لم يعد الأردن بين البلدان التي تشهد معدلات انتشار محدودة للمخدرات، أو منطقة عبور لها فقط، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية، وأبرزها الحرب في سورية التي أوجدت منطقة نفوذ لعصابات المخدرات في جنوب هذا البلد. وسجلت 1580 قضية مخدرات منها 476 للترويج والاتجار في فبراير/ شباط الماضي، وأوقف 895 مروجاً وتاجراً، و2197 متهماً بالتعاطي.
وأعلنت مديرية الإعلام العسكري في الشهر ذاته، مقتل 30 مهرباً خلال فترة وجيزة، وضبط كمية 17,348 کف حشيش، وأكثر من 16 مليون حبة مخدرة على الحدود الشمالية مع سورية، ورصد 160 شبكة تعمل داخل العمق السوري.
وعرفت البلاد زيادة كبيرة في تجارة المخدرات وتعاطيها في السنوات الأخيرة. فمدير إدارة مكافحة المخدرات العقيد حسن القضاة أعلن رصد 12,815 قضية خلال الفترة الزمنية بين مطلع عام 2021 حتى نهاية أغسطس/ آب الماضي، تورط بها 19,000 شخص، ما يعني بحسب مصادر مطلعة أن تصريح وزير الداخلية مازن الفراية في مجلس النواب أخيراً بأن الأردن لا يزال منطقة لعبور المخدرات وليس مقراً لها، ينقصها الاعتراف والإقرار بالتغييرات.
وازدادت قضايا الاتجار بالمخدرات المضبوطة وتعاطيها بنسبة 3 في المائة، علماً بأنها بلغت 19,500 قضية عام 2019، و20,055 العام الماضي، بحسب ما أظهره التقرير الإحصائي السنوي الذي نشرته إدارة المعلومات الجنائية التابعة لمديرية الأمن العام. وارتفع العدد بنسبة 26 في المائة عدد قضايا الاتجار من 3137 عام 2019 إلى 3937 العام الماضي، وبلغت قضايا التعاطي 16,363 عام 2019 و 16,118 العام الماضي.
في هذا السياق، تقول الاختصاصية في علم الجريمة الدكتورة خولة الحسن لـ"العربي الجديد": "تظهر أرقام قضايا المخدرات بحسب التقرير الإحصائي الجنائي الذي أصدرته إدارة المعلومات الجنائية التابعة لمديرية الأمن العام أن قضايا المخدرات، سواء تعلّقت بالاتجار أو الحيازة أو التعاطي في زيادة مطردة ومستمرة بلغت نسبة 66 في المائة بين عامي 2015 و2020، ما يشكل عبئاً أمنياً إضافياً على المجتمع، وكذلك على الجهات الرسمية لملاحقة المتورطين بقضايا المخدرات، وجهوداً مادية وبشرية لوضع برامج لعلاج المدمنين وإعادة دمجهم في المجتمع". تضيف: "يخضع المحكومون في قضايا تعاطي المخدرات، بحسب رغبتهم، لفترة علاج تمتد بين أسبوعين وثلاثة أشهر، ويصنفون بأنهم مرضى يخضعون لمجموعة أنشطة تستند إلى المعرفية السلوكية لمعالجة اضطرابات إدمان المخدرات. وعولج 100 شخص عام 2020، و259 العام الماضي". وتشير إلى أن "هناك حاجة ماسة لزيادة برامج التوعية المجتمعية من مخاطر المخدرات، وأخرى للرعاية في فترة ما بعد الإدمان، بمشاركة كل الجهات الرسمية والمؤسسات غير الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وتحديداً في المناطق التي يمكن اعتبارها بؤراً لانتشار جرائم المخدرات مثل شرق عمّان والزرقاء والبلقاء وإربد والرمثا والعقبة والكرك والبادية الوسطى". وتلفت إلى أن زيادة معدلات جرائم المخدرات من جريمة كل 47.31 دقيقة عام 2015 إلى جريمة كل 26.12 دقيقة عام 2020، "تعني أن المجتمع الأردني أمام مشكلة حقيقية على المستوى الداخلي".
من جهته، يرى استشاري الصحة النفسية والإدمان والمدير السابق للمركز الوطني لتأهيل المدمنين الدكتور جمال العناني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن مواجهة المخدرات تبدأ قبل أي إجراء آخر بالتوعية وتوضيح خطورتها التي تبدأ فردياً وتنتهي في المجتمع، علماً أن الأسرة تمثل خط الدفاع الأول". ويوضح أن "لا دراسات دقيقة لتحديد عدد متعاطي المخدرات في الأردن، وأن التقديرات لا تستند إلى أسس دقيقة لتثبيت مقولة أن الأردن ممر، وليس مقراً للمخدرات، في حين أن وجود مدمن واحد قد يشكل مصدر خطر كبير على المجتمع. وبموجب المادة التاسعة من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر عام 2016، لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطى المواد المخدرة والمؤثرات العقلية أو يدمنها إذا قدمت قبل ضبطه، أو إذا لم يعترف بنفسه أو ينقله أحد أقربائه إلى مركز متخصص للعلاج تابع لجهة رسمية أو إلى إدارة مكافحة المخدرات، أو أي مركز أمني من أجل معالجته".
ويشير إلى أن "العلاج من المخدرات يرتبط بقبول المتعاطي الأمر وتحليه بإرادة الخضوع لعلاج كامل يراعي الجوانب الطبية والاجتماعية والنفسية والسلوكية لمتلقي العلاج، وصولاً إلى الشفاء التام".
ويكشف أن "مدة العلاج تقع ضمن ستة أسابيع، بينها أسبوعان للعلاج من السموم، وأربعة للتأهيل لاستكمال العلاجات أو وقفها، والخضوع للعلاج الاجتماعي والنفسي الذي يشمل عقد اجتماعات مع العائلات. وعندما يغادر الشخص بعد 60 يوماً، يكون قد شفي بالكامل من آفة التعاطي، ثم يلتقينا عبر مراجعات لاحقة للرعاية".
ويعزو تقرير الاستراتيجية الوطنية الخمسية لمكافحة المخدرات بين عامي 2020 و2025 الزيادة الملحوظة في قضايا المخدرات بعوامل عدة، منها عدم الاستقرار السياسي والأمني في محيط الجوار، والتدابير التقنية والمالية لتنفيذ إجراءات التفتيش على المنافذ الحدودية، واستحداث مواد مخدرة جديدة مثل "الجوكر"، وحتى بتوسيع التجريم بموجب قانون المخدرات والمؤثرات العقلية الصادر عام 2016، فجرم الترويج زاد عدد القضايا والأشخاص المضبوطين.