أبو عبيدة شخصية ملهمة في العراق

11 يناير 2024
أطفال العراق أكثر تعلقاً برموز المقاومة الفلسطينية (فريق فرج محمود/ الأناضول)
+ الخط -

يجسد أطفال في العراق وسط أزقة المدن لعبة جديدة تمثل مقاومة الفلسطينيين الاحتلال الإسرائيلي في غزة ويطلقون على أشدهم قوة اسم أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام في حركة حماس.

ويشكل ذلك نموذجاً لما تتركه غزة وبطولات مقاتلي المقاومة الفلسطينية في نفوس العراقيين وأطفالهم اليوم، في وقت يواجه هؤلاء المقاتلون بأسلحة بسيطة جيشاً إسرائيلياً مدججاً بأحدث وأقوى الأسلحة. كما يدل على تأثر الأطفال بالصور التي تُبَث حول المقاومة الفلسطينية، والتي غيّرت ألعابهم لتقليد المقاومة، إذ يتعمد فيها بعض الأطفال وضع قطعة قماش على الوجه لتصبح لثاماً يشبه لثام المقاومين في فلسطين.

في الغالب يجد الأطفال أن البنادق البلاستيكية التي اشتروها في الأعياد السابقة مناسبة لاستخدامها في تقليد المقاومين الفلسطينيين، ومحاكاة شخصية أبو عبيدة الذي يعرف بلقب "الملثّم".
تتخذ مجموعة تضم 6 أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و10 أعوام اسم "كتيبة أبو عبيدة"، ويمارسون لعبة قتالية في أزقة حيهم وسط بغداد. وكالعادة يكون الأكثر قوة وتأثيراً في المجموعة القائد الذي يجسّد هذه المرة شخصية أبو عبيدة، الذي ليس بالنسبة إلى هؤلاء الأطفال ناطقاً يذيع بيانات، بل قائدهم في معركة تبتكرها مخيلتهم.
يحمل الصغار أسلحة بلاستيكية وخشبية، ويغطون وجوههم بأقنعة، ويتوجهون، بتخطيط من قائدهم أبو عبيدة، لنصب كمين لقوات العدو الذي يبدو أنه تقدم نحو الكمين في مجموعة تضم دبابات، قبل أن تنقض عليهم كتيبة أبو عبيدة بالرصاص والقذائف وتهاجمهم بالسلاح الأبيض وتستولي على بعض الدبابات وتدمر أخرى.
هذا سيناريو لعبة "كتيبة أبو عبيدة" التي يجسّد فيها طفل يدعى حيدر كريم شخصية أبو عبيدة، التي تحضر في حياته العامة أيضاً، علماً أن الألقاب والصفات ترافق دائماً الأشخاص بدءاً من مرحلة المراهقة، وهذا جزء من البحث عن هويتهم بحسب ما يرى متخصصون، يؤكدون أن تأثير وسائل الإعلام والإرث التاريخي والشعبي كبير جداً على الأشخاص في هذه المرحلة من حياتهم. وهذا ما يفسّر انتشار لقب أبو عبيدة بين المراهقين والشباب في العراق.
وتمارس مجموعات عدة من الصغار في مختلف مناطق العراق لعبة "كتيبة أبو عبيدة"، بحسب ما يقول حيدر مشيراً إلى أنها "أكثر الألعاب التي نفضلها حالياً".
ويقول فتى يدعى منتصر عبد الرحمن (17 عاماً) لـ"العربي الجديد": "يعرّف بعض أصدقائي أنفسهم بإضافة لقب أبو عبيدة إلى أسمائهم، وهو يطلق على من يؤدي دوراً جيداً أو بطولياً، أو يتغلب على خصمه في اللعب".

يرغب أطفال في العراق في تبني قيم ومبادئ أبو عبيدة (مرتضى السوداني/ الأناضول)
يرغب أطفال العراق في تبني قيم ومبادئ "أبو عبيدة" (مرتضى السوداني/ الأناضول)

من جهته، يعلّق الباحث في علم النفس الدكتور سعد كاظم على الظاهرة بالقول، لـ"العربي الجديد"، إن "الأطفال والمراهقين وحتى الشباب يبحثون أحياناً عن هويات تميّزهم عن غيرهم، فيلتقطون مظاهر شخصيات يرون أنها ملهمة لهم، وتعبّر عن قيم ومبادئ يرغبون في تبنيها".
ويشير كاظم إلى أن "وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في تشكيل آراء المراهقين، ويمكن أن تؤثر الشخصيات التاريخية وأبطال الأفلام والكتب والأخبار في هذه الفئات. ويجد هؤلاء في حياة هذه الشخصيات التاريخية والأبطال قصصاً ملهمة وتحديات تشجعهم على تحقيق أهدافهم والتميز في مجالات مختلفة. ويمكن أن تعزز خيالهم وإبداعهم، وتجعلهم يشعرون بالانتماء إلى مجتمع معين ودينه وقوميته ووطنه، وهذا من بين إيجابيات انتشار لقب أبو عبيدة".
ولا ينحصر لقب أبو عبيدة في الشارع بين الشباب والمراهقين والأطفال، بل يُطلق على المواليد الجدد باعتباره مصدر قبول واحترام بين العراقيين. ويذكر محمد العبادي، المسؤول في دائرة الإحصاء الصحي والحياتي، لـ"العربي الجديد"، أن "اسم أبو عبيدة أطلق على عدد من المواليد في العراق، علماً أنه نادر بين العراقيين وغير شائع أو مشهور، ما يعني أن إطلاقه يأتي تيمناً بأبو عبيدة الفلسطيني".
وعموماً، يشكل حمل شخص اسماً أثر في التاريخ مصدر فخر له، ويعتقد كثيرون أنه يؤثر في سلوك حامله، وأحدهم عمر الجبوري الذي يلفت إلى أن حمله اسم عمر يفرض عليه دائماً أن يكون على قدر الأثر الذي تركه الصحابي عمر بن الخطاب، لذا يحاول بقدر الإمكان أن يكون محقاً ومنصفاً وعادلاً، ويسعى إلى الخير في عمله بالمحاماة وفي حياته.

ويخبر عمر أنه سيطلق اسم أبو عبيدة على مولوده الذي سيأتي إلى الدنيا بعد شهرين، و"هو ما يجب أن يفتخر به ابني ويعمل للحفاظ على قيمه مثل ما حاولت ان أجعل من اسم عمر مثالاً وقدوة، وأحافظ عليه في تعاملي مع الناس، وولدي سيفتخر باسم أبو عبيدة، وأنا سأعلمه كيف يعمل كي يكون شجاعاً، وعلى قدر مسؤولية حمل اسم أبو عبيدة".

المساهمون