ليست أزمة النظافة في مدينة دير الزور حديثة العهد أو ناجمة عن نقمة النظام السوري إثر انتفاض أهلها ضده عام 2011، فهي تعود إلى عقود في مدينة محرومة ومهمّشة يعيش سكانها واقعاً سيئاً في ما يخص خدمات التخلص من القمامة والصرف الصحي. وزاد هذا الواقع سوءاً خلال سنوات سيطرة تنظيم "داعش" على جزء منها، وبعدها قوات النظام السوري الذي انتهجت حكومته سياسة معاقبة السكان.
عام 2017 سيطرت قوات النظام على كامل أحياء المدينة بعد مواجهات مع عناصر تنظيم "داعش" خلّفت دماراً واسعاً بسبب عمليات القصف. وكان التنظيم يسيطر منذ عام 2014 على أجزاء واسعة من محافظة دير الزور إلى جانب المدينة، مركز المحافظة. وشهدت المحافظة في هذه الفترة أزمة جوع وشحّ في المياه.
يتذكر الصحافي ابن مدينة دير الزور، صهيب الجابر، واقع المدينة منذ عام 2006، ويقول لـ "العربي الجديد": "الأزمة لم تنتج من الثورة التي فاقمتها في الواقع في شكل أكبر. في عام 2006 اقترح أحد المستثمرين الوافدين إلى المدينة على حكومة النظام العمل على تنفيذ آلية معينة لمعالجة القمامة، عبر جمعها وإعادة تدويرها. وحصل المشروع على موافقة وقبول حينها، والضوء الأخضر لإطلاقه، لكن ما لبث أن توقف بعد فترة من بدء العمل به، بسبب مطالبة الحكومة بجزء من أرباح عملية إعادة التدوير، ثم أسقطه المستثمر من حساباته، وأنهى العمل في مكبّ للنفايات جرى تجهيزه".
وتابع: "قبل عام 2006، لم تتوافر الخدمات الأساسية في المدينة، وظلت مفقودة لعقود، وكان هناك طرق مختلفة للتعامل مع الأمر الواقع، باعتبار أن البنى التحتية رديئة جداً في عموم المدينة، ولا وجود لشبكة صرف صحي بعكس محافظات أخرى تحظى بدعم نظام الأسد مثل مدن الساحل. وبالنسبة إلى النفايات دأبت البلدية قبل عام 2011 على نقلها إلى أحراش في محيط المدينة من أجل حرقها، كما اعتمدت إجراء رميها في أماكن البادية البعيدة".
ويُشير الجابر إلى أنه "في عام 2012، شُلّت الحياة في المدينة مع بدء عمليات القصف الجوي والمدفعي التي نفذها النظام السوري عام 2012. وتوقف كل شيء عن العمل في المدينة، وبات الأهالي يحرقون القمامة داخلها، وتكدّست كميات كبيرة منها في شارع التكايا بحي الشيخ ياسين، وأمام الحديقة المركزية. ولم يتغير الحال بعد استعادة نظام الأسد بدعم من روسيا المدينة، وبدأت الأمراض تنتشر في بعض المناطق ومنها اللشمانيا لدى الأطفال، عبر موجة أولى عام 2013. وأعقب ذلك سيطرة داعش على أحياء العرضي والشيخ ياسين والحميدية والعرفي والحويقة الشرقية وأجزاء من الحويقة الغربية والرشدية والجبيلة والموظفين والصناعة والمطار القديم والرصافة والعمال، فواجه سكان هذه الأحياء أزمة على صعيد القمامة والصرف الصحي. ثم لم تختلف الأمور كثيراً على صعيد توفير هذه الخدمات بعد سيطرة قوات النظام على المدينة بالكامل عام 2017".
ويرى الستيني أبو خالد، من سكان المدينة، في حديثه لـ "العربي الجديد" أن التعامل مع موضوع جمع القمامة من أحياء دير الزور ونقلها إلى أماكن محددة، لم يختلف كثيراً منذ عودة نفوذ قوات النظام إليها، والروائح الكريهة والنفايات المكدّسة فوق بعضها البعض على أطراف الشوارع وفي مناطق مهجورة ضمن المدينة، أمر مألوف للأسف لدى السكان".
يُضيف: "بالطبع اعتاد الأهالي وضع القمامة في الشوارع باعتبار أن البلديات والجهات المسؤولة ستنقلها إلى خارج المدينة. لكن بعد سنوات من الإهمال والتجاهل، أدركوا أن نقل القمامة عملية مزاجية قد تحدث مرة كل شهرين، علماً أن هناك مواقع مهجورة تشكل بؤراً لرمي القمامة. والمعاناة الأكبر في هذا الإطار تشهدها أحياء القصور والجبيلة والحميدية".
ويلفت إلى أن جهات تابعة للنظام السوري في المدينة تعاونت مع منظمات دولية منها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة "أدرا" الأميركية، والمنظمة الفنلندية للتنمية. لكن كل الجهود المبذولة لترحيل القمامة والأنقاض من المدينة، وصيانة بنى الصرف الصحي لا تزال محدودة، وتنحصر في أجزاء صغيرة من المدينة".
ويوضح عدد من الأهالي في المدينة أن تأخير عملية الإزالة يمثل المشكلة الأكبر في موضوع القمامة. أحياناً قد يستغرق ذلك مدة شهر، ومع ارتفاع درجات الحرارة تنبعث روائح كريهة جداً لا يمكن تحملها من القمامة التي تتحلل بفعل العوامل الطبيعية، في حين تظل إجراءات إزالتها من الشوارع كيفية وغير مقيدة بمواعيد من البلدية. وهكذا يتسبب تكدس القمامة في الشوارع وقرب المنازل مشاكل، خصوصاً أن المناطق شعبية والمنازل متقاربة من بعضها البعض، وتنتشر الحشرات بأعداد كبيرة فوق أكوام القمامة، كما تتجمع الكلاب والقطط والجرذان حولها، وتنبش فيها. أما الأزمة الثانية التي يعاني الأهالي منها في شكل كبير فهي افتقاد الصرف الصحي الذي يجعل الشوارع تفيض بالمياه في فصل الشتاء، وتتحوّل إلى برك.
يذكر أن مدينة دير الزور تضم 28 حياً، تعرض معظمها للقصف والتدمير بين عامي 2011 و2017. ولا تزال أنقاض المباني على حالها في معظم الأحياء، خصوصاً تلك التي سبق أن سيطر عليها "داعش"، وبينها حي الحميدية والتكايا والعمال والموظفين، إضافة إلى حي الجبيلة الذي يعاني سكانه من انتشار القمامة في شكل كبيرة نتيجة الإهمال.