استمع إلى الملخص
- **ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية**: ممنوعون من الخروج إلا مرة أسبوعياً للاستحمام لمدة دقيقة، ويعيشون مقيّدين في غرف تفتقر إلى الخصوصية، وينامون على أسرّة حديدية بدون فرش أو أغطية.
- **دعوات لإنقاذ الأسرى ومحاسبة الاحتلال**: قدورة فارس وصف ما يحدث بأنه جرائم حرب، ودعا الفلسطينيين والمؤسسات للاحتجاج والمطالبة بإنقاذ الأسرى.
يعاني الأسرى الفلسطينيون، الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال من قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من انتهاكات كثيرة تزيد حدّتها عن تلك التي يرتكبها الاحتلال بحقّ الأسرى الذين يقبعون في سجونه عموماً. وقد نقل محامي هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية خالد محاجنة شهادات مفزعة عمّا يتعرّض له أسرى غزة في المعتقلات الإسرائيلية، بعد تمكّنه من زيارة مراسل "التلفزيون العربي" محمد عرب وزميله في الأسر طارق عابد، في سجن عوفر غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، أمس الأحد. وتُعَدّ هذه الزيارة الثانية للأسير محمد عرب، بعدما كان محاجنة قد زاره في سجن سيديه تيمان في شهر يونيو/ حزيران الماضي قبل نقله إلى سجن عوفر.
ولعلّ أفظع ما نقله محاجنة، في خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته هيئة شؤون الأسرى والمحررين اليوم في مقرّها بمدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، ما رواه عرب عن حالات اغتصاب، وأبرزها من خلال استخدام خرطوم إطفائية حريق. وقد أبقى محاجنة هوية هذا الأسير مجهولة، مشيراً إلى أنّه لن يذكر اسمه حفاظاً على مشاعر عائلته وحفاظاً على خصوصيته. وأوضح المحامي أنّ الأسير الضحية في حالة نفسية صعبة بسجن عوفر، مؤكداً أنّه منهار صحياً على الصعيدَين النفسي والجسدي، وفي حاجة إلى إنقاذ حياته. وقد حمّل عرب محاميه هذه الرسالة، فنقلها بدوره اليوم.
وتابع محاجنة أنّ الأسير محمد عرب، الذي اعتقل في 18 مارس/ آذار 2024 من مجمّع الشفاء الطبي في مدينة غزة شمالي القطاع، أدلى بشهادته حول الفظائع، خصوصاً في سجن سيديه تيمان، على الرغم من تعرّضه للتهديد بعد الزيارة الأولى. فقد قام محققون مقنّعون باستجوابه عن زيارة المحامي السابقة له وتهديده، لكنّه تحدّث مرّة أخرى مع مزيد من التفاصيل، ليصفه المحامي بـ"الشجاع". وبحسب ما أفاد الحامي، فقد كان عرب شاهداً على استشهاد أسير، قضى أمام عينيه بسبب التعذيب وحرمانه من العلاج. حالته الصحية كانت تستوجب علاجاً طبياً، وهو توسّل للحصول عليه من دون جدوى. وبدلاً من العلاج، اعتدي عليه وهو مقيّد اليدَين والرجلَين، ليستشهد في وقت لاحق.
وأشار محاجنة إلى أنّ أسرى غزة يتعرّضون لاعتداءات أخرى، من قبيل تعليق الأسرى على الجدران وإفلات الكلاب البوليسية عليهم وهم مقيّدون، والاعتداء عليهم بالهراوات على مدى ساعات متواصلة، والتنكيل بواسطة صواعق كهربائية. وبعدما كان محاجنة قد توقّع أن تكون الأوضاع في سجن عوفر أخفّ وطأة من سجن سيديه تيمان، أتت شهادة محمد عرب لتبيّن وجود قسمَين يطلق عليهم سجّانون يتحدثون باللغة العربية "الجحيم" و"جهنم"، وتُسمَع صرخات الأسرى منهما بصورة دائمة، وهما محاذيان لغرف السجناء الأخرى.
وعن أحوال أسرى غزة عموماً، أوضح محاجنة أنّ هؤلاء ممنوعون من الخروج من غرفهم، باستثناء مرّة واحدة أسبوعياً للاستحمام، وذلك لمدّة لا تزيد عن دقيقة واحدة، مع العلم أنّ ثمّة أسرى يرفضون الاستحمام خشية التعرّض للتنكيل في حال تخطّوا الدقيقة الواحدة. أضاف أنّ في داخل غرف الاحتجاز، يبقى أسرى غزة مقيّدين طوال الوقت، فيتناولون الطعام ويقضون حاجتهم فيما هم مقيّدون، علماً أنّ الحمّامات تقع في غرف الاحتجاز نفسها، وهي مكشوفة من دون أبواب ولا سواتر، فيما الكاميرات مسلطة عليها. وأكمل محاجنة أنّ الأقسام المخصّصة لأسرى غزة في سجن عوفر تضمّ أسرّة بخلاف الحال في سجن سيديه تيمان، لكنّها من دون فرش ولا أغطية، فينام الأسرى على الحديد، مع الإشارة إلى أنّها لا تكفي الجميع، ففي الغرفة الواحدة نحو 25 أسيراً في مقابل 15 سريراً.
