يتأكد سيناريو الثلاثية البيضاء لعشرات الآلاف من تلاميذ تونس، ممن لم يلتحقوا بعد بمقاعد الدراسة نتيجة تواصل أزمة المعلمين المتعاقدين الذين يرفضون الالتحاق بالمدارس وفق آلية التكليف بالتدريس التي اعتمدتها وزارة التربية هذا العام.
ومنذ 15 سبتمبر/ أيلول الماضي، يمتنع آلاف المدرسين في المرحلة الابتدائية من خريجي معاهد تكوين المعلمين أو المعلمين النواب عن العمل رفضا للعقود التي يصفونها بـ"الهشة"، وتقول نقابة التربية إنها لا تمت بأي صلة للنظام الأساسي للمهنة.
واقترحت وزارة التربية هذا العام على آلاف المدرسين النواب والملتحقين الجدد بالمهنة العمل بعقود تحت عنوان "مكلف بالتدريس"، وذلك دون التنصيص على إمكانية انتدابهم لاحقا، ما فجّر أزمة داخل القطاع تسببت في حرمان عشرات الآلاف من التلاميذ من حق الدراسة.
في المقابل، تواصل نقابة التعليم الأساسي رفض الصيغ المقترحة من قبل وزارة التربية، معتبرة أن التعاقد على خلاف الصيغ القانونية المنظمة في القانون الأساسي للمهنة "ينتهك حقوق المدرسين المادية والمهنية".
ولم تفض جلستا الحوار بين نقابة التعليم الأساسي ووزير التربية فتحي السلاوتي إلى أي نتائج وسط تصاعد الغضب داخل نقابات القطاع، التي تلوح بحجب أعداد الثلاثي الأول لبقية التلاميذ، واتخاذ خطوات تصعيدية أخرى في الأيام القادمة.
وقال عضو مكتب نقابة التعليم الأساسي إقبال العزابي إن "المفاوضات بين النقابة والوزارة تسير بنسق بطيء جدا، ولم تسفر عن أية نتائج"، مؤكدا في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "التبريرات التي تقدمها السلطة هي عدم قدرة المالية العمومية على تحمّل كلفة انتداب المدرسين".
وأضاف العزابي، في سياق متصل، أن "السلطات تدفع نحو مواجهة بين النقابات وأولياء التلاميذ بسبب تنصلها من مسؤولياتها من توفير حق التعليم لأبناء التونسيين"، مشيرا إلى أن "منظوري نقابة التعليم ملتزمون بتعويض كل ساعة تدريس للتلاميذ حتى إذا اقتضى الأمر عدم الحصول على عطلهم الأسبوعية والسنوية في صورة التوصل إلى حلول مجدية في ملف المعلمين".
وتقدر نقابة التعليم الأساسي عدد المعلمين الذين يعملون بصيغ "التعاقد الهش" بنحو 20 بالمائة من مجموع المدرسين البالغ 73 ألف مدرس.
في المقابل، يؤكد أحد أولياء التلاميذ في مدرسة نهج مرسيليا بالعاصمة تونس أن تلاميذ الفصل الثالث والخامس لم يدرسوا مادة الفرنسية منذ بداية السنة نتيجة عدم توفير إطار التدريس، معبرا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن حزنه الشديد إزاء وضع التدريس في بلاده.
وقال ولي الأمر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه إنه "يعمل نادلا في أحد المطاعم القريبة من مدرسة نهج مرسيليا"، مشيرا إلى أن دخله الشهري لا يسمح له بتسجيل ابنه في مدرسة خاصة، منتقدا "تواصل حرمان آلاف التلاميذ من حقهم في التعليم لأنهم فقط أبناء الفقراء".
وأضاف أن "إدارة المدرسة تحاول إيجاد حلول بإمكانياتها الخاصة عبر إعادة توزيع ساعات التدريس والاستغناء عن المواد التقنية والترفيهية، مقابل تخصيص ساعات درس أكثر من قبل الإطار المتوفر في المواد الأساسية، ومنها المواد الأدبية والعلمية" .
وتتباين الأرقام بشأن عدد التلاميذ الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بمدارسهم نتيجة أزمة المعلمين، حيث تقول نقابة التعليم الأساسي إنهم في حدود 400 ألف، بينما تقول وزارة التربية إن عددهم لا يتعدى 74 ألفا بعد أن كان 150 ألفا.
وتنطلق بداية ديسمبر/ كانون الأول المقبل اختبارات الثلث الأول من العام الدراسي الحالي، تليها عطلة الشتاء التي تدوم أسبوعين.