خلّف الزلزال القوي الذي ضرب جنوب شرقي تركيا ومناطق الشمال السوري، تساؤلات عديدة حول كيفيّة تفادي الكوارث الطبيعيّة، وتجنّب الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، بعد أن أسفر الزلزال عن مقتل المئات، وانهيار مئات المباني السكنية.
وتبقى الإرشادات والاحتياطات هي السبيل المثالي لإنقاذ الأرواح، وحماية الأطفال والمرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصّة، وعلى رأسها صلابة المباني، ومراعاتها لمعايير السلامة العامة. وتقول مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء في لبنان، مارلين البراكس، لـ"العربي الجديد"، إنّه "من الضروري التحرّك بشكلٍ آلي عند حدوث هزّات أرضية، والمعرفة المسبقة بالاحتياطات اللازمة، وحتّى التمرّن عليها لإجادة تنفيذها، فالهزة تستمر لثوانٍ، لكننا لا نملك ترف الوقت لاتّخاذ القرارات".
وتضيف: "يجب على كل شخص معرفة المنطقة الأكثر أمناً في منزله، والتي تختلف من منزل إلى آخر بحسب تصميمه ومحتوياته. الجدران المدعمة بالحديد تُعدّ الأكثر أمناً، ومن المفضّل الوقوف بجانبها لأنّها أخر ما يسقط في المنزل. وفي حال كنّا نقطن في الطابق الأرضي، فمن الضروري الخروج فوراً، والبقاء بعيداً عن المبنى تفادياً لتهاوي أيّ حجر على رؤوسنا. أما سكان الطوابق العالية الذين لا يملكون الوقت للخروج، فعليهم حماية أنفسهم مؤقتاً عبر عدة ارشادات من بينها الابتعاد عن الزجاج والثريّات والأسقف المستعارة، والمكيّفات والمكتبات والخزائن، وكلّ ما يمكن أن يسقط ويتسبّب بالإيذاء، كما يجب اللجوء إلى الاختباء تحت طاولة خشبية سميكة، وليس طاولة من الزجاج، كي تحمينا من الأشياء المتساقطة".
توفير حماية للأطفال وكبار السن ضرورة خلال الزلازل
وتابعت البراكس: "بعد انتهاء الهزة علينا أن نتأكّد من إغلاق أو وقف تشغيل كلّ الأجهزة القابلة لإشعال حريق، مثل الأجهزة التي تعمل بالغاز أو الكهرباء، والأفضل إخلاء المنزل لفترة من الوقت، وإذا تمكّنا من قطع الكهرباء وإغلاق مصدر الغاز خلال الهزة يكون ذلك أفضل".
وأشارت إلى "أهميّة حماية الأطفال والرضّع كما نحمي أنفسنا، والبداية تكون بالمبادرة إلى تغطية رؤوسهم فوراً، وإبقاءهم في مكان آمن، وتحت طاولة قوية تتحمل الارتطام".
وحول المنازل المهدّدة بالانهيار، تقول مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء: "الموضوع شائك، ويتطلّب تقييم كلّ مبنى على حدة، ومدى قدرته على مقاومة الزلزال، لكن كلّما كان المبنى ملتزماً بقوانين السلامة العامة في البناء، كلّما كان متيناً، وبالتالي قادراً على حمايتنا من تفاقم الأضرار".
