"هيومان رايتس ووتش": إعدام 49 مصرياً في عشرة أيام

22 أكتوبر 2020
حثت "هيومن رايتس ووتش" السلطات المصرية على إيقاف تنفيذ أحكام الإعدام(مراد كايناك/الأناضول)
+ الخط -


قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش''، اليوم الخميس، إنّ السلطات المصرية أعدمت 15 رجلاً أدينوا بسبب تورطهم المزعوم في ثلاث قضايا عنف سياسي، بالإضافة إلى امرأتين و25 رجلاً في قضايا جنائية، جميعهم بين 3 و13 أكتوبر/تشرين الأول 2020. وحثّت السلطات المصرية على أن توقِف فوراً تنفيذ أحكام الإعدام، وأن تعيد محاكمة من حُكم عليهم بالإعدام في محاكمات جائرة للغاية.

كان 13 من الرجال الـ15 المتهمين بالعنف السياسي، محتجزين في "سجن العقرب" في القاهرة. جاء إعدامهم في أعقاب حادثة مريبة داخل عنبر الإعدام في سجن العقرب، في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، حيثُ قتلت قوات وزارة الداخلية أربعة سجناء، بعد أن قتل هؤلاء السجناء أربعة من عناصر الأمن. كما زعمت السلطات أنّ السجناء كانوا يحاولون الفرار.

وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "الإعدام الجماعي في مصر لعشرات الأشخاص في غضون أيام أمر شائن، الغياب المنهجي للمحاكمات العادلة في مصر، لا سيما في القضايا السياسية، يجعل كل حكم بالإعدام انتهاكاً للحق في الحياة".

وأضافت المنظمة: "لا تعلن الحكومة عادة عن عمليات الإعدام، كما لا تبلّغ أسرة السجين أحيانا كثيرة".

في 13 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت صحيفة "المصري اليوم" الموالية للحكومة، أسماء ثمانية سجناء أعدموا في سجن شديد الحراسة بمحافظة المنيا، جنوب القاهرة، بينهم امرأة.

في 6 أكتوبر/تشرين الأول، قالت صحيفة "الوطن" الموالية للحكومة إنّ السلطات في سجن الاستئناف بالقاهرة نفذت 11 إعداماً بحق محكومين، بينهم امرأة، أدينوا في قضايا جنائية.

أفادت "الوطن" في 3 أكتوبر/تشرين الأول، بأنّ السلطات أعدمت ثمانية سجناء، وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول أعدمت سبعة آخرين في الإسكندرية "في قضايا قتل واغتصاب".

 

وسبق أن نشر مركز الشهاب لحقوق الإنسان- المستقل- في 7 أكتوبر/تشرين الأول أسماء 15 شخصاً، قال إنّ السلطات أعدمتهم في 3 أكتوبر/تشرين الأول. أدين عشرة منهم في قضية جنوب الجيزة رقم 3455 لسنة 2014، المعروفة باسم "أجناد مصر"، وثلاثة في قضية شمال الجيزة 4804 لسنة 2013، المعروفة بقضية "كرداسة"، واثنان في قضية شرق الإسكندرية 6300 لسنة 2013، والمعروفة باسم "قضية مكتبة الإسكندرية".

تعود قضيتا كرداسة ومكتبة الإسكندرية إلى أحداث عنيفة تزامنت مع التفريق العنيف في 14 أغسطس/آب 2013 لاعتصام رابعة السلمي، احتجاجاً على عزل الجيش للرئيس محمد مرسي، حيث قتلت قوات الأمن أكثر من ألف متظاهر، على الأرجح، في ذلك اليوم.

تضمّنت قضية كرداسة احتجاجات عنيفة وهجوماً مسلحاً من قبل حشد على قسم شرطة كرداسة، إذ قُتل مأمور القسم و12 من ضباط وجنود وزارة الداخلية، كما تعرّضت جثة أحد الضباط للتشويه. أدانت محكمة إرهاب 183 من أصل 188 متهماً بالإعدام في محاكمة جماعية بالغة الجور. ألغت محكمة النقض، أعلى محكمة استئناف في مصر، الحكم في فبراير/شباط 2016، وأمرت بإعادة المحاكمة أمام محكمة إرهاب مختلفة، التي حكمت في يوليو/تموز 2017 على 20 بالإعدام، و80 بالسجن المؤبد، وبرّأت 21، وحكمت على الباقين بالسجن لمدد طويلة. أيدت محكمة النقض هذه الأحكام في سبتمبر/أيلول 2018. يقبع 17 من بين 20 محكوماً عليهم بالإعدام في السجن وقد يواجهون الإعدام في أي لحظة.

