أونروا فلسطين... الاحتلال يريد تغييب شاهد على حق العودة

23 أكتوبر 2024
بعد قصف مدرسة تابعة لأونروا في مخيم النصيرات (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، استهدفت إسرائيل وكالة "أونروا" بعرقلة عملها وقصف مراكزها، مما أدى إلى استشهاد 231 موظفاً. كما صادرت مقر الوكالة في القدس لبناء مستوطنات.

- "أونروا" تقدم خدمات حيوية للفلسطينيين في الصحة والتعليم، وتعتبر شاهداً على حق العودة. تأسست بعد النكبة وتدعم 5.9 ملايين لاجئ رغم التحديات المالية والسياسية.

- يطالب الفلسطينيون والمجتمع الدولي بحماية "أونروا" ودعمها، حيث تواجه نقصاً في التمويل وتدمير منشآتها، لكنها تظل العمود الفقري للاستجابة الإنسانية.

كانت وكالة أونروا هدفاً للاحتلال الإسرائيلي منذ بدء عدوانه على قطاع غزة في أكتوبر الماضي، فوصمها بالإرهاب مانعاً عملها، علماً أنها تحظى بأهمية كبيرة لدى الفلسطينيين، هي الشاهدة على حق العودة

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عمدت حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو ووزراؤها المتطرفون إلى مهاجمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، ومحاولة إنهاء وجودها كليا، ومنعها من ممارسة عملها وعرقلته، واستبدال عملياتها على الأرض بمؤسسات دولية وأممية أخرى.
وأقصى الاحتلال الإسرائيلي الوكالة من العمل في مناطق شمالي القطاع منذ الأيام الأولى للحرب، وتعامل مع مراكز الإيواء التابعة لها من دون أي استثناء على أساس عدائي، حيث قصف معظمها في الشمال ومدينة غزة فوق رؤوس النازحين، وهاجم بعضها وحوّل أخرى إلى ثكنات عسكرية خلال العمليات البرية التي تجددت في مخيم جباليا، أكبر تجمع للاجئين شمالاً منذ ثلاثة أسابيع.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، إذ استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي العاملين في "أونروا" خلال عملهم أو خلال وجودهم مع عائلاتهم، ما أدى إلى استشهاد 231 موظفاً وإصابة العشرات، على الرغم من النداءات المتكررة التي أطلقتها الوكالة لحماية موظفيها ومراكزها باعتبارها تابعة للأمم المتحدة. 
وذهب الاحتلال الإسرائيلي في الفترة الأخيرة بعيداً عبر سن تشريعات تصف "أونروا" بالإرهابية، وصادر مقرها الرئيسي في القدس المحتلة لصالح بناء مستوطنات، وسط موجة من التحريض تواصلها الحكومة الإسرائيلية ضد الوكالة الأممية وموظفيها.
تكتسب "أونروا" بالنسبة للفلسطينيين عموماً وسكان القطاع خصوصاً، أهمية قصوى من خلال الخدمات التي تقدمها على الصعد الصحية والتعليمية والبيئية، إلى جانب كونها شاهداً على حق العودة الذي يسعى الاحتلال الإسرائيلي لإسقاطه منذ نحو ثمانية عقود.
تأسست الوكالة في أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948 بموجب القرار رقم 302، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر/ كانون الأول 1949 بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة. وبدأت الوكالة عملياتها في الأول من شهر مايو/ أيار عام 1950. وفي ظل غياب حل لمسألة لاجئي فلسطين، عملت الجمعية العامة وبشكل متكرر على تجديد ولايتها، وكان آخرها تمديد عملها لغاية 30 يونيو/ حزيران 2026.
قبل أيام، وبينما قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي رئيس حركة حماس، يحيى السنوار، في حي تل السلطان بمدينة رفح، نشرت صوراً لمقتنياته، من بينها جواز سفر يظهر الوظيفة المسجلة فيها لمدرس في إحدى المؤسسات التعليمية التابعة للوكالة، ليتبين لاحقاً أن صاحب جواز السفر وعائلته غير موجودين في قطاع غزة، وأنّ ما جرى مجرد دعاية إسرائيلية.

كان المتحدث باسم حكومة الاحتلال، إيلون ليفي، قد قال في بيان، إن "أونروا هي واجهة لحماس، وهي مخترقة بثلاث وسائل رئيسية: توظيف إرهابيين على نطاق واسع، والسماح للحركة باستخدام بناها التحتية في أنشطة عسكرية، والاعتماد على الحركة في توزيع المساعدات في قطاع غزة".
لم يقدم ليفي ولا الحكومة الإسرائيلية أدلة ملموسة وحقيقية وذات مصداقية على هذه الاتهامات، كما أنّ موظفي "أونروا" يخضعون لإجراءات صارمة خلال عمليات توزيع المساعدات والتدخلات الإنسانية والإغاثية التي يقومون بها، وتخضع عمليات الصرف المالي فيها لرقابة شديدة وأعلى معايير الدقة.
يقول الفلسطيني إبراهيم الحسني، إن للوكالة أهمية كبيرة للفلسطينيين، وإنهاء وجودها يمس بالحقوق الفلسطينية المتمثلة في حق العودة إضافة إلى الأهمية المتعلقة بالمدارس والصحة. يضيف لـ "العربي الجديد"، أن "إنهاء أونروا يعني فقدان الفلسطينيين للرعاية الصحية الجيدة التي تقدمها منذ عقود، والتأثير على المدارس، لا سيما مع الجودة العالية للمعلمين والعملية التعليمية فيها".

