هل نخاف على الأبناء والأحفاد من الكون الذي أعملنا فيه آلات الدمار حتى لم يتبق منه ما يبشر بخيرٍ للبشرية؟ أم نخاف على الكون من جيل لم نورثه من الأخلاق البيئية ما يعينهم للحفاظ على ما تبقى من موارد؟
فوبيا تتلبسنا، وتضيّق علينا إثر كل حدث، أو موقف، أو كارثة. أو حتى تصريح لأحد سادة العالم الذين لا يشغل بالهم ما يجري من تدمير ممنهج للبيئة والمنظومات البيئية هنا وهناك. فالأنشطة الاقتصادية تتهدد التوازن البيئي، وتزلزل يقين العلماء والخبراء والمهتمين بالشأن البيئي. حقائق علمية تُلوَى أعناقها، وظواهر واختلالات لا تجد من الاهتمام ما يعادل كارثيتها. هل تغضب الأرض؟ هل تحس ما يجري على سطحها، وفي الغلاف الجوي حولها؟
كنا نرى خلال طفولتنا في قطرات الندى على الأديم حين يشتد الحر، أن الأرض الطينية تتعرّق مثلنا تماماً حين يسكن الهواء. وخلنا أن في تفجُّر البراكين والزلازل تعبيراً عن غضب جوف الأرض، مثلما نسمي الفيضان "غضبة النهر". إلا أن ما لم ندركه أن الاستجابة للتنبؤات بمثل هذه الكوارث ضعيفة، تشي بالاستهانة بالعلم وتطوره في مجال قراءة حركة الكون الطبيعية. أو أنه التقاعس عن القيام ببعض الإجراءات التي يمكن أن تخفف من وقع الكارثة، أو تقلل من المخاطر الناتجة عنها. لكن حتى متى نظل نراقب فعل الطبيعة ولا نتحسب له؟
هناك من العاجزين عن الفعل من يرى في نبوءات البيئيين مجرد (فوبيا)، وخوفا لا مبرر له، أو أنه تشاؤم، ونظرة سوداوية من شأنها تعطيل مصالح الناس، كأن تخرج عليك مؤسسة رسمية بقولها إن من حقها قطع الغابات مادام أفرادها يحرسون الحدود من دخول الأعداء، فمن العدو هنا؟ إنهم لا يعترفون بوجود أي كائن آخر سوى الإنسان، بل حتى هذا الإنسان يبقى في عينهم معوقاً إن قام بفضح نشاطاتهم السلبية. يقاومونه بشتى الوسائل حتى يتواصل فعلهم.
كم من مرة أعلنت مراكز التنبؤات البيئية بحلول كارثة ما، فتجاهل الأمر من بيده القرار حتى تقع، ويسقط الضحايا من البشر والكائنات الأخرى. ونسوق في كل مرة قصة ذلك الراعي الذي راقب فأرة صغيرة تقوم بنقل صغارها من تحت الشجرة في قلب الوادي إلى أعلاها، فأيقن أن المياه قادمة، وهرع إلى أغنامه ليخرجها من المجرى، وينبّه صاحب السيارة الذي قرر أن يقضي النهار تحت أشجار الوادي برفقة آخرين، بأنه لا قبل لهم بمجابهة عنفوان المياه، فضحكوا، وما هي إلا دقائق حتى أخذتهم المياه في وجهها، ونجا الراعي وأغنامه، والفأرة وصغارها، لأنه بـ"الغريزة تستشعرالأخطار".
عادت كورونا في موجتها الثانية، أو أنها لم تمض تماماً، ومثل ما حدث في السابق تفاوتت درجات التفاعل معها، بين استجابات قصوى، وإهمال لا محل له من الإعراب سوى أن البشر في حاجة للكوارث كي يحسوا بأنهم أحياء.
*متخصص في شؤون البيئة