لا يمرّ يوم إلا ويعثر سكان مدينة جلال أباد شرقي أفغانستان على جثث قتلى مجهولي الهوية قضوا شنقاً. كذلك بدأت في الأيام الأخيرة ظاهرة ذبح الناس ورمي الرؤوس على قارعة الطريق، الأمر الذي أثار خوفاً وقلقاً عميقَين في أوساط سكان المدينة التجارية. ويتزامن ذلك مع عودة الهجمات الانتحارية في عدد من مدن البلاد، وهو ما خلّف كذلك حالة الخوف البالغ لدى بين السكان.
يقول الناشط المدني موسم عابد باركزاي من مدينة قندهار جنوبي البلاد، حيث وقع هجوم انتحاري استهدف مسجداً شيعياً في 15 من شهر أكتوبر/ تشرين الجاري، لـ"العربي الجديد": "كنّا نتوقّع أن تأتي حركة طالبان لتطوى الصفحة السوداء لأعمال العنف والقتل والتفجيرات التي كانت تشكّل جزءاً من حياتنا اليومية، لكنّ ذلك لن يتحقق بحسب ما يبدو. فما حدث في قندوز الشمالية حيث وقعت مجزرة على أثر هجوم انتحاري كذلك استهدف مسجداً شيعياً (في الثامن من أكتوبر) وما حدث في قندهار يوحيان بأنّ أفغانستان الآمنة قد تبقى حلماً لن يتحقق... للأسف". يضيف باركزاي أنّ "الهجمات الأخيرة في قندوز وقندهار وإن استهدفت الأقلية الشيعية، إلا أنّنا نعدّها استهدافاً للشعب كله وليس فقط على شريحة بعينها. هي استهدفت الإنسانية وأثارت الذعر والخوف في صفوف جميع أبناء البلاد. فالجميع صار يخاف من الدخول إلى المساجد، وهي الأماكن المقدسة التي من المفترض أن تكون بعيدة كلّ البعد عن أعمال العنف"، مؤكداً "للأسف هذا أمر موجود في بلادنا ونعيشه منذ عقود من الزمن".
من جهته، يقول أمين غول خان من سكان مدينة قندهار لـ"العربي الجديد" إنّ "ما كان يميّز طالبان على الحكومة السابقة هو الأمن سواء كان في فترتها الأولى في التسعينيات وأثناء سيطرتها على المناطق النائية قبل السيطرة على كابول، لكنّه بحسب ما يبدو فإنّ صفحة جديدة من الصراع قد فُتحت في بعض مناطق من البلاد بين حركة طالبان وتنظيم داعش وهو أمر مؤسف جداً". ويوضح غول خان أنّ "الخوف يسيطر على سكان مدينة قندهار جميعهم، ليس فقط بسبب الهجوم الدموي الأخير بل بسبب الاغتيالات التي تُرتكب بشكل متواصل من قبل مجهولين، علماً أنّها تطاول علماء دين وزعماء قبائل ورجال أمن سابقين. بالتالي فإنّ الوضع الأمني على الرغم من تحسّنه نسبياً اليوم، فإنّ الاغتيالات تأتي لتعكّر صفو ذلك، ثمّ أتى الهجوم الأخير كالقشّة التي قصمت ظهر البعير".
ولا تختلف الحال كثيراً في إقليم قندوز الشمالي حيث وقع الهجوم الدموي في الثامن من أكتوبر وراح ضحيته نحو 100 شخص. ويقول محمد نادر عبد الباقي، وهو من سكان مدينة قندوز وصاحب محل تجاري فيها لـ"العربي الجديد" إنّ "الهجوم أتى في يوم واحد وانتهى. لكنّ الخوف باقٍ ويسود الأوساط المختلفة إلى حدّ الآن. وعلى الرغم من مضيّ أكثر من عشرة أيام، فإنّ الأمور اختلفت إذ ما زال الناس في خوف وترقّب".
وفي شرق البلاد، تحديداً في مدينة جلال أباد، عاصمة ولاية ننجرهار، فإنّ التفجيرات خفيفة وتستهدف بمعظمها قوات حركة طالبان، إلا أنّ الظاهرة الأخطر هي الإعدامات مجهولة الفاعلين. فسكان المدينة يعثرون يومياً على جثث ملقاة في أماكن عامة من قبيل الحدائق، والأمور تتّجه إلى الأسوء مع العثور على رؤوس أناس مذبوحين. وبحسب ما يرى سكان المدينة ومراقبون، فإنّ ذلك يأتي نتيجة صراع ما بين حركة طالبان وتنظيم داعش، إذ إنّه يُعثر على أوراق صغيرة أُلصقت على الجثث بمعظمها وقد كُتب إليها أنّ صاحب الجثة كان ينتمي إلى تنظيم داعش وقد أُعدم وسوف يتمّ التعامل بالطريقة نفسها مع كلّ شخص ينضمّ إلى التنظيم.
وبعيداً عن الدوافع والأسباب، فإنّ الأمر أدّى إلى إثارة الخوف والذعر في صفوف المدنيين العزّل. ويقول الناشط المدني الطبيب محمد جاويد دراني وهو أحد الوجوه المعروفة في مدينة جلال أباد لـ"العربي الجديد" إنّ "الوضع متدهور جداً ويزداد سوءاً بشكل يومي ومتواصل. نحن لا نعرف إلى أين تتّجه بلادنا، ونحن نتوقّع في كلّ صباح عند خروجنا من منازلنا نتوقع أن نشاهد جثث شبان ملقاة في الحدائق أو على قارعة الطرق. لا ندري هوياتهم في بعض الأحيان وفي أحيان أخرى نعلم أنّهم أبناء قبائل ويُقتلون من دون أيّ ذنب". يضيف دراني: "نحن نعيش في حالة صعبة في المدينة التجارية التي كانت في يوم من بين أفضل مدن أفغانستان. فالتجارة والاقتصاد تدهورا بنسبة 60 في المائة، والناس لا يخرجون إلى الأسواق ولا إلى الأماكن العامة، كما لا يخرجون من بيوتهم ليلاً خوفاً من تعرّضهم إلى عمليات اغتيال". ويشير دراني إلى أنّ "طالبان تداهم كذلك المنازل وتُخرج أشخاصاً منها، ولا نعرف مصيرهم حتى الآن، فيما يسيطر الخوف في كلّ أرجاء المدينة وفي ضواحيها وفي بعض مديريات ننجرهار كمديرية خوجياني وتشبرهار".
في المقابل، يقول المسؤول الأمني في ننجرهار عبيد الله سيد خالد لـ"العربي الجديد": "اتخذنا خطوات فاعلة ضدّ تنظيم داعش وضدّ كل من يعبث بأمن الولاية"، مؤكداً أنّ "الأمن أفضل نسبياً وسوف يكون أفضل بكثير في الأيام المقبلة". ويدعو خالد سكان المدينة إلى "ممارسة حياة طبيعية".