تتواصل هجرة الأطباء والكوادر الصحية في المغرب نحو الدول الأوروبية خصوصاً، ويستمرّ بذلك النزيف في وقت تعاني فيه المنظومة الصحية من نقص. وقد أفاد تقرير رسمي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مؤسسة دستورية لحماية حقوق الإنسان والحريات في المغرب، اليوم الجمعة، بأنّه في مقابل 23 ألف طبيب مغربي يعملون في المغرب، ثمّة ما بين 10 آلاف و14 ألف طبيب مغربي يعملون في بلاد المهجر، لا سيّما في أوروبا.
وبحسب التقرير الذي يحمل عنوان "فعلية الحق في الصحة بالمغرب: التحديات والرهانات ومداخل التعزيز"، فإنّ الإحصاءات المقدّمة تبيّن أنّ طبيباً واحداً من بين كلّ ثلاثة أطباء مغاربة تقريباً يعمل في خارج البلاد.
ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه المنظومة الصحية المغربية من نقص في عدد الكوادر الصحية، إذ يعمل في البلاد 23 ألف طبيب في حين أنّ الحاجة تشير إلى 32 ألف طبيب إضافي، بحسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية. كذلك فإنّ ثمّة حاجة إلى أكثر من 65 ألف مهني صحي.
ويتزامن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان مع تحديات عديدة تواجهها خطة المغرب لتعميم الحماية الاجتماعية على المواطنين، والتي تشمل تعميم التغطية الصحية. ولعلّ أبرز التحديات هو النقص الكبير في الأطباء وتركّزهم في المدن على حساب الأرياف. وقد ظهر هذا النقص في أعداد الأطباء أكثر في خلال أزمة كورونا. وتُسجَّل مخاوف من أن يؤثّر ذلك سلباً على نجاح تعميم نظام التغطية الاجتماعي، الذي يسعى إلى توفير تغطية صحية لـ22 مليون مواطن لا يستفيدون حالياً من تأمين صحي، في ظلّ عجز في الموارد البشرية من جرّاء هجرة الأطباء إلى الخارج.
وإلى جانب التداعيات السلبية لهجرة الأطباء على الوضع الصحي في المغرب، من قبيل وفيات الأمّهات والأطفال دون الخامسة من عمرهم، خصوصاً تبرز خسائر تتعلق بالنفقات الكبيرة لتخريج أطباء في المغرب، وذلك بعد هجرتهم وعدم استفادة وطنهم من كفاءاتهم وخبراتهم. وفي هذا الإطار، وبحسب تقرير أصدرته المجلة الطبية البريطانية في يناير/ كانون الثاني 2020، فإنّ نسبة تكلفة هجرة أطباء المغرب تتراوح ما بين 0.10 و0.25 في المائة من الناتج المحلي، الأمر الذي يُظهر الحجم الكبير لما يخسره المغرب سنوياً من جرّاء هجرة أطبائه.
من جهة أخرى، انتقد تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان ضعف التمويل الصحي، إذ إنّه ما زال يتراوح ما بين ستّة وسبعة في المائة من الموازنة العامة بدلاً من 12 في المائة الموصى بها من قبل منظمة الصحة العالمية. وبيّن التقرير أنّ الأسر المغربية تتحمّل أكثر من 50 في المائة من المصاريف الصحية، وأكثر من 63 في المائة منها إذا احتُسبت مساهمتها في التغطية الصحية، موضحاً أنّ الأمر يمثّل عائقاً حقيقياً أمام المواطنين في الحصول على العلاج.