استمع إلى الملخص
- **انتقادات واسعة للقرار الألماني:** انتقدت شخصيات سياسية ومنظمات إغاثية القرار، معتبرين أنه يفتقر للمعايير الإنسانية، ودعت جانين فيسلر الحكومة لإعادة النظر في القرار.
- **دعوات لإعادة النظر في القرار:** أصدر المجلس التنسيقي للمسلمين في ألمانيا بياناً يدين القرار، مؤكداً على ضرورة وجود المرافقين لدعم الأطفال عاطفياً ونفسياً.
على الرغم من حاجتهم الماسة لتلقي العلاج وتأمين جميع التكاليف، ترفض السلطات الألمانية السماح لـ32 طفلاً بتلقي العلاج خشية ارتباط ذويهم بحركة حماس، وهو ما جعل البعض يتحدث عن فقدان المعايير الإنسانية
ترفض السلطات الألمانية منح أهالي أطفال فلسطينيين تعرضوا لإصابات خطيرة نتيجة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من بتر للأطراف وحروق وتلف للأنسجة وتمزق في الحجاب الحاجز والأمعاء، تأشيرات دخول إلى ألمانيا لتلقي العلاج اللازم على الرغم من الموافقة المسبقة من قبل 40 مستشفى ومركز طبي في البلاد لتغطية تكاليف علاجهم وتوفير أطراف اصطناعية لهم.
بدأت الفكرة بعدما سعى أطباء مع زملاء لهم في منظمات إغاثية وأخرى غير حكومية، مثل منظمة اللاجئين في كولن والجمعية الألمانية لجراحة التجميل، إلى نقل 32 طفلاً مصاباً إلى المانيا، وجمعوا تبرعات لتغطية تكاليف رحلات الطيران وطلبات التأشيرات وتكاليف العلاج في المستشفيات. لكن وبحسب ما ذكرت القناة الأولى شبه الرسمية في التلفزيون الألماني "أيه آر دي"، فإنه في نهاية المطاف توقفت الحملة لأن وزارتي الداخلية والخارجية اعترضتا على دخول مرافقين بالغين وحتى ولو شخص واحد مع كل طفل.
وتوضح الوزارتان أن الوصول إلى ألمانيا لعلاج الأطفال دون سن الثانية عشرة ممكن من دون مرافقين، باستثناء الطاقم الطبي، وهذا ما رفضته المنظمات الإغاثية المعنية. وذكرت تقارير أنه وفقاً لدوائر حكومية، فإن فشل استصدار التأشيرات حتى الآن يرتبط بمخاوف أمنية، ولا يتعلق الأمر بالأطفال أنفسهم بل بالمرافقين. وهناك خشية من دخول مرافقين مؤيدين لحركة حماس أو متعاطفين مع المنظمة المصنفة إرهابية إلى البلاد بهذه الطريقة، ولا سيما أنه خلال الأشهرالأخيرة، بينت عمليات التدقيق الأمني تزايد المواقف المتطرفة الداعمة لغزة، ناهيك عن التوقعات بأن يطالب الأشخاص المرافقون للأطفال المرضى لاحقاً بلم شمل أسرهم.
رفض منح التأشيرات الإنسانية كان محل امتعاض من حزب اليسار، ودعت الرئيسة المشاركة للحزب جانين فيسلر الوزارتين أخيراً لإعادة التفكير بقراريهما، مشيرة إلى أنه يجب على الحكومة الإيعاز باستصدار التأشيرات في أسرع وقت ممكن، وإفساح المجال أمام الأطفال المصابين بجروح خطيرة نتيجة الحرب والمرافقين لهم لدخول ألمانيا، بدلاً من الاستمرار في منع العلاج عن أشخاص هم في أمس الحاجة إليه في المستشفيات الألمانية، وتشير إلى أن حجة وزارة الداخلية بأن الأشخاص المرافقين يمثلون خطراً أمنياً حاداً على ألمانيا ينطوي على عنصرية تقوض كل حق من حقوق الإنسان.
تبرير الوزارتان المعنيتان كان محل انتقاد من دانييلا نويندورف، العضو في"منظمة اللاجئين" في كولن، التي قالت لصحيفة "تاغس شبيغل" إنه لا يمكنها فهم لماذا تستطيع دول أخرى مثل إيطاليا وغيرها إدارة هذا الأمر، فيما تستسلم ألمانيا بطريقة أو بأخرى لجلب عدد معين من المصابين مع مرافقيهم لتلقي العلاج، قبل أن تشكو كيف أن السياسة تصنع على حساب هؤلاء الأطفال، ولا مناص من القول إنه من الضروري جداً أن يكون هناك شخص مرافق يدعم الطفل عاطفياً. وفي كثير من الأحيان، يتطلب الأمر موافقة فورية لإتمام العلاج، ولا سيما أنهم يعانون من إصابات حرب تهدد حياتهم.
