نجت مدينة أرزين الواقعة ضمن ولاية هاتاي جنوبي تركيا من سلسلة الزلازل التي ضربت المنطقة في 6 فبراير/ شباط الجاري، ولم يتهدم فيها أي منزل، واقتصرت أضرارها على انهيار منارات لجوامع قديمة، وحدوث تشققات وتصدعات في بعض المنازل، ما وجّه الأنظار إلى أساليب سلطات المدينة في التعامل بحزم مع موضوع منح رخص البناء، وتمتع الولاية بخصائص أخرى.
لا تبعد أرزين سوى مائة كيلومتر من مركز الزلازل في ولاية قهرمان مرعش، و110 كيلومترات تحديداً من مركز الزلزال الأول في مدينة بازارجك، لكنها نجحت في تجاوز الاختبار الصعب في وقت تدمرت نحو نصف مباني ولاية هاتاي. ولم يسقط أي قتيل في المدينة التي استمرت الحياة بشكل طبيعي فيها.
وبعدما شهدت المنطقة الزلزال بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختر في 6 فبراير/ شباط، ضرب زلزال آخر بقوة 6.4 درجات على مقياس ريختر ولاية هاتاي الإثنين الماضي، وتبعه آخر بقوة 5.8 درجات، لكن أرزين نأت بنفسها عن هذه الزلازل، في وقت تدمرت فيه إسكندرون القريبة، وكذلك في مدينة دورتيول القريبة.
وفيما تحدثت وزارة الإنشاءات والبيئة في تركيا سابقاً عن انهيار وتضرر أكثر من 263 ألف مبنى بالزلازل في 11 ولاية، أبهر صمود أرزين الجميع بالتزامن مع تحوّلها إلى مكان مهم لاستقبال المنكوبين القادمين من مناطق مجاورة. وأظهرت لقطات للمدينة سلامة مبانيها غير المرتفعة، ولفتت مصادر إعلامية إلى صرامة مسؤولي المدينة في تطبيق قوانين البناء وعدم السماح بوجود أبنية مخالفة فيها.
ورغم أن مدناً مثل يايلاداغي والريحانية ضمن ولاية هاتاي لم تتأثر بدورها بالزلازل في شكل كبير، ولم يسقط فيها ضحايا أيضاً ولم تتدمر فيها مبانٍ، لكن ما يميّز أرزين قربها من مركز الزلازل بمنطقة بازارجيك، علماً أن أكثر من 41 ألف شخص يسكنون في مبانيها التي لا يتجاوز عدد طوابقها 6، كما تضم منازل مستقلة تتألف من طوابق قليلة.
ويشير متخصصون إلى أن أرضية أرزين تتميّز بأنها مرتفعة أكثر من مدن مجاورة، وطبقاتها سميكة، ما يوفر لها حماية أكبر.
يقول رئيس البلدية أوكيش إيلماس: "من أسباب صمود المدينة تمتعها بخصائص بيولوجية مثالية، وضم مبانيها عددا قليلا من الطوابق، وتطبيق معايير حريصة جداً في البناء، علماً أنها تضم أيضاً منازل مستقلة، وأكبر بناء فيها لا يضم أكثر من 6 طوابق".
يضيف: "لم تسمح البلدية بتنفيذ أعمال بناء بشكل غير نظامي، وهو ما يطلبه الناس دائماً، وأجبرتهم على استخراج رخص من الدوائر المعنية في شكل نظامي، وتنفيذ التعليمات المطلوبة، وجرت ملاحقة من شيّدوا مباني في شكل غير نظامي، وجرت ملاحقتهم قضائياً، ولم يسمح لهم باستكمال الأعمال".
لكنه يستدرك أيضاً بأن "العمل النظامي لا يساهم وحده في تحقيق هذه النتيجة لأن حسابات البناء ودراسة الحالة الجيولوجية والرقابة ليست من مسؤوليات البلديات فقط، وترتبط أيضاً بالرأي العام الذي من الضروري أن يستوعب هذه الحقائق، علماً أن مواطنين كثيرين يجنحون إلى البناء بشكل غير نظامي علّهم يستفيدون لاحقاً من إعفاءات سكنية تطبق في أنحاء تركيا".
وتعتقد أوساط متابعة بأن سبب انهيار عدد كبير من المباني يعود إلى تشييدها قبل إصدار أنظمة البناء الجديدة بعد زلزال مرمرة عام 1999، فيما ترى أوساط أخرى أن إعفاءات الإعمار التي منحتها الحكومة لأغراض سياسية وانتخابية فاقمت حجم الكارثة.
ويقول أمير فورال الذي يسكن في مدينة أرزين ويعمل في الإنشاءات لـ"العربي الجديد": "عملت مع عدد كبير من المقاولين في المدينة، ولاحظت أنهم ينفذون مشاريعهم كأنهم ينجزون منازل لهم، وهم جميعهم من أبناء المدينة".
يضيف: "يلتزم المقاولون بالتعليمات، وتخضع أعمالهم لرقابة شديدة، لذا استمرت الحياة في شكل طبيعي في المدينة بعد الزلزال الأول المدمر الذي لم يصبها بأضرار. وحالياً تعمل المحلات التجارية والحركة مستمرة، ولم تنهر سوى منارات قديمة لجامع مشيّد منذ 90 عاماً".
ونتيجة حجم الانهيار الكبير في ولاية عثمانية ومدينتي أنطاكيا وإسكندرون، استقبلت أرزين عدداً كبيراً من المنكوبين النازحين. ويقول مصطفى تكينلي لـ"العربي الجديد"، وهو من تجار المدينة، "من المعروف أن شركات الإنشاء والبلدية تعمل في شكل جيد وحساس في مسألة مباني الولاية التي لا تشيّد لتحقيق أرباح، بل تعتبر منشآت ذات حسابات دقيقة تراعي الحالة الجيولوجية للمنطقة، إذ يتم التأسيس والبناء بحسب الأرضيات والتربة. وإذا احتاجت عمليات البناء إلى مزيد من الأعمال فهي تنفذ بلا أي تردد، وواضح بالتالي أن الإخلاص في العمل مبدأ يطبقه الجميع".
يضيف: "لم تنهر المباني القديمة والحديثة لأنها ذات طوابق قليلة لا تحمل قواعدها أوزاناً كبيرة، والأساليب الهندسية والمواد المستخدمة تراعي التعليمات، وتوفر الحماية المطلوبة للمواطنين من الحالات غير الآمنة مثل الزلازل، كما أن عدد المتعهدين قليل في المدينة ومعظمهم يعرفون بعضهم بعضاً، وهم يبيعون المنازل إلى أقارب ومعارف لذا لا سبيل للغش".