يُعرِب عدد من أهالي ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة، جنوب شرق طرابلس، عن مخاوفهم من استغلال قضيّتهم سياسياً ولصالح أطراف الصراع في البلاد، مشيرين إلى أنّ الاهتمام الحكومي والدولي بقضيّتهم يتفاوت بحسب الحاجة إلى إثارتها.
مطلع إبريل/ نيسان الجاري، أعلنت وزارة الداخلية عن قرار الحكومة تشكيل لجنة لمعالجة ملفات ومطالب أهالي مدينة ترهونة بشأن المقابر الجماعية والمفقودين في ترهونة، برئاسة وزير الداخلية خالد مازن، الذي أعلن لاحقاً عن تكثيف جهود الأجهزة الأمنية وتسريع وتيرة معرفة مصير المفقودين وفتح المواقع الأخرى المتوقّع أن تكون فيها مقابر جماعية، وبدء اتخاذ كافة الإجراءات القانونية الخاصة بملف المقابر والتحقيقات فيها.
إلّا أنّ الناشط المدني من ترهونة شكري المزوغي، يشير إلى أن قرار تشكيل اللجنة فضفاض وتكليفها بمعالجة ملفات ومطالب أهالي الضحايا غير واضح المقاصد. ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن اهتمامه بقضية ضحايا المقابر الجماعية وذويهم جاء بـ"دافع إنساني، ومحاولة لتنظيم صوت أسر الضحايا لمنع استغلاله سياسياً". ويسأل عن "جدوى التحقيق في قضية يعرف كل العالم من وراءها، وهي مليشيا محددة الاسم والأشخاص". يضيف أن "وزارة الداخلية التي باتت موحدة ترى المسؤولين عن تلك المقابر يتجولون داخل البلاد، ولم تعلن عن أي إجراء ضدهم". ويشير المزوغي إلى أنّ دولاً كبرى، مثل الولايات المتحدة، أعلنت عن إدراج مليشيا الكانيات (زعيمها محمد الكاني)، في لوائح عقوباتها بسبب تورطها في جريمة المقابر. فكيف لم تصل السلطات هنا إلى نتيجة بعد، ولم تعلن حتى عن هوية لجان التحقيق؟".
وحتى مطلع مارس/ آذار الماضي، أعلنت الهيئة العامة لمعرفة مصير المفقودين والبحث عنهم أن عدد المفقودين المبلغ عنهم من أسرهم في ترهونة وصل إلى 350 مفقوداً، بينما لم يتم العثور إلا على 139 جثة. وخلال الشهر الجاري، أعلنت عن العثور على جثة في إحدى المزارع أبلغ عنها أحد المواطنين، بالإضافة الى العثور على موقعين جديدين عثر فيهما على جثتين، مشيرة إلى أن أعمال البحث عن مقابر جديدة ما زالت مستمرة. وفي وقت كشفت فيه بعثة تقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في يونيو/ حزيران الماضي، عن نتاج أعمالها في ليبيا بشأن مقابر ترهونة، لم تعلن سلطات البلاد عن مصير ملفات تتعلق بجرائم حرب اتهمت مليشيات خليفة حفتر بارتكابها إبان عدوانها على العاصمة طرابلس، سبق أن أكدت في بيانات سابقة استعدادها لتقديمها لمحكمة الجنايات الدولية.
وعلى الرغم من أنها افتتحت منذ يناير/ كانون الثاني الماضي معرضاً دائما لعرض متعلقات المفقودين الشخصية في طرابلس، إلا أنها لم تفتح الباب أمام المواطنين لرفع دعاوى والشكوى إلى الجهات العدلية بشأن مفقوديهم.
ويلفت المزوغي إلى أن بعض الجهات الحكومية تتذرع بعدم اكتمال الملف على اعتبار أن معظم المبلّغ عنهم ما زالوا في عداد المفقودين، الأمر الذي يُصعّب على الجهات القضائية البت في قضاياهم كونهم مجهولي المصير وإمكانية وجود بعضهم على قيد الحياة في بعض السجون أمر ممكن.
إلا أن عدداً من المواطنين تقدموا بشكاوى ضد حفتر ومليشياته أمام المحاكم الأميركية، كونه يحمل الجنسية الأميركية. في هذا الإطار، يقول رئيس مؤسسة الديمقراطية وحقوق الإنسان عماد الدين المنتصر، لـ"العربي الجديد"، إنه يتوقع أن يزداد عدد المشتكين من أهالي ضحايا المقابر عن العشرين، ليصل العدد النهائي إلى أكثر من ألف مواطن.
وفي وقت يرحب المزوغي باللجوء إلى المحاكم الدولية على اعتبار أن القضاء الدولي أكثر نزاهة وبعداً عن تجاذبات الصراع في البلاد، يرى سالم باحور، وهو والد أحد المفقودين، أن هذا التحرك لن ينتهي إلى شيء، ويقول لـ"العربي الجديد": "سلّمت أمري لله. فجميع الأطراف تسعى إلى الاستفادة من القضية لمصالحها السياسية أو الشخصية بسبب إنسانية مشكلتنا".
يضيف أنه لن يسجل في قيود اللجنة المشكلة من الحكومة، موضحاً أنها "لن تزيد عن دفع بعض النقود والمساعدات العينية وإصدار البيانات"، ومرجحاً أن تشكيل مثل هذه اللجنة جاء وسط مناكفات سياسية بين الأطراف المتصارعة أو لتصفية الخصوم.
وتقول حسناء النعاس، التي تسلّمت أسرتها جثة زوجها المفقود بعد العثور عليه في إحدى المقابر، لـ"العربي الجديد": "الحكومات اكتفت بالتعهد بالتحقيق في وقت تطفو فيه البيانات على السطح ويتم تداولها، ثم يختفي كل شيء ويعود ملف المفقودين إلى المجهول". وتشير إلى أنها تابعت العديد من المجازر في بلدان شهدت صراعات ما زالت فيها قضايا المقابر والمجازر محل استغلال سياسي لتحقيق انتصارات طرف ضد آخر، من دون إنصاف أهالي الضحايا.