في وقت يرتقب إصدار السلطات الليبية الإحصاء الخاص بعدد قتلى وجرحى حوادث طرقات العام الماضي، لا يمر يومان من دون أن تتداول وسائل الإعلام أنباء عن مقتل أو جرح أشخاص في هذه الحوادث، والتي يعزوها حالياً المسؤول السابق في إدارة شؤون المرور والتراخيص في وزارة الداخلية، عبد القادر مصطفى، إلى الأمطار الغزيرة التي هطلت هذا الشتاء، وأثرت على نوعية الإسفلت في الطرقات، ما زاد الانزلاقات التي تتفاعل مع تكلس كميات سوائل الزيوت والوقود المتسرّبة من السيارات.
وكانت وزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية كشفت في يناير (كانون الثاني) 2021، أن حوادث عام 2020 أسفرت عن 1761 قتيلاً و4131 جريحاً، وألحقت أضراراً بـ6.641 آلية. وقدّرت حينها الخسائر المالية بـ280 مليون دينار ليبي (60 مليون دولار).
وتشهد العاصمة طرابلس، الأكثر اكتظاظاً بالسكان، أكبر نسبة من حوادث المرور التي أدت إلى مقتل 7 أشخاص وجرح 6 آخرين خلال 6 أيام فقط في أغسطس/ آب الماضي. لكن عددها زاد خلال الشهرين الماضيين، ففي الأسبوع الأخير من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، خرجت سيارة عن مسارها واصطدمت بثلاث سيارات أخرى، من دون أن يسفر الحادث عن إصابات بشرية.
وأوضحت مديرية أمن طرابلس أن الحادث نتج من قيادة السائق السيارة بسرعة جنونية. لكن مصطفى يقول لـ"العربي الجديد" إن "احتياطات الأمان في السيارة تمنع الانزلاق الكبير الذي شهده هذا الحادث مهما بلغت سرعة القيادة، ما يرجح حصوله بسبب تراكم ترسبات الزيوت وسوائل المحروقات على إسفلت الطريق الذي تحوّل مع سقوط الأمطار إلى مادة لزجة هددت حياة السائق الذي قاد سيارته بسرعة عالية".
واللافت أن ليبيا تصدرت عام 2016 القائمة الدولية التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية لمعدلات قتلى حوادث المرور بنسبة 73.4 حالة لكل 100 ألف نسمة. لكن مصطفى يؤكد تراجع هذه النسب حالياً، لكنه يحذر من عودة الأرقام المفزعة إذا بقيت أسباب الموت على الطرقات، وفي مقدمها تهالك الطرقات، وعدم تقيّد السائقين باللوائح والتعليمات الرسمية للمرور، إلى جانب سوء إطارات السيارات المستوردة خلال السنوات الأخيرة.
ويعلّق: "إذا أضيفت المخاطر الناتجة من هذه الأسباب إلى تزايد كميات سوائل المحروقات المتسرّبة على إسفلت الطرقات وهطول أي كمية من الأمطار، تتحول الطرقات فعلياً الى ساحات موت محتم".
وفي نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تناقلت وسائل إعلام صور وأخبار مقتل خمسة من أفراد أسرة واحدة في مدينة الكفرة (أقصى جنوب شرق)، وأيضاً أخبار مقتل أفراد أسرة كاملة على طريق في منطقة الظهر الأحمر التي تقع قرب مناطق الهلال النفطي (وسط).
ويتحدث نجمي كيشار الذي يسكن في حي الفرناج بطرابلس، عن تزايد تغطية وسائل الإعلام أخبار حوادث المرور في الفترة الأخيرة. ويبدي في حديثه لـ"العربي الجديد" استياءه الشديد من تجاهل السلطات المخاطر المحدقة بالمواطنين والاكتفاء بنشر الإحصاءات، ويقول: "تتحمل وزارة الداخلية مسؤولية وضع حلول لما يحصل، وليس نقل الوقائع فقط وتوفير إحصاءات لها، وأقترح منع سيارات النقل الثقيل من المرور داخل الأحياء وعلى الطرقات السريعة عبر تخصيص مسارات خاصة لها من أجل تقليل كميات المحروقات التي تتسرّب على إسفلت الطرقات".
ويؤكد كيشار أنه يتحاشى الخروج في أول أيام هطول أمطار فصل الشتاء، ويقول: "أسلك مسارات بعيدة عن الأماكن التي تتطلب سرعة عالية". ويطالب بضرورة معالجة أسباب الموت التي تهدد أيضاً حياة المسافرين عبر الطرقات الطويلة، ملمحاً إلى أنه على طول الطريق الذي يربط بين شمال طرابلس ومدينة سبها في الجنوب، يسير سائقو السيارات في طرق ترابية.
من جهته، يشدد الأكاديمي والباحث رضا الأخضر الذي شارك في المؤتمر الوطني الأول للسلامة المرورية الذي نظمته وزارة الداخلية مطلع 2021، على ضرورة وضع سياسات وتدابير مدروسة لتلافي ما يصفه بـ"خطر الإسفلت".
ويقول لـ"العربي الجديد": "تحتاج بعض الخطط المقررة لفتح مسارات جديدة إلى دراسة أعمق وأطول، أما التدابير العاجلة فتشمل وضع آليات لتنظيف الطرقات من رواسب سوائل الزيوت والوقود، خصوصاً تلك السريعة والطويلة".
ويشير إلى أن الطرقات تشهد ظواهر سير غير عادية، بينها نصب حواجز أمنية تنبه المارة لفترة قصيرة لا تتجاوز اليومين إلى حادث انقلاب شاحنة لنقل الوقود، ثم ترك السائقين لحظهم بعدها لدى عبورهم المكان ذاته، وكذلك وضع المواطنين مطبات إسمنتية داخل أحيائهم لتدارك سلبيات تقصير الحكومة في نصب إشارات مرور تلزم السائق بالمسارات، وتنبههم إلى خطر وجود سوائل متسربة، أو تشققات في بعض أجزائها. وقد أصبحت إشارات المرور غائبة تماماً عن الطرقات".