أظهرت الغالبية العظمى من الشعب الدنماركي، بواقع 74 في المائة، تفضيلهم المزيد من توليد الطاقة عبر "التوربينات الهوائية". وشارك نحو 4 آلاف مواطن في دراسة أنجزت من قبل جامعة "أولبورغ" (شمال)، للتفاعل مع أسئلة عن مواقف الشعب (نحو 5.5 ملايين نسمة) من زيادة الاعتماد على التحول الأخضر حفاظاً على استقرار المناخ، وفقاً للدراسة التي نشرتها، اليوم الأربعاء، الجامعة والتلفزيون الدنماركيان.
ويعتبر "الاتفاق تماماً" مع التوسع في الطاقة المتجددة تغيراً ملحوظاً في وعي الدنماركيين بأهمية مشاريع أخرى لا تعتمد على الوقود الأحفوري، لما يُعتقد أنه يتسبب بالتغيرات المناخية ونشوء ظاهرة الاحترار العالمي. بل إن المستجيبين يبدون استعدادا، على غير العادة، لقبول نصب التوربينات العملاقة ولو بالقرب من منازلهم، بعد احتجاجات سابقة عرقلت عدة مشاريع توربينات الرياح التي تشتهر بها الدنمارك، من خلال شركة "فيستاس"، التي تصدر إنتاجها إلى أميركا وأنحاء أوروبا.
واعتبر أستاذ تخطيط الطاقة في جامعة أولبورغ، براين فاد ماتيسين، أن النسبة "ليست مفاجئة". وشدد على أن المشكلة السابقة كانت تتعلق بالطريقة التي تناولت بها وسائل الإعلام والسياسيون "بمعرفة ضئيلة المواقف الحقيقية للشارع من التحول الأخضر عبر التوربينات، حيث جرى تسليط الضوء على القصص السلبية".
وكان استطلاع في عام 2017 أفاد أن 58 في المائة من الدنماركيين وافقوا أو وافقوا تماماً على مسألة ما إذا كان ينبغي تركيب توربينات رياح جديدة في بلديتهم. ومع تزايد فعلي في الاعتماد على الرياح لتوليد الطاقة الكهربائية، وخطط مستقبلية بأن تصبح حاجة البلاد متولدة منها بنسبة 50 في المائة، ازداد الوعي الشعبي بأهمية الطاقة المتجددة. ويعتبر خبراء الطاقة في الدنمارك أن الحرب في أوكرانيا، وأزمة الطاقة بعد توقف الغاز الروسي، ساهمتا بصورة كبيرة في تغير الاتجاه الشعبي. بالإضافة إلى ما يستشعره الناس في حياتهم اليومية من الآثار المدمرة للتغيرات المناخية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وزيادة ظواهر الجفاف في البلد، وتضرر قطاعات الزراعة، بما يساهم في رفع الأسعار، عوامل أخرى إضافية ترفع نسبة مؤيدي تركيب المزيد من توربينات الرياح.
ويبدو أن دافعي الضرائب الدنماركيين يجدون في الطاقة المتجددة أفضل من الحلول الأخرى المرتبطة بكبح ظاهرة التغيرات المناخية. وبين تلك مقترحات تجعل المجتمع نباتيا أكثر، بفرض ضريبة مثيرة للجدل على لحوم الأبقار.
وعقّب الباحث في علم الاجتماع البيئي بجامعة آرهوس (وسط غرب) لارس بيترسن على هذا الجدل باعتبار أن الناس الذين يعيشون في المدن لا يزعجهم رؤية التوربينات المنتشرة بعيدا عن مساكنهم "فهم يؤيدونها أكثر من اضطرارهم إلى إنفاق المزيد من المال على اللحم والصلصة".
المشكلة التي كانت تواجه مخططات تركيب التوريبنات تمثلت في معارضة المزارع وأصحاب الأراضي البعيدة عن المدن الكبيرة، إذ تنتشر أكثر التوربينات أيضا في القرب من الجسور والشواطئ وداخل مياه البحر، وفي بعض أنحاء الأرياف الدنماركية على بحر الشمال.
وكانت المعارضة الشعبية لتشييد التوربينات في مناطق سكنية "أكبر عقبة أمام التحول الأخضر"، كما كان يقدمها السياسيون، وينتقدهم خبراء في جامعتي أولبورغ وآرهوس، إلى جانب انتقاد لصحافة يمين الوسط، بسبب تسليط الضوء على "الأخبار السلبية للمعارضة الشعبية". ويعتقد هؤلاء الذين شاركوا في المسح الأخير أن النتائج توضح أن معارضة تركيب توربينات هوائية في مياه البحر "ليست كما كانت تسوق إعلاميا من قبل البيئيين على اعتبارها تضر بالحياة البحرية". ورأى الأستاذ المساعد في جامعة أولبورغ كريستيان بوك أن ما يجري "صناعة خصوم، إذ لا يكفي أن يكون هناك ثلاثة أشخاص مستائين لوقف مشروع تركيب توربينات رياح".
ويدعو الباحثون، اليوم، ساسة ومشرعي البلد إلى الاستفادة من اتجاهات الرأي العام الإيجابية لتسريع الجهود لإنشاء مزيد من نقاط توربينات الرياح، ولو بإشراك السكان في الملكية من خلال العملية الديمقراطية في مختلف مجالس البلديات في عموم الدنمارك.