استمع إلى الملخص
- **تأثير قطع الأشجار على المساحات الخضراء**: فقدت القاهرة ملايين الأمتار المربعة من المساحات الخضراء بسبب قطع الأشجار. نصيب الفرد من المساحة الخضراء في مصر أقل بكثير من توصيات منظمة الصحة العالمية.
- **التغيرات المناخية وتأثيرها على مصر**: التغيرات المناخية تؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وتقلبات جوية في مصر. قطع الأشجار يزيد من انبعاثات الكربون ويعجل بالاحتباس الحراري. هناك حاجة لتوعية المواطنين ووضع استراتيجية شاملة لتحقيق الأهداف البيئية.
مع إعلان هيئة الأرصاد الجوية في مصر ارتفاع درجات الحرارة في أنحاء الجمهورية، عادت إلى الواجهة إجراءات الحكومة الخاصة بقطع الأشجار في المناطق السكنية وعلى الطرقات من أجل توسيعها. وتشدد الحكومة على أن ارتفاع الحرارة ظاهرة عالمية بسبب التغيّرات المناخية، لكنها تتغافل عن الحقيقة العلمية الخاصة بمساهمة قطع الأشجار في زيادة الإحساس بالحرارة.
في دول الخليج العربي التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في درجات الحرارة خلال الصيف، يتوقف العمل عند تجاوز 32.1 درجة مئوية، ويمنع العمل في مواقع الإنشاءات المفتوحة خلال فترة القيظ. وفي الصين وتايلاند تنص القواعد على وقف العمل عند وصول الحرارة إلى 34 درجة مئوية، بينما تلزم المادة 208 من قانون العمل في مصر أصحاب المنشآت بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية للعمال، وتأمين البيئة المناسبة في أماكن العمل من أجل ضمان الوقاية من مخاطر الحرارة والبرودة، لكن الواقع يخالف ذلك.
ويتحدث ناشطون عن أن عمليات توسيع الطرقات وإقامة مشاريع إنشائية شهدت قطع آلاف الأشجار في القاهرة حتى يناير/ كانون الثاني 2020. وتشير دراسات وأبحاث إلى أن "مصر فقدت أكثر من 4 ملايين متر مربع من المساحات الخضراء خلال السنوات العشر الأخيرة، من بينها 911 ألف متر مربع في القاهرة وحدها بين عامي 2017 و2020". وارتبط جزء كبير من قطع الأشجار في القاهرة بتوسيع شبكات النقل لتلبية احتياجات العاصمة الإدارية الجديدة ومساحتها أربعة أضعاف مساحة واشنطن العاصمة، وصُمّمت لاستيعاب 6.5 ملايين شخص وتخفيف الازدحام في القاهرة.
وتقول رحاب رجائي في منشور على منصة إكس، إن "حي مصر الجديدة فقد وحده نحو 90 فدانا من مساحته الخضراء، إذ جرى قطع نحو 2500 شجرة بين عامي 2019 و2020، وبينها أشجار معمّرة لإنشاء نصب تذكاري لإحياء ذكرى مشاريع بناء الطرق والجسور. كما أبيدت كل أشجار الكافور المعمّرة في كورنيش النيل بالعجوزة في يناير 2021".
وتوصي منظمة الصحة العالمية بألا يقل نصيب الفرد من المساحة الخضراء عن تسعة أمتار مربعة لتعزيز الصحة العامة، لكن دراسة نشرتها "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 تكشف أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء في مصر لا يتجاوز 17 سنتيمتراً مربعاً. وهذا الرقم مرشح للتقلص بسبب استمرار قطع الأشجار.
وفي 5 أغسطس/ آب 2022، قالت وزيرة البيئة ياسمين فؤاد إن "الشوارع التي قُطعت أشجار فيها لتوسيع طرقات أقل تلوّثاً من شوارع ضيقة تضم أشجاراً"، ما جعلها هدفاً لسخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم الإعلان دورياً عن عدد من المبادرات، مثل "مبادرة 100 مليون شجرة" على مدار سبع سنوات، لم تخرج هذه المبادرات من إطار تصريحات الاستهلاك المحلي، ولم تنفذ معظمها على أرض الواقع.
ويرصد متابعون كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي "مذابح الأشجار" بحجة "التطوير"، وينشرون صوراً لانتهاكات في مختلف المحافظات المصرية قبل التطوير وبعده، حيث تحوّلت الأماكن الخضراء إلى أرصفة إسمنتية ورخام ومظلات خشبية.
