تحذّر المنظمات البيئية منذ سنوات من الخطر الذي باتت تواجهه الثروة الغابية التونسية، سواء بسبب الجفاف أو الحرائق صيفاً، أو بسبب سرقة الحطب من مساحات كبيرة، وخصوصاً في الشمال الغربي. وعلى الرغم من إشراف الإدارة العامة لحماية الغابات في مختلف الجهات على مراقبة استغلال المنتجات الغابية التي يخضع مستغلوها إلى تراخيص مسبقة، إلا أن مساحات شاسعة منها تتعرض إلى الاعتداء سنوياً وخصوصاً سرقة الخشب.
وتمتدّ الغابات في تونس على مساحة تقارب حوالي 4.6 ملايين هكتار، أي ما يعادل 34 في المائة من مساحة التراب الوطني، فيما يبلغ عدد سكان الغابات 800 ألف، أي حوالي 7 في المائة من مجموع السكان. وتقدّر القيمة الاقتصادية للغابات والمراعي بنحو 300 مليون دولار. وتوفر الغابات 14 في المائة من استهلاك الطاقة.
كما تزخر الغابات، لا سيما في الشمال والشمال الغربي، بأشجار الفلين والصنوبر والزان والسرو والعرعار، وغيرها من الأشجار التي تحرق سنوياً من قبل أشخاص لغايات عدة، من بينهم عصابات سرقة الخشب لاستعماله في الصناعة أو غير ذلك.
ويرى العديد من خبراء البيئة أن نسبة كبيرة من الحرائق التي تشهدها تونس كل صيف ليست إلا بفعل فاعل، وتقف وراءها عصابات سرقة الخشب إذ إن استغلال أخشاب الأشجار يتطلب تراخيص مسبقة، ويقيد بكميات محددة لحماية الثروة الغابية. لكن بعد الحرائق يمكن استغلال عشرات الهكتارات التي احترقت، وخصوصاً أن الأشجار لا تحترق نهائياً بل تبقى منها أجزاء كبيرة يمكن استغلالها.
ويقول الخبير في القضايا البيئية وتغير المناخ حمدي حشاد، لـ "العربي الجديد": "ثبت أن العديد من الحرائق في تونس هي بفعل فاعل، وقد كشفت الأجهزة الأمنية والأبحاث ذلك. وغالباً ما يكون وراءها تجار الخشب أو العقاريون ممن يريدون استغلال عدة مساحات لتشييد المباني، وخصوصاً أن العديد من الغابات التي احترقت توجد في عدة مناطق بالشمال وبعضها قريب من البحر". يضيف أن "تجار الخشب ومن يصنعون الفحم يستغلون تلك الحرائق أيضاً في أعمالهم".
وفي وقت سابق، أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الاعتداء على نسبة كبيرة من الغابات في عدة مناطق، من بينها قطع أكثر من 400 شجرة من أشجار الزان المعمرة من أجل صناعة الفحم. ويصل معدل أعمار تلك الأشجار إلى ما يزيد عن مائتي سنة، وتمثل ثروة وموروثاً إيكولوجياً يستحيل تعويضه. كما أكد أنه على الرغم من التشريعات الرادعة المنصوص عليها في مجلة الغابات الصادرة في 1966 والمنقحة في 1988، والحراسة التي يؤمنها أعوان إدارة الغابات، إلا أن الاعتداءات من هذا القبيل كثرت في الآونة الأخيرة، بل وهي في نسق تصاعدي منذ الثورة، إذ يستغل هؤلاء المجرمون غياب الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي تعرفه البلاد لتحقيق أرباح على حساب الثروة الغابية.
وأشار المنتدى إلى أن شبهات فساد تسود منح التراخيص، منها تراخيص المرعى وقطع الأشجار، كما حدث في غابة عين دراهم حين منح ترخيص لقطع 200 هكتار من أشجار الصنوبر من دون مراعاة للمعاهدات والبروتكولات التي وقعت عليها البلاد من أجل حماية الغابات وتحقيق التوازن البيئي والمناخي.
وأكد المنتدى في تقريره أنّ العديد من تجار الخشب والفحم يستغلون الثروات الغابية بطريقة عشوائية مما يتسبب في العديد من الكوارث منها قطع الأشجار والرعي العشوائي للأغنام والتوسع الزراعي والعمراني على حساب مساحة الغابات مما يفاقم من ظاهرة التصحر، ويحول عدة غابات إلى مصبات عشوائية للفضلات. إضافة إلى البناء داخل الغابة الذي يغير من صبغتها العقارية مما يتناقض مع الفصل 48 من مجلة الغابات الذي يحجر تغيير الصبغة العقارية لملك الدولة الغابي.
وتسجل إدارة الغابات سنوياً عدة أنواع من الاعتداءات على الملك الغابي سواء من مواطنين عاديين أو أشخاص مجهولين. أهمها سرقة أغصان الأشجار الكبير أو حتى قطع بعض الأغصان الصغيرة لصناعة الفحم. وسجلت حوادث عدة أيضاً لسرقة هكتارات من أشجار الزيتون وقطعها لصناعة الفحم الفاخر الذي يباع بأسعار مرتفعة. ولكن تراجع عدد حراس الغابات يحول دون التصدي للاعتداءات قبل وقوعها.
وسبق أن أشار العديد من المسؤولين إلى أزمة نقص حراس الغابات مقارنة بمساحة الغابات، الأمر الذي زاد مشكلة تلك الاعتداءات التي تسجل سنوياً في مساحات عدة. وحسب تصريحات لوزير الفلاحة السابق سمير بالطيب، فإن الغابات تحتاج إلى أكثر من 13 ألف حارس غابات. إلا أن عدد الحراس اليوم لا يتجاوز 7500 حارس من بينهم 5150 حارس غابات، و123 حارساً لسباسب الحلفاء، و212 حارس صيد، و256 حارس برج مراقبة، وهو أسطول ضعيف بالمقارنة بمجمل المساحة للمجال الغابي في تونس.
ودعت العديد من المنظمات خلال السنوات الخمس الأخيرة إلى توفير أعوان حراسة للغابات التي تشكو خلواً تاماً أو نقصاً كبيراً بعد إحالة حراسها على التقاعد وتركها عرضة للانتهاكات والاعتداءات المتكررة، وتحولها لمراع أو مصبات عشوائية.
وطالبت المنظمات، وخصوصا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بإعادة النظر في طريقة منح الرخص من قبل إدارة الغابات في شتى المجالات، على غرار قص الخشب، الرعي، الصيد، أو إستغلال نباتات طبية وغيرها، مع ضرورة تطبيق أقصى العقوبات إذا ثبتت شبهة فساد أو رشوة على عون أو مسؤول مهما كانت رتبته.
فيما يذهب عدد من المسؤولين إلى التأكيد على أنّ الحرائق غايتها بث الفوضى. وأكد الرئيس التونسي أن بعض الحرائق التي سجلتها عدة مناطق في تونس تمت بفعل فاعل يريد الاستفادة سياسياً، معتبراً أن مرتكبي هذه الجرائم ليس لديهم وعي بضرورة الحفاظ على الثروة الغابية.