قالت تسع جماعات حقوقية مصرية رائدة، في بيان صدر عام 2018، إنّ السلطات تجاهلت الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك التواصل مع محامٍ وضرورة إثبات المسؤولية الجنائية الفردية.

في قضية مكتبة الإسكندرية، اتهمت السلطات 71 شخصاً في أعقاب احتجاجات عنيفة ومقتل 16 شخصاً بالقرب من المكتبة، بينهم ضابط وجنديان، في حوادث مختلفة.

في سبتمبر/أيلول 2015، حكمت محكمة جنايات الإسكندرية على ثلاثة متهمين بالإعدام، أحدهم غيابياً، والبقية بالسجن. أيّدت محكمة النقض أحكام الإعدام في يوليو/تموز 2017 وبرّأت أربعة متهمين.

راجعت هيومن رايتس ووتش 66 صفحة من ملف القضية، الذي يشتمل على لائحة الاتهام والأدلة، وهي بالأساس مزاعم مرسلة من قبل رجال الأمن دون أدلة مادية تذكر، بأن الاثنين اللذين أعدِما في القضية، ياسر شكر وياسر الأباصيري، كانا مسؤولين عن القتل.

في قضية أجناد مصر، اتهمت السلطات حوالي 45 متهماً بالتورط في هجمات مسلّحة شنتها جماعة "أجناد مصر"، وهي جماعة مسلحة متطرفة، أعلنت مسؤوليتها عن عدة هجمات في 2014 و2015. في ديسمبر/كانون الأول 2017، حكمت محكمة الإرهاب بالجيزة على 13 بالإعدام وآخرين بالسجن، وبرأت خمسة. في مايو/أيار 2019، أيدت محكمة النقض الأحكام. ولا يزال ثلاثة أشخاص من هذه القضية يواجهون الإعدام في أي لحظة.

وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، إنه "في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أصبحت مصر واحدة من الدول العشر الأولى من حيث الإعدامات وأحكام الإعدام.

يتعرّض المعتقلون على خلفية اتهامات مزعومة بالتورط في العنف السياسي، في كثير من الأحيان، لمجموعة من الانتهاكات، بما في ذلك الاختفاء القسري والتعذيب لانتزاع الاعترافات وعدم السماح لهم بمقابلة محامين.

بعد التدقيق في 28 قضية انتهت بأحكام بالإعدام منذ 2016، وجدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أنّ "السلطات أخفت قسراً 198 شخصاً، وقال 212 شخصاً إنّهم تعرّضوا للتعذيب. غالبية المحكوم عليهم بالإعدام أدينوا في محاكمات عسكرية أو محاكم إرهاب لا تفي بمعايير المحاكمة العادلة".

وأضافت المنظمة: "اعتادت السلطات على جمع العشرات، وأحياناً المئات، من المدعى عليهم في قضية واحدة دون مبرّر. المحاكمات الجماعية، التي أصبحت القاعدة بعد 2013 في القضايا السياسية، لا تتيح الوقت الكافي لعرض الدفاع أو إثبات المسؤولية الجنائية الفردية".

وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنّها تعارض عقوبة الإعدام في جميع الظروف.

في 2017، قالت هيومن رايتس ووتش، إنّ على الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ومسؤولين آخرين، إصدار وقف لعقوبة الإعدام في ضوء الارتفاع الحاد في عدد أحكام الإعدام وعدم إقرار قانون شامل للعدالة الانتقالية.

كان الأشخاص الـ13 الذين أُعدموا في قضيتي أجناد مصر وكرداسة، في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، محتجزين في سجن العقرب، حيث وقعت عمليات قتل مشبوهة.

وفي 23 سبتمبر/أيلول، أفادت وسائل إعلام موالية للحكومة، نقلاً عن مصادر أمنية لم تسمّها، بأنّ قوات وزارة الداخلية قتلت أربعة سجناء حُكِم عليهم بالإعدام، أثناء محاولتهم الهروب من سجن العقرب، والتي تسبّبت بمقتل ثلاثة ضباط وإصابة ضابط آخر، وجندي، توفي في اليوم التالي. زار مسؤولون بوزارتي الدفاع والداخلية، بمن فيهم وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، السجن بعد ساعات قليلة، لكن الحكومة لم تصدر أيّ بيان رسمي. ذكرت وسائل الإعلام أسماء السجناء الذين قُتلوا، ومن بينهم ثلاثة أيدت محكمة النقض أحكام الإعدام بحقهم في يوليو/تموز 2020.

