"محاضرون مجانيّون" في العراق بلا مستحقات مالية

07 ابريل 2021
+ الخط -

لم يكن إغفال حقوق المحاضرين المجانيين (المعلمون الذين يعملون بالمجّان) في المدارس العراقية، في موازنة العام الجاري التي أقرّها البرلمان مؤخراً، متوقعاً، لا سيما بعد الوعود والتعهدات الكثيرة بصرف رواتب لهم وتعيينهم بشكل رسمي، تعويضاً عن سنوات الخدمة الطويلة التي قضوها في سلك التعليم من دون أية مستحقات مالية.
وعلى مدى نحو 10 سنوات مضت، عمل في المدارس العراقية أكثر من 230 ألف محاضر بالمجّان، على أمل تعيينهم رسمياً، من دون أن يتحقق مرادهم. ولم تتضمّن الموازنة أية مستحقات مالية لهؤلاء، كما لم تنص على تحويلهم إلى مدرسين رسميين ولا حتى منحهم عقود عمل.

وتنصلت الجهات المعنية من مسؤولية هذا الخلل في الموازنة؛ فوزارة التربية وعلى الرغم من تأكيدها حاجتها لخدمات هؤلاء، إلا أنها تخلت عن مسؤولية التعيين، مؤكدة أن الدرجات الوظيفية بعد قرار نقل الصلاحيات إلى المحافظات أصبحت محصورة بالحكومات المحلية حصراً.
يقول المتحدث باسم الوزارة حيدر فاروق، إن "المحاضرين يطالبون بحقوقهم، والوزارة في أمس الحاجة لخدماتهم، على اعتبار أن هناك نقصاً في الكوادر التعليمية"، موضحاً أنّ "المدارس أصبحت مرتبطة مالياً وإدارياً بالحكومات المحلية بعد قرار نقل الصلاحيات". يضيف: "كوزارة، رفعنا الأسماء والتخصصات إلى الجهات المختصة وأكدنا حاجتنا للمحاضرين"، مشيراً إلى أن "التعاقد مع المحاضرين تم وفق أمر إداري وليس وفق عقد، وأن عدم منحهم العقود يعني حرمانهم من احتساب خدمة العمل المجاني في حال تعيينهم". يتابع أن "درجات الحذف والاستحداث (نظام للترقية الإدارية في الوظائف العامة) كانت من صلاحيات الوزارة، إلا أنها أصبحت من صلاحية المحافظات في التعيين".
أمّا لجنة التربية النيابية، فاقترحت حلولاً لأزمة المحاضرين المجانيين، مؤكدة أنه في إمكان رئاسة الوزراء اتخاذ قرار بمخصصات مالية لهم. ويقول عضو اللجنة النائب قصي الياسري، إن عدم منح المحاضرين حقوقهم في الموازنة تتحملها اللجنة المالية البرلمانية ورئيسها، موضحاً في حديثه لـ "العربي الجديد": "نحن كلجنة تربية برلمانية سنعقد اجتماعات مع وزير التربية علي حميد مخلف محسن، نسعى من خلالها إلى تقديم مقترحات لطرح موضوع المحاضرين المجانيين على مجلس الوزراء، ومحاولة التوصل إلى حلول مناسبة لهم وتوفير التخصيصات المالية لهم". 

بات التعليم أكثر صعوبة في ظل كورونا (زياد العبيدي/ فرانس برس)
بات التعليم أكثر صعوبة في ظل كورونا (زياد العبيدي/ فرانس برس)

يضيف أن "التخصيصات المالية موجودة، لكننا نحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء للتعاقد معهم ومنحهم الرواتب والمستحقات"، مشدداً على أن "السياسات الفاشلة والإدارة المالية للبلد هي التي أوصلتنا إلى هذا الحال. اليوم، يلجأ الخريج إلى ساحات التظاهر كحل لتحصيل حقوقه".  
وزاد التنصل من المسؤولية وتقاذفها بين الجهات المسؤولة، من غضب المعلمين. فلم يجدوا حلاً غير التظاهر في أكثر من 8 محافظات حتى الآن. ومنذ إقرار الموازنة نهاية الأسبوع الماضي، تشهد محافظات ذي قار، وبابل، والقادسية، والمثنى، والنجف، وديالى، وميسان، بالإضافة إلى العاصمة بغداد، احتجاجات واسعة، قرب مديريات تربية تلك المحافظات، وقد أقدم المتظاهرون على إغلاق عدد من الدوائر احتجاجاً على ظلمهم.
ونصب المحتجّون، في عدد من المحافظات، خيماً للاعتصام، مؤكدين عدم تراجعهم عن الاعتصامات حتى تحقيق مطالبهم، والحصول على حقوقهم بشكل رسمي، الأمر الذي أثار مخاوف الحكومات المحلية التي أقدمت على تشديد الإجراءات الأمنية في محيط الاعتصامات، لا سيما مع تزايد أعداد المحتجين يومياً، ورفضهم الوعود الجديدة، التي بدأ المحافظون وأعضاء في البرلمان تقديمها لهم، في محاولة للسيطرة على التظاهرات.
ويروي المحاضرون قصصاً مختلفة من معاناتهم مع مهنة التعليم المجاني، لا سيما بعدما أمضوا فيها سنوات طويلة من دون أية مكاسب. وقول أسعد الشجيري، وهو محاضر في مادة الرياضيات: "أعمل منذ 7 سنوات في مدرسة ثانوية ببغداد، تبعد عن المنزل مسافة 7 كيلومترات، وأحتاج إلى 4 آلاف دينار عراقي (نحو دولارين ونصف) يومياً بدل مواصلات". ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنه أمضى سبع سنوات في العمل المجاني والاستغلال في المدرسة. "أدرّس في اليوم خمس حصص، وأراقب التلاميذ خلال فترة الامتحانات، وأعمل ضمن لجان التصحيح". يضيف: "ساعات عملي تتجاوز ساعات عمل المدرسين الرسميين بأضعاف".

ويقول: "على الرغم من كل هذا الاستغلال، استمريت في العمل، على أن أؤمن مصروفي من عمل آخر. أخرج من المدرسة لأعمل كسائق أجرة،"، موضحاً أن "ممارسة عملين في يوم واحد أمر صعب، لكنني مضطر إلى ذلك. لا أستطيع التخلي عن التدريس المجاني على اعتبار أن السنوات التي قضيتها في الخدمة المجانية ليست قليلة، ويصعب التفريط بها، الأمر الذي أجبرني على مزاولة عملين. عمل مجاني كعربون للحكومة في انتظار التعيين، وعمل آخر أكسب منه قوت يومي".

من جهتها، تقول المحاضرة مها حسن، التي تدرّس اللغة الإنكليزية منذ أربع سنوات في مدرسة بغداد، إنها لم تحصل على أي مبلغ من الحكومة طوال السنوات الأربع الأخيرة. وتضيف لـ "العربي الجديد": "أجبرت على التدريس الخصوصي لتأمين مصروفي اليومي. العمل بهذا الشكل مضن، لكنني لا أريد أن أفرط بخدمتي التي امتدت أربع سنوات". وتدعو الحكومة إلى "تحمل مسؤوليتها إزاء المحاضرين المهملين، والذين يتم استغلالهم من قبلها أبشع استغلال"، مضيفة: "سنواصل التظاهرات كونها طريقنا الوحيد للحصول على حقوقنا. يئسنا من الوعود الكاذبة".

المساهمون