تفقد للدمار في مدرسة تابعة لأونروا (عمر القطاع/ فرانس برس)
تفقد للدمار في مدرسة تابعة لأونروا (عمر القطاع/ فرانس برس)

بحسب اللاجئ الفلسطيني، فإن بقاء "أونروا" مهم للفلسطينيين، وتزداد أهميته في ظل الحرب الإسرائيلية وغياب المؤسسات الحكومية الرسمية، إضافة إلى عمل المنظمة الأممية على توفير المساعدات الغذائية للنازحين الفلسطينيين الذين يتكدس مئات الآلاف منهم في المنطقة الوسطى والجنوبية من القطاع.
أما الفلسطينية نجوى أبو زاهر، فترى أهمية وجود الوكالة في الخدمات الصحية والتعليمية التي تقدمها لملايين اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان، قبل الحرب أو خلالها وبعدها، وأن إنهاء عمل المنظمة الأممية سيكون له أثر سلبي على اللاجئين.
تقول أبو زاهر لـ "العربي الجديد"، إن إنهاء "أونروا يعني المساس بجوهر حياة الفلسطينيين الذين يتلقون هذه الخدمات بشكل مجاني وبجودة تبدو مرتفعة عن بقية المؤسسات الحكومية أو الأهلية في القطاع".
تدعو اللاجئة الفلسطينية العالم للتدخل من أجل إنهاء الحرب، والحفاظ على بقاء "أونروا" بشكل مستمر وتقديم المساعدات الصحية والغذائية للفلسطينيين، في ظل الوضع الصحي والحياتي المأساوي الذي يعيشونه للعام الثاني على التوالي بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة.
أما الفلسطيني بشار عودة، فيقول لـ "العربي الجديد"، إن إنهاء "أونروا" الذي يحاول الاحتلال الإسرائيلي فرضه فيعني إنهاء الحق الفلسطيني في العودة، وهو أمر سعى إليه الاحتلال على مدار عقود من الصراع المتواصل. يضيف أن إنهاءها يمس بعصب حياة الفلسطينيين، وأنها تتولى مسؤولية كبيرة في قطاعات هامة كالتعليم والصحة والبيئة إلى جانب الأهمية السياسية المرتبطة بحق العودة، والذي بموجبه نشأت هذه المؤسسة الأممية.

إنهاء أونروا يعني خسارة الفلسطينيين التعليم (أشرف أبو عمرة/اللأناضول)
إنهاء أونروا يعني خسارة الفلسطينيين التعليم (أشرف أبو عمرة/اللأناضول)

ويطالب الفصائل الفلسطينية والدول العربية والمجتمع الدولي بحماية "أونروا" وتوفير الدعم اللازم لها للاستمرار في تقديم الخدمات المختلفة لصالح اللاجئين الفلسطينيين، لا سيما في القطاع الذي يعيش حرب إبادة غير مسبوقة.
في الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة، حرض الاحتلال الإسرائيلي على الوكالة، واتهم عدداً من العاملين فيها بالمشاركة في هجوم "طوفان الأقصى"، ما دفع بها إلى فتح تحقيق ثبت فيه إلى حد كبير كذب الرواية الإسرائيلية، فيما أعادت الكثير من الدول التي علقت تمويلها في ضوء التحريض الإسرائيلي دعمها من جديد للمنظمة الأممية.
منذ أكثر من 10 سنوات، تواجه "أونروا" نقصاً حاداً في تمويلها، وتقوم كل عام بترحيل النقص إلى العام الذي يليه، رغم توجيه النداءات المتكررة من قبل مسؤوليها لدعم برامجها وعملياتها واستجابتها الطارئة لاحتياجات اللاجئين الفلسطينيين.
تقول القائمة بأعمال مدير مكتب الإعلام في أونروا في غزة، إيناس حمدان، إن المنظمة الأممية هي أكبر منظمة تقدم الدعم والخدمات الأساسية لنحو 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق العمليات الخمس.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تضيف حمدان لـ "العربي الجديد"، أن هذه الخدمات المقدمة تشمل التعليم والصحة الأولية والمساعدات الغذائية والإغاثية وخدمات صحة البيئة، إضافة إلى خدمات دعم نفسي وتدخلات اجتماعية. وبحسب القائم بأعمال مدير مكتب الإعلام في "أونروا"، فإن الوكالة الأممية تدير أكثر من 700 مدرسة في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية والأردن، بما يزيد عن نصف مليون تلميذ/ة من اللاجئين الفلسطينيين، كما تقدم فرقها الصحية الرعاية الطبية من خلال 139 مركزاً صحياً في المناطق الخمس.
تشير حمدان إلى أن إجمالي عدد العاملين في وكالة الغوث يبلغ 30 ألف موظف وموظفة، منهم 13 ألف موظف وموظفة يعملون في القطاع، فيما تعتبر خدمات الوكالة الأممية العمود الفقري للاستجابة الانسانية للاجئين الفلسطينيين. وتؤكد على زيادة التحديات والصعوبات التي تواجهها مؤخراً، خصوصاً مع استمرار الحملة الممنهجة التي تهدف إلى تفكيكها، ويدخل في هذا الإطار قصف ما يزيد عن 190 منشأة تابعة لها في القطاع.
تلفت حمدان إلى الاستمرار في التضييق على تدفق المساعدات الإنسانية رغم الحاجة الماسة لها في القطاع، إلى جانب المحاولات المتعلقة بالقرارات والقوانين الصادرة عن الحكومة الإسرائيلية والكنيست، والتي لم تبلغ بها المنظمة الأممية بشكلٍ رسمي حتى الآن.

المساهمون