أجهزة التدفئة "الحل القاتل" للجزائريين

17 ديسمبر 2021
أمان أكبر للجزائريين خارج البيوت في الشتاء (Getty)
+ الخط -

مع حلول فصل الشتاء وموسم البرد، تزداد حاجة العائلات في الجزائر إلى استخدام مواقد تدفئة تعمل بالغاز والفحم. لكن بعض التهاون وسوء الاستخدام يتسبب في مآسٍ تتوالى أخبارها وتقاريرها المحزنة من بلدات ومدن عدة. وقد تحدثت هذه الأخبار أخيراً عن وفاة ستة أشخاص من عائلة واحدة بسبب استنشاقهم غاز أوكسيد الكربون المتسرّب من مدفأة داخل شقة تواجدوا فيها في منطقة عين الترك بولاية وهران (غرب)، ونقل شخص سابع في حال حرجة إلى المستشفى بأمل إنقاذه.
وسبق هذا الحادث، وفاة ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة، بعد استنشاقهم غاز أوكسيد الكربون انبعث من مدفأة في شقة سكنية كانت مغلقة بالكامل في منطقة قسنطينة (شرق). 
وبلغ عدد المتوفين 95 في العام الحالي، ما دفع السلطات إلى إطلاق حملات لتوعية العائلات بضرورة أخذ كل إجراءات الحيطة والحذر خلال استخدام مادتي الغاز والفحم للتدفئة.
وبين ضحايا حوادث تسرّب الغاز خمسة من عائلة واحدة أيضاً، هم أب وأم وثلاثة أبناء، وسط مدينة قايس بولاية خنشلة (شرق). ويتواصل التحقيق في سببه واحتمال ارتباطه بالتهاون في تهوية الشقة أو ارتكاب أخطاء في توصيلات الغاز، أو عدم التنبه إلى انتهاء صلاحية الأنابيب، علماً أن بعض الحوادث قد ترتبط بعدم تطابق أجهزة تدفئة، خصوصاً تلك المستوردة من الخارج، مع معايير السلامة التي تعتمدها السلطات.

وإذا كانت بعض حوادث تسرّب الغاز تنتهي بإنقاذ عناصر الدفاع المدني الضحايا في اللحظة الأخيرة، كما حدث في ولاية أم البواقي (شرق) لستة من أفراد عائلة واحدة تعرضوا لاختناق بغاز أوكسيد الكربون كان ينبعث من مدفأة، وجرى إسعافهم ونقلهم إلى المستشفى، وأيضاً لخمسة أشخاص في حادث مماثل بالمنطقة نفسها، كانت محصلة حوادث كثيرة أخرى مأساوية. ففي ولاية سوق أهراس (أقصى شرق)، توفي شخصان استنشقا غاز أوكسيد الكربون الذي انبعث من موقد للنار، وآخران اختناقاً أيضاً بالمادة ذاتها في شقة ببلدة عسلة في ولاية النعامة (غرب). كما أعلنت السلطات وفاة رجل في الـ62 من العمر وامرأة تبلغ 41 عاماً اختناقاً بغاز أوكسيد الكربون المنبعث من مدفأة في شقة بمدينة قسنطينة.
ومع حلول كل موسم شتاء، تكثف مصالح الدفاع المدني حملات التوعية عبر محطات التلفزيون والإذاعات والصحف، وحتى الجولات الميدانية التي تتفاعل مباشرة مع المواطنين وتشدد على ضرورة أخذ الاحتياطات اللازمة والحذر من تسرّب الغاز، وتوصي بضرورة تفقد مدى سلامة وصلاحية الأنابيب المعدنية والبلاستكية لتوصيل الغاز وتوصيلات قنوات تصريف الغاز المحترق. كما تشدد الحملات على ضرورة ترك منافذ للتهوية تسمح بخروج الغاز في حال حدوث تسرّب، وأخذ الحيطة والحذر من أخطار ما يوصف بأنه "القاتل الصامت". 
وإلى هذه الأسباب، يعتقد بأن عاملاً آخر يدلي بدلوه في هذه الحوادث، ويتمثل في أنابيب توصيل الغاز ذاتها التي لا تنتبه العائلات لكونها ذات فترة صلاحية محددة، وأنه يفترض تغييرها في حال انتهائها، ما دفع أجهزة الدفاع المدني إلى إصدار توصية بضرورة قيام مهنيين اختصاصيين بصيانة دورية ودائمة لمختلف أجهزة التدفئة، والحذر من قدمها الذي قد يزيد مخاطر حصول تسرب غاز الكربون القاتل لدى استعمال هذه الأجهزة للتعامل مع انخفاض درجات الحرارة في فترة البرد القارس.

التدفئة في الجزائر (العربي الجديد)
حوادث تسرّب الغاز أودت بحياة 95 شخصاً منذ بداية العام (العربي الجديد)

ويشير الدفاع المدني، في تقرير عرض أرقاماً عن حوادث تسرب الغاز، إلى وفاة 95 شخصاً على الأقل منذ مطلع العام الجاري، ونجاح فرقه في إنقاذ أكثر من ألفي شخص تعرضوا للاختناق بسبب استنشاق الغاز المتسرّب. ويوضح أن بعض هذه الحوادث نتج عن استخدام أجهزة تدفئة لا تتطابق مع معايير السلامة، خصوصاً تلك المستوردة من الخارج وتحديداً من الصين، رغم إجراءات الرقابة التي تقوم بها السلطات.
ويعتقد رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك مصطفى زبدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن "الحوادث المتتالية تحتم تزايد درجة تنبه الجزائريين إلى المخاطر. وقد دعوت في مناسبات عدة المواطنين إلى تفحص أجهزة التدفئة جيداً قبل شرائها، ومحاولة اقتناء تلك المنتجة محلية لأنها أكثر أماناً وتطبق معايير السلامة المعمول بها، خصوصاً أن الشركات المنتجة لها تخضع لعمليات فحص دورية من السلطات وأجهزة الرقابة المختصة، وهو ما يحصل للأجهزة المستوردة من الخارج".
ويشير زبدي إلى أن "السلطات اتخذت هذا العام قرار إلزام بيع جهاز كاشف للتسرّبات مع كل جهاز تدفئة، لكن هذا الأمر لن يحل المشكلة لأنه يستهدف الأجهزة الجديدة مع إبقاء تلك القديمة بلا أجهزة كاشفة، كما أنه قد يدفع التجار إلى بيع أجهزة كاشفة غير مطابقة للمعايير، والتي قد لا تعمل في حال حدوث تسرّب للغاز".

وتحث المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، في نشراتها وحملاتها الإعلامية والجولات الميدانية التي تقوم بها، العائلات على اللجوء إلى مهندسين متخصصين في توصيلات الغاز وتركيب مختلف أجهزة التدفئة، وعدم التعامل مع أشخاص غير مؤهلين لهذه المهمات. وتلاحظ أن حوادث عدة حصلت بسبب قيام أشخاص غير متخصصين بالعمل في هذا المجال، ما أدى إلى ارتكاب أخطاء كبيرة حتمت حصول كوارث. وبسبب تزايد هذه الحوادث، باتت عائلات كثيرة تتخوف من تسرّب الغاز، وتلجأ إلى اقتناء أجهزة تعطي إشارات تنبيه في حال حصول أي تسرب لغاز أوكسيد الكربون في المنازل، بهدف تعزيز عوامل الأمان.

المساهمون