تسبّب الارتفاع المطرد في وفيات كوفيد-19 وتجاوز أعداد الإصابات اليومية ثلاثة آلاف، في القلق لدى السلطات الأردنية، لتسارع وزارة الداخلية إلى منع إقامة بيوت العزاء نهائياً وحفلات الزفاف خارج الصالات المرخّصة، فيما تنتظر إجراءات مشددة خلال الفترة المقبلة على المؤسسات والأفراد للالتزام بإجراءات السلامة والوقاية، وسط اتهامات للحكومة باتخاذ قرارات إعادة المنحنى الوبائي للارتفاع.
ورداً على تخوّف المواطنين من إمكانية عودة الحظر بسبب الوضع الوبائي، يؤكد وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة، فيصل الشبول، عدم وجود توجّه لفرض إغلاق أو أيّ شكل من أشكال حظر التجول، واستمرار التعليم الوجاهي في المدارس والجامعات. ويقول إنّ هناك 245 ألف مواطن تلقوا الجرعة الأولى ولم يلتزموا بالجرعة الثانية من اللقاحات المضادة لكوفيد-19. كما أنّ نسبة متلقي اللقاحات من اللاجئين والمقيمين على أراضي المملكة بلغت الثلث فقط، مشيراً إلى أنّ الحكومة ستفرض إجراءات مشددة خلال الفترة المقبلة على المؤسسات والأفراد للالتزام بإجراءات السلامة والوقاية والحثّ على تلقي اللقاحات.
ومنعت وزارة الداخلية إقامة بيوت العزاء نهائياً وحفلات الأفراح خارج الصالات المرخّصة وضمن الطاقة الاستيعابية المحدّدة، بموجب أوامر الدفاع السارية في البلاد، مؤكدة متابعة الأشخاص المحجور عليهم في منازلهم، وتحرير المخالفات بحق الجهات التي تخالف الإجراءات الوقائية.
من جهته، يقول أمين عام وزارة الصحة لشؤون الأوبئة والأمراض السارية ومسؤول ملف كورونا، عادل البلبيسي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الوضع الوبائي في المملكة لم يصل إلى مرحلة الخطر، على الرغم من الإرتفاع النسبي في أعداد الإصابات والوفيات ونسب الفحوصات الإيجابية في الأيام الأخيرة. يضيف أن الوزارة وضعت تصورات وخططاً للتعامل مع أي تطورات في الوضع الوبائي، مجدداً التأكيد على أنّ الوضع مقبول "كتقييم عام"، وأنّ نسبة الدخول إلى المستشفيات هي ضمن قدرة القطاع الصحي. لكنّه يشدّد على ضرورة التزام المواطن بإجراءات الوقاية العامة كالكمامة والتباعد الاجتماعي، مضيفاً أنّ "عودة الحياة إلى طبيعتها والناس إلى أعمالهم تتطلب الالتزام بالإجراءات الوقائية والصحية، وسبل الوقاية، وإلّا ستتفاقم الأوضاع".
ويشدد البلبيسي على أنّ الوضع في المرحلة الحالية يحتاج إلى التشدد من قبل الجهات الرقابية وكافة الجهات المعنية لإلزام المواطنين بإجراءات السلامة العامة، معتبراً أنّ واجب الحكومة هو التشديد على مراقبة التزام المواطنين بالإجراءات الوقائية، ومنع التجمعات بكافة أشكالها بلا استثناء. ويلفت إلى ضرورة إقبال المواطنين وبشكل أكبر على تلقي اللقاح من أجل السيطرة بشكل أفضل على الوضع الوبائي، واصفاً الإقبال في الوقت الحالي على اللقاح بأنّه ما دون المتوسط بالمقارنة مع فترات سابقة. ويشير البلبيسي إلى أنّ لا نية لفرض إغلاقات جزئية أو شاملة، ولا حتى على مستوى فرض قيود في مناطق وبؤر انتشار فيروس كورونا، مشدداً على أنّ هذه الفكرة لم تعد مطروحة لدى الجهات الصحية على الإطلاق.
