"نُحيي الأرض" مبادرة لإعادة توطيد علاقة الناس بالأرض داخل المدن، واكتشاف التقنيات التي تسمح بأن يعيشوا بتوازن مع الطبيعة وجمالها. وتركز على نشر المعرفة بالزراعة البيئية التي تحمي الأرض وصحة الإنسان، ولا تعتمد على مبيدات سامة وسماد كيميائي، في وقت اختفت هذه المعرفة في شكل كبير عبر العقود.
تقول هبة ياسين المتحدرة من الشيخ داود بفلسطين وتقيم في بلدة سيروب شرق مدينة صيدا جنوب لبنان، وهي متخصصة في الصحافة، لـ"العربي الجديد": "أطلق 8 أشخاص مبادرة نحيي الأرض عام 2020، وباتت تضم 50 شخصاً اليوم. نعمل في مساحات بحدائق خاصة، وكل شخص يملك مساحة خاصة يزرع خضاراً عضوية متنوعة فيها تختلف بحسب كل موسم. ونستفيد شخصياً من هذه المزروعات، ونبيع ما يفيض".
وتشرح بأن "المبادرة تسمح بزيارة الأرض والتنزه فيها، لأن المدن لا تضم مساحات خضراء، شرط أن يساهموا في الاعتناء بالمكان وتنظيفه. ونقيم أسبوعياً كل يوم أحد سوقاً لبيع فائض الخضار، ويأتي الناس لتمضية أوقات لطيفة. والهدف من الزراعة العضوية حماية الأمن الغذائي الذي بات مهدداً بسبب المواد الكيميائية، وأيضاً خلق مساحات خضراء، وتوسيع المشروع إلى أكثر من منطقة". تتابع: "تساعد الزراعة الناس في الاعتماد على أنفسهم، ومن المهم أن ننفذ مهمات الزرع في قلب المدينة، لأننا صرنا نفتقد المساحات الخضراء، وجميعنا متطوعون ومن فئات عمرية وجنسيات مختلفة".
وتقول المتطوعة لين جبري، وهي لبنانية من سكان مدينة صيدا، وتعمل في الهندسة المعمارية وتخطيط المدن، لـ"العربي الجديد": "الهدف الأساس من الزراعة داخل المدينة تكريس أهميتها في أساليب عيش الناس لأشخاص، وتحقيق الاكتفاء الذاتي لهم مما تنتجه الأرض التي يجعلنا وجودها نسيطر على غذائنا. وهي أيضاً متنفس للناس، وأشجع الشباب أن يأتوا، ويعملوا في المشروع". تضيف: "نستطيع عبر الزراعة السيطرة على ما نأكله، فالبندورة مثلاً أصيلة وليست هجينة. صحيح أن شتلة البندورة الهجينة أكثر إنتاجية، لكننا لا نستطيع استخلاص بذور منها لزرعها. ونحن نهتم بإعادة إنتاج البذور".
أما أبو زكور المتحدر من قضاء طبريا بفلسطين والذي يقيم في مخيم عين الحلوة ويشارك في المبادرة، فيقول لـ"العربي الجديد" إن "المبادرة مشروع تعاوني مبني على الزراعة المستدامة، ويقوم على التعاون ومحاولة تأمين فرص عمل للعاطلين عن العمل".
مشروع تعاوني
أما مصطفى ميعاري، وهو من بلدة عكبرة بفلسطين، ويقيم في مخيم عين الحلوة فيقول لـ"العربي الجديد": "نزرع حالياً أرضاً كانت مهملة، وباتت الزراعة مهنتي بعدما تركت العمل في مشاريع بناء توقفت بسبب تدهور الوضع الاقتصادي. صحيح أن العمل لا يكفيني، لكنه أفضل من عدم وجوده. في البداية، واجهنا انتقادات كثيرة بأن مشروعنا الزراعي بدائي، لكن الجميع فوجئ برؤية كميات الإنتاج. ونحن نضع مواد عضوية بعمق 40 سنتيمتراً تحت الأرض، ثم بدأنا بالزراعة، وأنا شخصياً أبيع ما يزيد لدي كي أعيش".
من جهتها، تقول تغريد يحيى، وهي لبنانية من بلدة كفرشوبا أقصى جنوب لبنان تقيم في مدينة صيدا، لـ"العربي الجديد": "أنا مدرّسة لغة عربية وأم، وابنة قرية وأهلي من الفلاحين ويفترض أن أعمل مثلهم في الأرض، لكن ضرورات الحياة فرضت أن أعيش في المدينة وأبعدتني عن الطبيعة، من دون أن تزيل رغبتي في العودة إلى الطبيعة والأرض. وحين أخبرتني ابنتي بمبادرة نحيي الأرض سجلت اسمي وحصلت على مساحة لزرعها، وخضعت لدورة تدريب في التعامل مع الأرض".
تتابع: "يعطي العمل بالأرض الإنسان راحة نفسية ويفرّغ طاقته السلبية، والمبادرة تشجّع على الزراعة في المدن والمناطق المكتظة سكانياً، وتساهم في زيادة المساحات الخضراء، وتجعلنا نعرف ماذا نأكل. نحفر بعمق 40 سنتمتراً في الأرض، ونضع طبقات من خشب وقش ثم رمل، وبعدها نبدأ العمل من دون أن نستخدم المواد الكيميائية التي ترش بها المزروعات".
تختم: "تهدف المبادرة إلى إنشاء مساحات مشتركة واجتماعية حول الزراعة في المدن، والتي نسميها "حدائق أهلية" يهتم الزارعون والمتطوعون والجيران بها، وتشكل نموذجاً جديداً لإدارة المساحات العامة، والحفاظ على الطبيعة والزراعة في المدن".