- الدكتور محمد مقدادي ينوه إلى أن الأرقام المعلنة قد لا تعكس الواقع بدقة بسبب تكرار الحالات وعدم تطبيق نظام الأتمتة، مؤكدًا على ضرورة توفير الدعم للضحايا.
- الدكتورة زهور الغرايبة تشير إلى زيادة جرائم القتل الأسري وتعدد أسباب العنف، مؤكدة على أهمية التوعية القانونية ومواجهة الوصمة الاجتماعية التي تمنع الضحايا من الإبلاغ.
تحصل ممارسات عنف أسرية كثيرة خلف الأبواب المغلقة للمنازل في الأردن. ورغم أن وقائع قليلة تخرج إلى العلن، ويجري الحديث عنها وعن تداعياتها على المجتمع، لكنها تكفي لكشف حقيقة أن مشكلة العنف الأسري كبيرة وتتوسع.
أظهر التقرير السنوي للفريق الوطني لحماية الأسرة من العنف في الأردن، أن 58.068 حالة عنف أسري سُجلت العام الماضي، وذلك استناداً الى بلاغات قدمتها 15 جهة معنية للفريق. وأوضح التقرير أن الحالات شملت أنواع العنف الجسدي والجنسي والنفسي والإهمال، وأنها زادت بنسبة 38% عن عام 2022 الذي شهد تسجيل 41.966 حالة. وتوزعت حالات العنف الأسري بين 34.732 حالة عنف جسدي، و6446 حالة عنف جنسي، و10.028 حالة عنف نفسي، و6858 حالة إهمال. وشكلت الإناث غالبية الضحايا بنسبة 80% من الحالات، وبلغ نسبة العنف الذي ارتكبه الأزواج 62%.
يقول الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد مقدادي، لـ"العربي الجديد": "لا يمكن تعميم البيانات والإحصاءات التي تضمنها التقرير باعتبارها دقيقة وعلى مستوى الوطن، فأرقام الحالات نتجت من تقديم 15 مؤسسة بيانات للفريق الوطني لحماية الأسرة، كما يمكن أن تكون الحالات المسجلة تكررت مرات بعدما راجع أصحابها أكثر من مؤسسة تقدم خدماتها لمن يتعرضون لعنف أسري، ومنها مديرية حماية الأسرة التابعة للأمن العام، ووزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الصحة، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الداخلية، إضافة الى العديد من مؤسسات المجتمع المدني".
ويوضح أن "المؤسسات تُحصي الحالات التي تراجعها، والتي قد تتكرر، لذا لا تعتبر أرقامها دقيقة بسبب عدم تطبيق كل المؤسسات التي تتعاون مع الفريق الوطني لحماية الأسرة نظام الأتمتة".
ويشير مقدادي إلى عدم كشف أي دولة في العالم كل حوادث العنف الأسري، وأن الاعداد المعلنة تتعلق بالحالات التي يوفرها مقدمو خدمات القطاع الصحي. ويقول: "يجب أن تهتم منظومة الحماية في الأردن بكل حالات العنف الأسري سواء أكانت قليلة أم كثيرة، فهذه الاعتداءات تتعلق ببشر، وكل حالة مهمة، خاصة أن أكثر الاعتداءات تقع على النساء والأطفال، أي الفئات الأكثر ضعفاً وتعرضاً للعنف داخل الأسرة".
ويُشير إلى أن "الدول التي لا تعلن أرقام عنف لا تقدم غالباً الخدمات المطلوبة لهذه الفئة، لكن تجري دراسات دائمة لنسب تعرّض الأشخاص لعنف في الأردن ودول مختلفة، وتوفر عادة أرقاماً أكبر من تلك التي ترد إلى مقدمي الخدمات. في الغالب، يكون الرقم المتعلق بالعنف الأسري في الأدبيات العالمية أكبر من المعلن، وما يحدث داخل الأسرة لا يسهل كشفه إلا في حال تلقي الخدمات الخاصة بالحالات، أو تقديم شكاوى لدى الأجهزة الأمنية. كما أنه ليس من السهل تخفيض العنف من خلال الخدمات المقدمة، فالاستجابة تحصل بعد حصول الحالات".