بدوره، حذّر الأكاديمي والخبير في الكوارث الطبيعيّة، جورج عقل، من أنّ "تركيا وسورية معرضتان تاريخيّاً للهزات الأرضية نظراً لوجودها على الفالق (الأخدود) الأفريقي العظيم، والإرشادات الخاصة بالزلازل تشمل توصيات خلال الزلزال، وأخرى بعده، فأثناء الهزة يُمنع استخدام الكهرباء والغاز تفادياً لاشتعال الحرائق، كما يُمنع استخدام المصاعد، وفي حال مغادرة المنزل أو مقر العمل، علينا ترك كلّ شيء، وأخذ الأغراض الأساسية فقط في حال التمكّن من ذلك، ومناطق الأمان في المباني من بينها بيت الدرج، وفي حال المغادرة ينبغي النزول برويّة، والسيطرة على الأعصاب، وتفادي الذعر والازدحام، ومن المفضّل أن تكون هناك مصابيح يدوية مشحونة لتوفير الإضاءة، وكذا شحن الهواتف الخلوية للاتصال بالجهات الإغاثية في حال وقوع أضرار، ومن المهم وجود حقيبة إسعافات أولية، ووسائل إطفاء في المنزل".
وفي حال السكن في طوابق مرتفعة، ينبّه عقل في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى "ضرورة ملازمة المنزل، وعدم محاولة المغادرة، والاحتماء تحت طاولة، أو الوقوف بين حائط وخزانة، أو التمركز في زاوية لتوفير فرصة نجاة في حال انهيار المبنى، وتفادي سقوط أيّ شيء على الشخص، وفي حال كان الشخص في السيارة، عليه أن يتوقف فوراً في مكان مكشوف بعيد عن الإشارات واللوحات الإعلانية، وبعيداً عن الأشجار وأعمدة الكهرباء والمباني، وكل ما هو معرّض للسقوط، كما يُفضّل عدم التوقف على الجسور، أو تحتها، كونها أيضا معرضة للانهيار في بعض الأحيان".
وأضاف: "إذا كان الشخص في دورة المياه، فعليه الخروج فوراً، وفي حال كان الفرد نائماً كما حصل مع غالبية الأشخاص في زلزال ليل أمس، فيجب إيقاظهم على الفور بأية وسيلة، ويمكن استخدام الهواتف في ذلك، أو رفع أذان الجوامع، أو قرع أجراس الكنائس، أو إطلاق تنبيهات وإنذارات صوتية، أو صفارات الدفاع المدني، خصوصاً لسكان الطوابق العليا، لما قد تشكّله الهزات من خطورة على حياتهم.
أمّا المرضى وكبار السن والأطفال فيجب مساعدتهم قدر الإمكان، ومن المفضّل في المناطق المعرضة للزلازل أن تكون المنازل مجهّزة بطرق تسهّل عملية الإخلاء، وأن تكون الأغراض الشخصية مثل مفاتيح البيت والسيارة، وبطاقات الهوية والأموال في متناول اليد"، وينبه عقل إلى خطورة إطلاق الرصاص كنوع من التنبيه، لأنه يرعب كثيرين، ويعيق البعض عن المغادرة تفادياً للإصابة برصاصة طائشة.
ويتابع: "على الدول المعرضة للزلازل بشكل متكرر تأمين مبانٍ كبيرة كملاجئ آمنة مخصّصة لإيواء كلّ من يتضرّر منزله، لا سيّما في ظل الأمطار والعواصف كما هو الحال مع الزلزال الحالي، إذ لا يمكن للمتضررين البقاء خارجاً بانتظار ما قد تتسبّب به الهزّات الارتداديّة، كما يجب الاهتمام بالأبنية العامة، مثل المدارس والجامعات والمستشفيات، وتأهيل الثكنات العسكرية والملاعب الرياضية لتكون ملجأ للناس في هذه الأحوال، في حين أن الأوضاع أسهل في فصل الصيف، إذ يمكن الاستعانة بالساحات العامة والحدائق العامة، ولكن كلّ هذه الأماكن والساحات يجب أن تكون مجهزة بوسائل الحفاظ على سلامة الناس".
ويشدّد الخبير في الكوارث الطبيعيّة، على عوامل عديدة للحفاظ على السلامة العامة، من بينها "عمر المبنى، ونوعية البناء، ومدى وعي الناس بطبيعة الهزات والزلازل، وكيفيّة الاستعداد لها، والاستجابة الفورية في حال حدوثها لتفادي الكوارث".