اللافت أن محافظات كثيرة محرومة من "التطوير"، فيما يجري تنفيذ مشروع "النهر الأخضر" في العاصمة الإدارية الجديدة بمساحة 6200 فدان، والذي تقول السلطات إنه سيزرع بنباتات نادرة ويتضمن بحيرتين صناعيتين، الأولى بمساحة أربعة فدادين، والثانية بمساحة 25 فداناً مخصصة للألعاب المائية.
وسعى مسؤولون حكوميون إلى تسليط الضوء على المشاريع الخضراء في العاصمة الإدارية الجديدة، ومن بينها الحدائق والنقل الذكي واستخدام الطاقة المتجددة. لكن منتقدي خطط التنمية الحضرية عارضوا توجّه الحكومة بموجب أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030.
ويتحدث أحمد سبع الليل، الناشط في قضايا البيئة والمناخ ومدير موقع المناخ، لـ"العربي الجديد"، عن تأثير التغيرات المناخية العالمية على مصر، وكيفية مواجهة ارتفاع درجات الحرارة، ويقول: "قد تؤثر التغيرات المناخية العالمية على مصر بشكل كبير، وتتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر ما يؤدي إلى حدوث فيضانات في المناطق الساحلية ومناطق الدلتا المهددة بالغرق، وأيضاً في تقلبات جوية مفاجئة تؤثر على الزراعة والإنتاج الغذائي، وتتكرر الظواهر الجوية المتطرفة مثل العواصف والجفاف والسيول، رغم أن انبعاثات مصر من غاز ثاني أوكسيد الكربون لا تتجاوز نسبة 0.6% من الانبعاثات العالمية، لكنها من بين الدول الأكثر تأثراً بتغير المناخ الذي ينعكس سلباً على الزراعة والطاقة والنقل والصناعة، وعلى الفئات التي يجب أن تحظى بالرعاية الأكبر مثل النساء والأطفال وكبار السن".
يضيف: "تساهم التغيرات المناخية في ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة، ما قد يتسبب في جفاف ونقص الموارد المائية وحرائق في الغابات. أما قطع الأشجار فيزيد انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، ويقلل قدرة الغابات على امتصاصه، ما يزيد تسارع ظاهرة الاحتباس الحراري وموجات المناخ المتطرفة". ويشير سبع الليل إلى أن "توعية المواطنين والمسؤولين بخطورة قطع الأشجار تلعب دوراً مهماً في الحفاظ على البيئة والحيوانات البرية وإثراء التنوع البيولوجي، كما تساهم في تغيير السلوكيات للحفاظ على الغابات والمساحات الخضراء، والمسؤولون بدورهم هم أفراد في المجتمع، وتجب مواصلة حملات توعية كافة الفئات بدءاً بالأطفال في المدارس مروراً بالشباب في الجامعات وصولاً إلى قادة المجتمع والمسؤولين. أيضاً يجب أن ننقل التوعية من النظريات إلى التطبيقات العملية البسيطة، مثل تنفيذ ورش لإعادة تدوير كل المخلفات الورقية والزراعية والبلاستيكية وغيرها، وحملات زراعة الأسطح، والتشجير ونظافة الشواطئ. ومن المهم تشكيل لجان لحماية البيئة بالتعاون مع المجتمع المدني والجهات الحكومية المسؤولة، والاهتمام بتفعيل قوانين البيئة الحالية، ودراسة إصدار قوانين جديدة".
ويشير إلى أن "هناك العديد من مشاريع التشجير التي يجري الترويج لها أو بدأ تنفيذها بهدف تعزيز استعادة الأراضي والغابات والتنوع البيولوجي، وتقليل انبعاثات الكربون، وتعويض الأراضي الزراعية المفقودة، مثل مشروع توشكي ومحطة مياه بحر البقر ومشروع زراعة النخيل والعوينات وغيرها. وتنفيذ هذه المشاريع خطوة إيجابية لمواجهة آثار التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة، لكن أهدافها سياسية أيضاً. وهناك حاجة ملحة لإشراك كافة أطياف المجتمع وفئاته، خاصة الشباب والأطفال، ووضع استراتيجية شاملة لكل قطاع وضمان تعاون كل الجهات لتنفيذها بسلاسة بهدف الوصول إلى الأهداف المناخية والبيئية المنشودة بشكل سريع وفعّال، ولا بدّ من مصارحة المواطنين وعدم تبرير الأفعال المغلوطة ومحاربة الفساد البيئي".