في الإطار نفسه، ذكر الأسير محمد عرب أنّ ثمّة قسماً يُطلق عليه "العيادة" يقع إلى جانب غرف الاحتجاز، شارحاً أنّ هذا القسم يضمّ أكثر من مئة أسير، يصرخون بسبب الويلات والتعذيب، ومنهم مَن بُترت يده أو رجله أو الجرحى. ولم يخفِ محاجنة أنّه شعر بالعجز، حين سأله عرب عمّا في إمكانه فعله له بصفته محامياً، خصوصاً أنّ اعتقاله بلا سقف معروف. وحمّل عرب محاميه رسالة إلى العالم تطالب بإنقاذ الأسرى، لافتاً إلى أنّه يشعر بانعكاس كلّ مستجدّ في قطاع غزة يستهدف جيش الاحتلال على السجون من خلال الانتقام من الأسرى.
بدوره، اعتُقل طارق عابد، الذي زاره محاجنة كذلك، منذ 160 يوماً، وقُدّم إلى المحاكمة في هذه المدّة الطويلة مرّة واحدة فقط، بما يخالف القوانين الإسرائيلية. وهم متّهم بالانتماء إلى تنظيم فلسطيني من دون تفاصيل أو دلائل على ذلك، في حين أنّه يجهل أين هو، وقد سأل المحامي عن ذلك المكان بعدما كان يظنّ أنّه في معتقل قريب من قطاع غزة وليس في غرب رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة.
ويضع الاحتلال الإسرائيلي عراقيل على زيارات الأسرى الفلسطينيين، خصوصاً أسرى غزة. وقال محاجنة إنّ على مدى أشهر، خاض المحامون معارك للحصول على إذن بالزيارة، قائلاً إنّ ثمّة تفاصيل يخجل أن ينقلها بصفته محامياً، ولا سيّما في ما يتعلّق باغتصاب الأسرى والتنكيل بهم. وذكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين قدورة فارس أنّ محاجنة حصل على إذن بزيارة أربعة أسرى، لكنّه لم يتمكّن إلا من زيارة اثنَين منهم، بحجّة نقل الآخرَين إلى سجن آخر، غير أنّه لم يستبعد كذب الاحتلال حول ذلك.
وقال فارس إنّ تمكّن المؤسسات المسجلة في إسرائيل والمؤسسات الفلسطينية من زيارة ثلاثة أسرى أو أربعة فقط من فلسطينيي قطاع غزة، في خلال تسعة أشهر(من الحرب المتواصلة)، لا يسقط عن إسرائيل مسؤوليتها عن سياسة الإخفاء القسري بحقّ هؤلاء الأسرى. وعن التنكيل بأسرى غزة وتعذيبهم، شدّد فارس على أنّ كلّ مؤسسات الاحتلال، من الحكومة إلى الكنيست والجيش والشاباك والشرطة وحتى ما يسمّى الجهاز القضائي، متورّطة في ذلك. أضاف أنّ أيّ تحقيق يُعلَن عنه من هنا أو هناك ليس سوى محاولة للتضليل والتعمية عن الجرائم.
ووصف رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين ما رواه محاجنة بأنّه أفظع من أيّ مبالغة بشأن أحوال الأسرى، مشيراً إلى أنّ العالم يقف في منطقة المواقف المتذبذبة، التي لن ترتقي إلى مستوى فرض عقوبات على إسرائيل. ووجّه فارس نداءً إلى الفلسطينيين، من كلّ المستويات الشعبية والفصائلية وكلّ الطبقات، بالتخلّي عن الصمت إزاء تلك الجريمة، متوقعاً أن يسقط عدد من الأسرى يومياً في حال استمرّ الوضع على ما هو عليه. وسأل عن المدّة التي يستطيع فيها جسد الأسير أن يصمد في ظلّ ما يتعرّض له من تعذيب وتنكيل وضغط نفسي وعصبي وتجويع، لافتاً إلى أنّ السقوط لن يكون أرضاً إنّما بالشهادة.
وعن أعداد الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة، قال فارس إنّ جريمة الإخفاء القسري لا تمكّن الهيئة من التعرّف إلى أعداد الأسرى الحقيقية، لكن وفقاً لمعلومات تقاطعت لديها فإنّها تقدّر وتستنتج احتجاز نحو 2500 أسير وأسيرة من غزة في سجون سيديه تيمان وعنتوت وعوفر وكتسعيوت (النقب)، فيما رجّح أن يكون آخرون محتجزين في معتقلات مؤقتة في غلاف قطاع غزة، من دون أن يتجاوز العدد الكلي ثلاثة آلاف. وهذا عدد الأشخاص الذين ما زالوا معتقلين، وليس كلّ من تعرّض للاعتقال من قطاع غزة، وذلك منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ورأى فارس أنّ الخطورة لا تكمن في عدد الأسرى، إنّما في سلسلة الجرائم التي تُرتكَب بحقّهم، وتُمارَس بطريقة ممنهجة ومقصودة وتتورّط فيها كلّ مؤسسات الاحتلال. أضاف أنّها جرائم حرب، وبمجموعها تصير وفقاً للقانون الدولي جريمة ضدّ الإنسانية. وقد أشار فارس إلى أنّ المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى سوف تعلن عن سلسلة فعاليات في الأيام المقبلة، مطالباً الفلسطينيين بالمشاركة فيها للتعبير عن غضبهم. كذلك دعا كلّ المؤسسات الشعبية والرسمية والحزبية والنقابية والحكم المحلي إلى المشاركة فيها.