تواجه مناطق الأهوار في العراق تحدياً خطيراً في ظل تفاقم أزمة الجفاف التي يصفها خبراء بأنها الأكثر قسوة منذ عقود طويلة، وتراجُع منسوب المياه في المسطحات المائية التي تغطي مساحات كبيرة من محافظات عراقية عدة، على الرغم من كونها أساساً للحياة البيئية الخصبة، وقد تكوّن حولها الكثير من التجمعات السكنية التي تضم عشرات آلاف العراقيين.
وسجلت الأسابيع الأخيرة الماضية نزوح عدد غير قليل من الأسر من مناطق الأهوار بسبب الجفاف، علماً أنها تعتمد على تربية الجاموس والمواشي وصيد السمك الذي تأثر بالجفاف، وحتى على مستوى الزراعة في تلك المناطق.
وأكد مسؤول محلي في محافظة ذي قار أن العديد من العائلات نزحت إلى المدن، مضيفاً في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "حركة النزوح لم تتوقف وما زالت متواصلة للأسف".
وفي السابع عشر من يوليو/ تموز 2016، وافقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" على وضع الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي كمحمية طبيعية دولية، بالإضافة إلى المدن الأثرية القديمة الموجودة بالقرب منها مثل أور وأريدو والوركاء.
ومن أهم الأهوار في ذي قار أهوار الجبايش شرق مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار (350 كم جنوب العراق)، وتعد امتداداً لهور أبو زرك وهور الحمّار وتتغذى أهوار من نهر الفرات ونهر دجلة، وتوجد فيها أنواع عديدة من الطيور والأسماك، والنباتات المائية، ونبات القصب، والبردي.
ويقول خبراء إن نسبة الضرر تجاوزت النصف خلال عامين، من جراء أزمة المياه والجفاف التي تضرب العراق بعد تقليل دول الجوار حصص العراق المائية. ويوضح الخبير البيئي والمتابع لمشاكل الأهوار جاسم الأسدي في حديثه لـ "العربي الجديد": "قبل سنوات وتحديداً عام 2019، كان منسوب المياه في الأهوار يصل إلى أكثر من 200 سنتمتر، لكن اليوم منسوب المياه فيها يصل إلى 88 سنتمتراً فقط".
وعن خطر هذا المؤشر، يقول الأسدي: "هذا يعني أن الأهوار فقدت معدلات كبيرة من منسوب المياه. وهذا العام، بدأت تفقد نصف سنتيمتر يومياً، ونعتقد أنها ستتعرض للجفاف بشكل كامل بحلول عام 2023"، مضيفاً أن "العائلات والطيور التي كانت تعيش بالأهوار وقربها هاجرت، المواشي والحيوانات المائية تعرضت للموت".
ويوضح رئيس لجنة إنعاش الأهوار المشتركة بين ذي قار وميسان عدنان الغانمي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن "مسألة إدراج الأهوار في لائحة التراث العالمي لم يستفد منها مطلقاً، بل على العكس فقد قلت كميات ومناسيب المياه فيها وارتفعت نسب الملوحة". ويشير إلى أن "ارتفاع نسبة الأملاح في المياه أدى إلى موت الأحياء المائية والحيوانات، ما سيؤدي إلى استحالة الحياة فيها وهذا خطر كبير".
وفي السياق، يحمّل الغانمي الحكومة المركزية مسؤولية إهمال ملف الأهوار، بالقول إنه "كان يجب أن تفعِّل اللجنتين المركزية والفرعية وأن تعمل وفقاً لما رسم له قبل إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي". يضيف: "لجنتنا الفرعية كانت محدودة الصلاحية، واللجنة المركزية كانت غير متفاعلة بشكل جدي، وقد وضعت شروطا من قبل اليونسكو لم يتم تنفيذها مطلقاً".
ومطلع شهر يونيو/ حزيران الماضي، قد تعهدت وزارة الموارد المائية بالحفاظ على منسوب المياه بما لا يقل عن 95 سنتمتراً خلال موسم الصيف الحالي، محاولة بذلك تفادي كارثة بيئية.
إلى ذلك، يقول المتحدث باسم وزارة الموارد المائية عون ذياب لـ" العربي الجديد": "قررنا ألا يقل منسوب المياه عن 95 سنتمتراً خلال هذا الصيف في الأهوار حتى لا تحصل كارثة بيئية. في حقيقة الأمر، لا تتحمّل الوزارة مسؤولية ما وصلت إليه الأهوار. هذه المشكلة تعود لعوامل خارجة عن إرادتها وقدرتها. تركيا تقطع المياه من جانب وإيران تقطع المياه والروافد من جانب آخر، والمواطنون لا يلتزمون بتوجيهات الوزارة ما يؤدي إلى هدر كمية كبيرة من المياه".
يضيف ذياب أن "وزارة الموارد المائية ملتزمة بما وعدت به قبل إدراج الأهوار ضمن لائحة التراث العالمي، وتعمل دائماً على ألا تخفضها، لكن مشكلة الجفاف ضربت كثيراً من الخطط، كما وأن التغيرات الجوية كانت سبباً مهماً لإلحاق الضرر بالأهوار، وانخفاض منسوب المياه في الأهوار خلال الأعوام الأخيرة. وكان للعوامل الجوية أثر مهم وأساسي، وهناك تفاهمات ومباحثات مع تركيا بشأن ضمان حصص مائية إضافية سنعمل لو أضيفت لحصص العراق على تزويد حصص الأهوار بها".