ونقلت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه" عن المديرة الإدارية للجمعية الألمانية للجراحة التجميلية والترميمية كيرستين فان آرك، قولها إنه عندما وضع أمامها ملف طبي يضم صوراً لطفل غزي يبلغ من العمر تسع سنوات، بساق ممزقة بجزء كبير من الخلف بسبب شظايا الرصاص، صدمت لهول ما شاهدت، "ولن تمحى هذه الصور من ذاكرتي بسرعة".
بدورها، تقول العضوة في الحزب اليساري الألماني كورنيليا موهرينج إنه يمكن لألمانيا المساعدة إذا ما أرادت ذلك، مبرزة كيف سمحت بلدان أخرى مثل إيطاليا والولايات المتحدة وغيرها بالفعل لمئات المصابين من الأطفال بجروح خطيرة والأشخاص المرافقين البالغين بالدخول لمساندة أقاربهم خلال فترة العلاج، وتتحدث عن وعد وزير الصحة كارل لوترباخ، على خلفية الهجوم الصاروخي الروسي الأخير على مستشفى للأطفال في كييف، بإحضار الأطفال المصابين إلى ألمانيا لتلقي العلاج، معتبرة أنه من الصعب أخلاقياً تحمل أن ترفض زميلة لوترباخ وزيرة الداخلية نانسي فيزر علاج الأطفال الفلسطينيين في ألمانيا، وتؤكد أن حقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة، "وهذا وحده هو الذي يمكن أن يكون بوصلة عملنا السياسي"، وتختم حديثها قائلة: "إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهؤلاء".
في هذا الإطار، صدر بيان استنكار وإدانة من المجلس التنسيقي للمسلمين في ألمانيا، اعتبر فيه قراري وزارتي الداخلية والخارجية برفض علاج الأطفال المصابين من غزة مدانين وغير إنسانيين، وخصوصاً أن علاجهم ممول بالكامل من قبل مستشفيات ألمانية عدة، والرفض هو بمثابة إعلان إفلاس، ويظهر تصرفاً يفتقد لأدنى معايير الإنسانية من قبل الجهات المسؤولة، ورفض التأشيرات من الوزارات المعنية عرض الكثيرين منهم لمزيد من الضرر، ولا سيما أنه لو حصل تجاوب مع خطط المنظمات الإغاثية لكان من الممكن إنقاذ أطراف العديدين منهم، الذين يتحاملون على جراحهم ويعيشون آلام وأهوال القصف المرعب وغير المبرر من قبل إسرائيل. حتى أن من بينهم من فقد كل أفراد عائلته، والتأخير عرض البعض منهم لعمليات بتر مؤلمة لأعضائهم، وأصبح آخرون في عداد الأموات.
كما اعتبر البيان أنه من المؤسف أن تكون أسباب الرفض تتعلق بعدم السماح لمرافقيهم من الأهل بالدخول لأسباب أمنية، مع التأكيد على أن وجودهم ضروري وأساسي ولا يمكن اقتلاع الأطفال من بيئتهم الأسرية المألوفة، ووضعهم مع أشخاص غرباء، لأن ذلك سيزيد معاناتهم وصدماتهم النفسية.
من جهة أخرى، فإنه لا يمكن تصور حصول أمر مماثل مع أطفال آخرين من مناطق أزمات أخرى، وقد كشف القرار تجاهلاً لمعاناة أكثر الناس ضعفاً وهشاشة في المجتمعات وهم الأطفال، وكان حرياً بالجهات السياسية الألمانية التصرف بمسؤولية أكبر لأن الواجب الأخلاقي يفرض تقديم المساعدة لهؤلاء بغض النظرعن الاعتبارات السياسية. وخلص المجلس التنسيقي إلى إعلان دعمه الكامل وبذله كل الجهود لاستقبال الأطفال المصابين من غزة لتلقي المساعدة الطبية العاجلة، وهذا ما قد يمنحهم فرصة وأملاً بالتعافي والعيش بصحة جيدة، مع حثه وزارتي الداخلية والخارجية على إعادة النظر بقراريهما فوراً.
تجدر الاشارة إلى أن المنظمات تواصل سعيها مع الوزارات للسماح بدخول المرافقين في حالات استثنائية، علماً أنه خلال الأشهر الماضية، تغيرت لائحة الأطفال الذين كان سيتم إجلاؤهم للعلاج لأن عدداً منهم فقدوا حياتهم.