يتابع: "في حين يجري الحديث حالياً عن نبذ العنف والوقاية منه تشكل برامج وحملات التوعية التي تنفذها المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني عوامل مهمة لتغيير المعايير والثقافة السلبية التي تسود لدى بعض أفراد المجتمع الذين يرون أن العنف الأسري شأن خاص لا يجوز أن يتدخل فيه فرد أو مؤسسة". ويتحدث عن "وجود أسباب عدة لزيادة العنف الأسري منها الوضع الاقتصادي، وتعاطي المواد المخدرة، وقبول العنف بسبب مفاهيم اجتماعية خاطئة تفيد بأنه أحد وسائل التأديب. أيضاً تحتاج الوقاية إلى بذل جهود أكبر والتحلي بصبر وتوفير موارد، وأن تتكاتف كل المؤسسات الوطنية مع تأمين ميزانيات لتحسين الأوضاع الأسرية وتغيير الثقافة السائدة والمناهج التعليمية للحض على احترام الآخرين، ونبذ العنف الذي ينعكس على الأسر" .
وتقول الباحثة في جمعية معهد تضامن النساء الأردني، الدكتورة زهور الغرايبة، لـ"العربي الجديد": "نتخوف دائماً، لدى قراءتنا أرقاماً تؤكد تزايد العنف، من ارتكاب عدد أكبر من جرائم القتل الأسرية. ولاحظنا لدى قراءتنا نتائج إحصاء أجري أخيراً أن جرائم القتل الأسرية زادت في السنتين الأخيرتين، ولم تقتصر التغيّرات على الأرقام والإحصاءات، بل على نوعية الجرائم المؤلمة" . وتتابع: "تحصل غالبية الجرائم في الأسر من ذكور ضد إناث، ونجد أن الجاني هو الزوج أو الأب أو الأخ في غالبية الجرائم، في حين يندر أن ترتكب إناث جرائم ضد ذكور". وترى أن "نوعية الجرائم المرتكبة تدل على أنها مركبة ومكررة، وأن أنواعاً متعددة من العنف جرت ممارستها على الضحايا قبل بلوغ مرحلة ارتكاب جريمة قتل. وهناك عدة أسباب لارتكاب العنف الأسري، أهمها اقتصادية ونفسية. ويعتبر عدم القدرة على التعامل مع مفهوم الأسرة أحد أهم الأسباب التي تزيد العنف، وهذا واقع".
وحول العامل النفسي، توضح زهور أن الأشخاص الذين يعانون أمراضاً نفسية في المجتمع الأردني يواجهون وصمة اجتماعية سيئة اذا زاروا أطباء أو مصحات نفسية، لذا نجد أن غالبية العائلات التي تضم هؤلاء الأشخاص يتسترون عليهم، وعندما يصبحون بعمر الزواج تعتقد العائلات بأن تزويجهم قد يغيّرهم، لكن النتيجة هي العنف الأسري الذي قد يستمر في وقت يتجنب الأهل والزوجان اللجوء الى الطلاق". وتلفت زهور إلى أن "العامل الاقتصادي ومستويات البطالة العالية وضعف المشاركة الاقتصادية وأثرها على الأسرة من أسباب زيادة العنف والجريمة". وتذكر أن أشخاصاً لا يقدمون شكاوى عن تعرضهم لعنف لأن كثيرين يقعون تحت وصمة الصمت أو العار إذا فعلوا ذلك". وتشدد على أهمية نشر ثقافة التوعية القانونية بالحقوق والواجبات وآليات تقديم الشكاوى لمواجهة العنف الأسري.