دخلت احتجاجات الأساتذة في المغرب لإسقاط النظام الأساسي لموظفي قطاع التعليم وما يُرافقها من شلل في المؤسسات التعليمية أسبوعها الخامس، دون أن تظهر في الأفق أي إشارات بقرب إنهاء الاحتقان غير المسبوق، الذي يلقي بظلاله على القطاع منذ بدء العام الدراسي الحالي.
وبدأ آلاف الأساتذة في المغرب إضراباً جديداً، اليوم الثلاثاء ولمدة ثلاثة أيام، مع تنفيذ احتجاجات أمام الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية للتربية والتكوين، وذلك رفضاً للمقتضيات الجديدة التي جاء بها النظام الأساسي لموظفي القطاع. فالهيئات النقابية والتنسيقيات التعليمية المختلفة ترى أنه لا يُلبي مطالب العاملين في القطاع ولا يُحقّق الإنصاف في عدد من الملفات العالقة، من قبيل الدمج الفعلي للأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد، مع عدم توفر تعويضات مناسبة، والإجهاز على الحق في الترقية بالشهادة من خلال ربطها بالمناظرة وتوفر المناصب المالية، وخلق فروقات بين الفئات التعليمية. يأتي ذلك إلى جانب إثقال هيئة التدريس بمهام تصنّف بحكم التطوع، وعدم تقليص ساعات العمل، وتكريس نظام التعاقد في قطاع التعليم عبر تعزيز إطاره القانوني.
في المقابل، تفيد الوزارة الوصية على القطاع بأن النظام الجديد يحافظ على كل المكتسبات السابقة، ويستجيب لمطلب توحيد المسارات المهنية، كذلك يتضمّن مقتضيات عدّة في مجال التحفيز سوف تستفيد منها هيئة التدريس، ويستجيب لمطالب طال انتظارها لا سيّما من خلال فتح أفق الترقي لبلوغ الدرجة الممتازة بالنسبة إلى مجموعة من الفئات. تضيف أنّه سوف يصار كذلك إلى إقرار نظام وآليات أخرى للتحفيز، تراعي المردود المهني.
وبينما قاطع التنسيق النقابي الرباعي في قطاع التعليم (مكون من الجامعة الوطنية للتعليم التابعة للاتحاد المغربي للشغل، والنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والجامعة الحرة للتعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والنقابة الوطنية للتعليم التابعة للفدرالية الديمقراطية للشغل) اجتماعاً دعا إليه وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى أمس الاثنين، ما زال الغموض يلف موعد عقد الحكومة لجلسات الحوار مع النقابات حول تجويد النظام الأساسي الجديد، إذ لم توجه اللجنة المكلفة من قبل رئيس الحكومة، والمكونة من وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات والوزير المكلف بالميزانية ووزير التعليم إلى حد الساعة أي دعوات للنقابات التعليمية للحوار.
ويأتي الإضراب الجديد في وقت يتصاعد غضب الأسر المغربية والعديد من الفعاليات المدنية جراء هدر الزمن المدرسي، وتزايد مطالبها لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بتقديم إجابات وإيجاد الحلول في أسرع وقت.
وفي السياق، قالت "الجمعية المغربية لحقوق المستهلك"، إنها تتابع بقلق كبير حالة الاحتقان غير المسبوق الذي يشهده قطاع التعليم، مما يؤثر سلبا على المدرسة العمومية ويحرم ملايين المتعلمات والمتعلمين من الحق في التمدرس وتكافؤ الفرص وجودة التعلّمات، ويُعرضهم للهدر المدرسي.
وحمّلت الجمعية، في بيان سابق لها صدر الأحد، كامل المسؤولية للوزارة الوصية والهيئات النقابية المسؤولة في ما يعانيه قطاع التعليم اليوم بشكل عام والمدرسة العمومية بشكل خاص، من توتر وتهميش، داعية "كل عقلاء وحكماء الوطن للتدخل والانخراط الجاد من أجل إيقاف نزيف ضياع الزمن المدرسي للمتعلمين وضمان حق التمدرس، في جو يوفر شروط التحصيل وجودة التعليم وتكافؤ الفرص من دون إهمال حقوق وكرامة كافة مكونات هيئات نساء ورجال التعليم".
من جهته، اعتبر رئيس "الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان (تنظيم حقوقي مستقل) محمد رشيد الشريعي، أن إضراب الأساتذة يمكن تصنيفه في خانة الحِراكات الاجتماعية التي يعرفها المغرب بين الفينة والأخرى، بعد تجاوزه للإطار المكاني بنجاحه في إخراج فئات أخرى للاحتجاج كالتلاميذ والآباء، ومن حيث استقلاليته عن التأطير النقابي الكلاسيكي، وطبيعة وحجم أشكاله النضالية كماً وكيفاً، واستمراريته في الزمان.
وقال الشريعي، في حديث مع "العربي الجديد": "لا يتعين اختزال أسباب ما يقع في نص قانوني معزول (النظام الأساسي) رغم أنه الشعار الأبرز لهذا الحراك، لافتا إلى أن الأسباب العميقة لهذا الوضع تتمثل في ما وصلت إليه المدرسة العمومية المغربية من وضعية تلخصها الدرجات المتدنية التي تحتلها في مجموعة من التصنيفات العالمية، وأيضا الوضعية المزرية التي يعيشها نساء ورجال التعليم سواء مادياً أو اجتماعياً".
وأضاف: "هذا الوضع العام كان نتيجة طبيعية لسياسات الدولة في قطاعات كثيرة ومن بينها التعليم انصياعا لإملاءات الدوائر المالية العالمية، لذلك بدأت بالرفع التدريجي ليدها عن هذه القطاعات لأنها تعتبرها غير منتجة. وهذا غير صحيح لأن قطاع التعليم مثلاً هو قطاع منتج لأهم ما تحتاجه القطاعات الأخرى أي إنتاج الكفاءات والأطر والتي تشرف على تسيير القطاعات الأخرى".
وتابع: "على الوزارة أن تستجيب بشكل فوري لمطالب نساء ورجال التعليم، لأن المسؤول عن هذا الوضع هو الدولة"، معتبرا أن "هذا الوضع يضرب حقوق الأستاذ والتلميذ معا، لأن الإطار المكاني والقانوني الذي يحتضن الاثنين هو المدرسة العمومية، ما يجعل حقوقهما مترابطة ومتداخلة والدليل على ذلك خروج التلاميذ بشكل عفوي للاحتجاج في بعض المدن ليس على الأساتذة، بل على الوزارة. رغم أن هناك من يريد أن يسوق إعلامياً أنّ هذا الإضراب هو ضرب لحق التلميذ في التمدرس".
واعتبر أنّه "ليس هناك أي تقابل أو مواجهة أو تضاد بين حق الأستاذ وحق التلميذ فالمصير واحد، فمن العار أن نختزل حق التلميذ في العودة إلى الفصل، أي حق هذا في قسم مكتظ بالتلاميذ؟ وفي مؤسسة تفتقر لأبسط وسائل التحصيل العلمي؟ أي حق هذا في وجود مُدرسّ مسلوب للكرامة؟ وكيف لمدرس أن يعلم تلاميذه الكرامة وهو يفتقدها؟ لذلك فحق التلميذ في التمدرس، ونحن ندافع عنه، لا يمكن اختزاله في العودة إلى الفصل الدراسي فقط، بل هو هذا الكُلّ الذي تحدثنا عنه".