لا إحصاء جديداً لعدد مرضى السرطان في أفغانستان وأنواع حالاتهم منذ استعادت حركة طالبان الحكم في أغسطس/ آب 2021، في حين أعلنت الحكومة السابقة قبل انهيارها أنّ عدد المصابين يتجاوز 20 ألفاً، وأنّ 80 في المائة منهم يفقدون حياتهم بسببه.
ليست المشكلة محصورة في العدد الكبير للمرضى، بل أيضاً عدم وجود مستشفى خاص لمعالجة المصابين، ما يضطر معظم الفقراء وأصحاب الدخل المتوسط منهم للسفر إلى باكستان، في حين يقصد الأثرياء الهند أو تركيا، لكن حتى هذا أصبح خياراً صعباً بعدما سيطرت حركة "طالبان" على الحكم، ما وضع عراقيل أمام الحصول على تأشيرات لهذين البلدين. لينحصر مقصد المرضى الأفغان في باكستان، رغم العوائق المرتبطة بعبور الحدود، وارتفاع تكلفة الحصول على تأشيرة إلى مبلغ يتجاوز 800 دولار.
وبين المشاكل الرئيسية عدم وجود وعي لدى الشعب الأفغاني حول فحوص الكشف المبكر عن الأمراض، ما يجعل الغالبية يكتشفون مرض السرطان في مراحل متأخرة، ويجعل العلاج صعباً، ويتطلب صرف أموال أكبر، وتحمّل معاناة السفر.
يقول الطبيب الأفغاني محمد خالد لـ"العربي الجديد": "يحتاج القطاع الصحي في أفغانستان إلى الكثير من الكوادر والمستلزمات والتجهيزات لتلبية المتطلبات، فضلاً عن حاجة الشعب أيضاً إلى الوعي بضرورة تلقي العلاج، والحفاظ على الصحة، فالكثير من العادات غير صحية، وتزيد من احتمال الإصابة بأمراض مختلفة، مثل عدم الاهتمام بنظافة مياه الشرب، والتي تسبب الكثير من الأمراض المعدية، مثل التهاب الكبد الوبائي الذي يفضي في بعض الحالات إلى السرطان".
يضيف خالد: "ثمة مشاكل أخرى من بينها عدم إجراء غالبية الأفغان الفحوص الروتينية، والاعتماد في كثير من الأحيان على أطباء الشوارع، وعلى أخذ الأدوية من الصيدليات من دون مراجعة طبيب. حين لا تكون تلك الأمور مجدية يتوجه المرضى إلى أطباء متخصصين، علماً أنه يوجد نقص أطباء في المناطق النائية والريفية، ويُعتبر الذهاب إلى المدن الكبيرة صعباً للغاية، لذا لا يذهب سكان المناطق النائية إلى المستشفيات إلا حين تتدهور حالتهم".
يتابع: "تكتشف معظم حالات مرض السرطان في أفغانستان في مراحل متأخرة، وحينها يكون من الصعب علاجها، لذا ترتفع نسبة الوفيات إلى 80 في المائة، بحسب بيانات أصدرتها وزارة الصحة سابقاً، وهذه نسبة عالية، علماً أن الإحصاءات في البلاد غير دقيقة بسبب الحروب والأوضاع الأمنية غير المستقرة في مناطق عدة، وأعتقد أن عدد مرضى السرطان في أفغانستان أكبر من الرقم المعلن، وكذلك أعداد الوفيات".
من بين الأشخاص الذين اكتشفت إصابتهم بالسرطان في مرحلة متأخرة والد الشاب الأفغاني عبد القوي، وقد توفي أخيراً في مدينة بشاور الباكستانية، ودفن جثمانه بولاية وردك المجاورة للعاصمة كابول. يقول عبد القوي لـ"العربي الجديد": "عانى والدي لفترة طويلة من آلام في المعدة، وأعراض أخرى مختلفة، وأشرف أطباء في ولاية وردك على علاجه في مرحلة أولى، وكانت الآلام تخف ثم تعود، ما جعل حالته الصحية غير مستقرة، ثم أخذناه إلى كابول، وهو أمر لم نفعله سابقاً بسبب الوضع المادي لأسرتنا الذي لا يسمح بتوفير المال المطلوب لفعل ذلك، وهناك أبلغنا الأطباء بوجود مشكلة كبيرة في بطنه، وباشروا علاجه استناداً إلى خبراتهم وتجاربهم، والإمكانات المتوفرة لديهم، لكن من دون جدوى، فنقلناه إلى باكستان، حيث بدأت رحلة علاج شاقة أظهرت إصابته بالسرطان، وأنه بات في مرحلة متأخرة".
ويذكر الشاب أنه رغم إجماع الأطباء على أن مرض والده غير قابل للعلاج، أصرّت الأسرة على محاولة العلاج، واستدانت أموالاً من الأقارب لصرفها على العلاج الذي استمر بلا نتيجة طوال ثمانية أشهر، قبل أن يتوفى.
يقول الطبيب محمد خالد: "تتعدد الأمثلة والقصص المفزعة حول موت الأفغان بمرض السرطان بعد التأخر في اكتشافه نتيجة انعدام الوعي، أو بسبب الوضع المعيشي الذي لا يسمح بإجراء فحص طبي في المراحل الأولى للمرض".
وتضم العاصمة كابول مركزاً خاصاً لعلاج الأمراض السرطانية، لكنه يفتقر إلى كادر طبي متخصص ومعدات كافية، ما يمنع الاعتماد عليه في توفير العلاج، لكن نجم لعبة الكريكت، محمد نبي عيسى خيل، أطلق خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان الماضي، حملة لجمع الأموال شارك فيها أثرياء لبناء مركز علاج متخصص للسرطان. لكن البناء يحتاج إلى فترة زمنية طويلة، وتخطي عقبات كثيرة من بينها توفير كادر طبي متخصص في الأمراض السرطانية، والحصول على رخصة دولية من أجل نقل معدات وأدوية خاصة بعلاج السرطان، من بينها أدوية العلاج الكيميائي.