوزناها كانت قد أثّرت ليس فقط على الاحتفال بالقرنقعوه في رمضان، بل على كلّ العادات والتقاليد الشعبية، لكنّنا تمكّنّا من المحافظة على هذا التقليد والاحتفال بهذه المناسبة بطريقة تتوافق مع إجراءات وزارة الصحة التي وضعت آلية لذلك بالتنسيق مع وزارة الثقافة". ويشدّد غريب على أنّ "حرص الأسر القطرية على الاحتفال بالمناسبة على الرغم من أزمة كورونا وبشكل مبسّط، أمر أقدّره بصفتي باحثاً في التراث الشعبي".
يضيف غريب أنّه "بخلاف الأعوام الماضية، استعدّت وزارات وكذلك مؤسسات عامة وخاصة عدّة في الدولة للاحتفال بالمناسبة، وذلك بطريقة تعيد للاحتفال رونقه وجماله"، شارحاً أنّ "وزارة الثقافة القطرية ممثلة بإدارة التراث والهوية أعدّت احتفالاً بهذه المناسبة، من خلال برنامج البراحة. وسوف يُحتفَل بالقرنقعوه في مدينة الوكرة القريبة من الدوحة، وسوف تعمد الوزارة إلى توزيع 50 كيلوغراماً من المكسّرات على الأطفال الذين سوف يشاركون بالفعالية".
من جهة أخرى، يدعو غريب الأسر القطرية إلى "عدم المبالغة في الاحتفال، لمنع تحوّله إلى احتفال استهلاكي، وعدم الانسياق وراء الإعلانات سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الصحف"، مشيراً إلى أنّ "تلك الإعلانات تعرض أنواعاً فاخرة من المكسّرات موضّبة مثلاً في علب تتجاوز قيمتها مئات الريالات. كذلك قد تمثّل دعايات لموائد مفتوحة ولملابس تراثية باهظة الثمن، وذلك من العادات غير المرتبطة حصراً بالقرنقعوه". يضيف غريب أنّ "جمالية الاحتفال بالقرنقعوه هي بالاحتفال بشكله التقليدي والبسيط الذي لا يكلّف الأسر الكثير وبالتالي لا يرهقها مادياً". كذلك يدعو غريب التجّار ومحلات الحلوى إلى "عدم المبالغة بالكسب المادي للمحافظة على الطابع التراثي والجميل للمناسبة، وعدم تحويلها الى احتفال استهلاكي مادي يشجّع على البذخ والاستهلاك"، مكرّراً أنّ "جمالية القرنقعوه تكمن في الأزياء البسيطة كالدراعة والثوب والقحفية والبخنق (من الأزياء التي يرتديها الأطفال بالمناسبة) وهي غير مكلفة". ولنكتفِ بالمكسّرات البسيطة التي تُخلَط في البيوت والحفاظ على القرنقعوه كاحتفال تراثي من دون المبالغة فيه".
احتفال خليجي
وليلة القرنقعوه معروفة في مختلف مناطق الخليج العربي، بشكل عام. وبحسب اختلاف المكان، تختلف الأهازيج الخاصة بهذه المناسبة وبمسمّيات هذه الليلة. فيُطلَق عليها في قطر والكويت والمنطقة الشرقية في السعودية "القرنقعوه"، فيما تُسمّى في البحرَين "القرقاعون"، ويُطلق عليها أهل سلطنة عُمان "القرنقشوه"، أمّا في الإمارات فهي "حقّ الليلة".
ويشترك الجميع في الاحتفال بهذه الليلة في منتصف شهر رمضان من كلّ عام. وتشير كتب التراث إلى ثلاثة آراء في معنى القرنقعوه التي يُحتفل فيها في مثل هذا التاريخ. بالنسبة إلى الرأي الأوّل، فهي مشتقّة من قرقعة الحصى، إذ إنّ الأمّهات قديماً كنّ في خلال ذهابهنّ إلى البرّ في فصل الربيع، يجلبنَ معهنّ حصى ملساء ويحتفظنَ بها لهذه الليلة، إذ تعطي الأمّ كلّ طفل سواء أكان صبياً أو بنتاً اثنتَين من تلك الحصى الملساء بيضاوية الشكل التي تُسمّى "الصمية"، علماً أنّها من حجارة الصوّان. وهكذا، يضربهما الطفل إحداهما بالأخرى لتحدثا صوتاً شبيهاً بالقرقعة. أمّا الرأي الثاني الخاص بتسمية هذه الليلة، فيقول إنّ "قرنقعوه" تعني قرع الأطفال على أبواب البيوت، فيما الرأي الثالث يُنسبها إلى "قرة العين" في شهر رمضان.