شكّك محامون وسجناء سابقون وأهالي سجناء حاليّون، على وسائل التواصل الاجتماعي، في قصة "الهروب من السجن". وفرضت السلطات حظراً شاملاً على الزيارات إلى سجن العقرب، منذ مايو/أيار 2018، وحرمت السجناء من ساعات التريّض والرعاية الطبية. قال محام لـ "هيومن رايتس ووتش" إنّ عنبر الإعدام، حيث وقع الحادث، يضمّ نحو 25 سجيناً. قال المحامي، الذي تحدث إلى أقارب اثنين من السجناء، إنّ السجناء الأربعة "فاجأوا" الضباط الذين جاؤوا لتفتيش زنزانتهم بشكل روتيني، و"ذبحوهم" باستخدام أدوات حادة. قال المحامي إنّ السجناء لديهم القدرة على ارتجال الأشياء الحادة.

أضاف المحامي أنه عقب القتل، هتف السجناء الأربعة بصوت عالٍ، مضيفاً أنّ نزلاء الزنازين الأخرى سمعوهم ورأوا الدماء في الممر. بعد ذلك بوقت قصير، جاءت قوات الأمن وسُمع إطلاق نار. قال المحامي إنّ السجناء في الزنازين الأخرى يعتقدون أنّ أفراد التعزيزات الأمنية سيطروا بسرعة على الموقف وقتلوا السجناء الأربعة.

 

نشرت الجماعة الحقوقية المستقلة "نحن نسجل"، تقريراً مشابهاً، بناء على معلومات من خمسة شهود. قال ناشط من الجماعة لـ "هيومن رايتس ووتش"، إنّ شخصاً رأى جثث السجناء الأربعة، قال إنهم أصيبوا بطلقات عديدة في الرأس والصدر.

سجن العقرب، المعروف رسمياً بـ"سجن 992 شديد الحراسة"، مُؤمّن للغاية، وهو واحد من سبعة سجون داخل مجمع سجون طرة في القاهرة، واستخدمته السلطات لسجن العديد من كبار قادة الإخوان المسلمين، ومشتبه بانتمائهم إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" (المعروف أيضا بـ"داعش")، وسجناء سياسيين بارزين آخرين. حتى لو تمكن شخص من الخروج من أسوار العقرب العالية المدجّجة بكاميرات المراقبة، سيتعيّن عليه عبور عدة كيلومترات داخل مجمع طرة للوصول إلى البوابات الخارجية.

قال المحامي الذي كان على اتصال بالعائلات، وهم خارج مصر، لـ "هيومن رايتس ووتش"، إنّهم يخشون أن تكون إعدامات 3 أكتوبر/تشرين الأول انتقاماً لمقتل الضباط، وقد تكون قضت على شهود العيان.

وقالت "هيومن رايتس ووتش"، إنّ "مصر لديها نمط من عمليات قتل قضائية وأخرى مريبة خارج نطاق القضاء، في أعقاب الهجمات على قوات الأمن أو المدنيين في السنوات الأخيرة. تحدّث العديد من المسؤولين، بمن فيهم الرئيس السيسي، عن "الانتقام" بدلاً من تطبيق القانون لتبرير عمليات الإعدام".

وأشارت المنظمة إلى أنه عقب الحادث، نفذت "إدارة السجون" حملة تفتيش على السجون على مستوى الدولة، وهي ما يسميها السجناء "التجريدة"، حيث تقوم عناصر التفتيش بمصادرة معظم أمتعة السجناء، بما في ذلك البطانيات والملابس المشتراة، وأدوات النظافة الشخصية وأجهزة الراديو والفرش والمراتب. قال سجين وأهالي السجناء في ثلاثة سجون أخرى في مجمع طرة لـ "هيومن رايتس ووتش"، إنّهم شهدوا "حملات التفتيش" هذه منذ الحادث.

قال ستورك: "النمط الذي تتبعه السلطات المصرية بإعدام السجناء المحكومين بالإعدام في أعقاب الهجمات على قوات الأمن، يجعل وقف عمليات الإعدام أكثر إلحاحاً".