أعرب أمين مركز الدراسات السكانية الاستراتيجية في إيران صالح قاسمي، اليوم الإثنين، عن قلقه من تراجع المؤشّرات السكانية في البلاد، بما فيها نسبة النموّ والخصوبة، في مقابل ارتفاع نسبة الشيخوخة، محذّراً من بلوغ نسبة النموّ السكاني الصفر في خلال المرحلة المقبلة. وقال قاسمي في مقابلة مع وكالة "إيسنا" الإيرانية، إنّ عدد الإيرانيين يتخطّى حالياً 85 مليون نسمة، "لكنّ المؤشرات السكانية تسجّل تراجعاً مقلقاً"، مشيراً إلى انخفاض نسبة النمو السكاني إلى 0.6 في المائة. وفي ظلّ هذه المؤشرات، توقّع قاسمي أن يتراجع النموّ السكاني إلى صفر بعد عقد من الزمن أو بعد 15 سنة، لافتاً إلى أنّه في حال لم يُصَر إلى تدارك الوضع بعد ذلك سوف تدخل البلاد فترة تسجيل النموّ السكاني السالب.
ولفت الخبير السكاني إلى تراجع الخصوبة في إيران، قائلاً إنّها "بلغت نحو 1.6 طفل لكلّ امرأة، ما يمثّل نسبة الخصوبة الأقلّ في كلّ الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، علماً أنّ نسبة الخصوبة في إيران كانت 6.5 أطفال لكلّ امرأة في عام 1986. وحول تراجع نسبة المواليد، أوضح أنّها انخفضت أكثر من 550 ألف ولادة سنوياً في خلال السنوات الخمس الأخيرة، مشيراً إلى أنّ عدد المواليد في عام 2015 بلغ مليوناً و570 ألفاً، لكنّه بلغ في خلال العام الماضي مليوناً فقط.
في المقابل، تشهد إيران زيادة مطردة في أعداد المسنّين، إذ يشكّلون حالياً 10.5 في المائة من عدد السكان، بحسب ما يؤكد قاسمي، الذي توقّع أن تزداد النسبة في عام 2050 أكثر من 32 في المائة، قائلاً إنّ "البلاد سوف تصل في خلال ثلاثين عاماً إلى مرحلة انفجار الشيخوخة، ما يعني أنّها لن تكون بعد ذلك بلداً شاباً".
وعن أسباب تراجع الخصوبة في إيران، تشير دراسات إيرانية عدّة بما فيما دراسة لمركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني نشرها في العام الماضي، إلى سببَين اثنَين، هما العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن دور مجموعة من العوامل الفيزيولوجية والصحية لدى كلّ من الرجال والنساء والموجودة في أيّ مجتمع. وأبرز العوامل الاجتماعية هي تغيّر النظرة الإيجابية تجاه الخصوبة، وتغيّر نمط الحياة، وارتفاع معدّلات الطلاق، بالإضافة إلى متطلبات الحياة الحضرية في المدن، بما فيها مشاركة النساء في مختلف الشؤون ودخولهنّ مجالات العمل والتعليم في الدراسات الجامعية العليا. وتُعَدّ هذه العوامل من تبعات التحوّلات الاجتماعية التي تشهدها إيران في العقود الأخيرة، والتي زادت وتيرتها في خلال العقد الأخير، مدفوعة بالأزمات الاقتصادية المستمرّة. وتأتي هذه التحوّلات في حين أنّ إنجاب عدد كبير من الأطفال قبل أربعة عقود كان أمراً مجتمعياً مستحسناً تقدّسه العائلات إلى حدّ كبير. فعندما كانت الزوجات يتأخّرنَ في الإنجاب كانت تلاحقهنّ "شبهة العقم"، وكان يُنظر إلى الرجل على أنّه "مقطوع النسل". لذلك، كان الإنجاب يشكّل أولويّة للثنائي بعد تشكيل الأسرة، وهو ما تغيّر تماماً اليوم.
ومن العوامل الاجتماعية البارزة أيضاً ارتفاع سنّ الزواج، إذ تشير البيانات الإيرانية إلى أنّ هذا العامل يشكّل 38 في المائة من أسباب تراجع الخصوبة. فمعدّل سنّ الزواج للفتيات في إيران في عام 1963 كان 18 عاماً، فيما ارتفع إلى 23 عاماً في السنوات الأخيرة.
وفي ما يخصّ العوامل الاقتصادية، فإنّ الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها إيران منذ عقدَين تقريباً، خصوصاً في خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب العقوبات الأميركية، تؤدّي دوراً كبيراً في تراجع الخصوبة، سواء لجهة تأثيرها في تراجع إقبال الشبان والشابات على الزواج أو لجهة آثارها على زيادة حالات الطلاق ودفع الأسر إلى تأخير الإنجاب.
في سياق متصل، أدّى انتشار فيروس كورونا الجديد في عام 2020 دوراً في انخفاض الخصوبة في إيران التي تتصدّر دول المنطقة في تفشّي الوباء وعدد الوفيات والإصابات به. فالفيروس يساهم في تأخير قرار الإنجاب، بحسب ما جاء في دراسة حول "التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والسكانية لكورونا" أعدّتها مؤسسة البحوث السكانية ونشرتها في سبتمبر/ أيلول الماضي. ويحذّر خبراء ومتخصصون في علم النفس من أنّ استمرار تفشّي الفيروس مع عدم توفّر أفق لنهايته، سوف تكون له تداعيات مجتمعية واقتصادية صعبة، يمكن أن تدفع الشباب إلى التخلي تماماً عن فكرة الحياة الزوجية.