وفي ما يتعلّق بارتفاع أعداد الإصابات في الفترة الأخيرة، يقول عضو جمعية أطباء الصدر الأردنية وعضو الجمعية الأوروبية لأطباء الصدر، محمد حسن الطراونة، لـ "العربي الجديد"، إنّ "إدارة أيّ أزمة صحية بطريقة سياسية هو أمر خاطئ. بعض الأشخاص قبل تولي المسؤولية تكون قراراتهم مختلفة؛ فالطبيب قبل أن يصبح وزيراً يتحدث بشكل علمي. لكن بعد دخوله الحكومة يتناغم مع ما تريده والأولوية لا تكون للقرارات العلمية. يضيف أنّ الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة خلال الأيام الأخيرة فاقت التوقعات، وهناك بوادر تدل على دخول المرحلة الأولى من الموجة الرابعة للبلاد. الأعداد تتضاعف والحالات النشطة زادت عن 30 ألف إصابة، كما أن نسبة الدخول إلى المستشفيات ارتفعت".
يتابع: "يشهد الشارع الأردني ضعفاً في الالتزام بالإجراءات الوقائية، وعدم إقبال على التلقيح، وانتقائية في تطبيق القرارات. الحكومة تسمح بالحفلات التي تريدها، وتطلب من المواطنين الالتزام بالتوقيت والشكل الذي تريد"، لافتاً إلى أن ارتفاع أعداد الإصابات ليس محصوراً في الأردن، بل في العديد من الدول حول العالم كبريطانيا وألمانيا، رابطاً ذلك بمرور ما يزيد عن 6 أشهر على تلقي الجرعة الثانية من اللقاح. يضيف أنّ اللقاحات تساهم في تخفيض نسب الإصابات والوفيات، إلّا أنّها لا تمنع الإصابات بشكل كامل أو انتقال العدوى، والمطلوب هو الالتزام بالإجراءات الوقائية وأخذ جرعة ثالثة تعزيزية.
ويعزو الطراونة الارتفاع في الإصابات إلى فتح قطاعات مثل المدارس والجامعات وإقامة المهرجانات والتجمعات الكبيرة، في ظل عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية علاوة على ضعف وتيرة التلقيح، مشيراً إلى وجود قرارات متسرعة من الحكومة لإعادة الحياة إلى طبيعتها، معتبراً أن فتح القطاعات بالشكل الحالي سبب مهم ورئيسي في ارتفاع معدل الإصابات. ويلفت إلى أن الأمن الصحي مهم ويجب أن ينظر إليه كما ينظر إلى الحاجة الاقتصادية عند إصدار القرارات المهمة كفتح القطاعات.
ويرى أنّ استمرار ارتفاع النسب الإيجابية إلى أكثر من 5 في المائة بشكل متواتر ينذر بدخول المملكة في انتكاسة وبائية جديدة، مشدداً على ضرورة الوصول إلى الناس بالتثقيف وليس بالتخويف من أجل زيادة الإقبال على اللقاحات. ويشير إلى الحاجة إلى زيادة وتيرة اللقاحات، وضرورة توعية المواطنين، خصوصاً أنّه في هذا الوقت من العام ترتفع نسبة الإصابات بأمراض الجهاز التنفسي، الأمر الذي قد يزيد من تفشي فيروس كورونا. يضيف: "يمكن احتواء الوضع حالياً، لكن بشروط العودة خطوة إلى الوراء بزيادة عدد الفحوصات، والتركيز على تلاميذ المدارس وتتبع التزام الناس، ومتابعة المصابين والمعزولين منزلياً وعدم اختلاطهم بالآخرين، الأمر الذي يحد من انتشار الوباء". ويطالب الطراونة بضبط التصريحات حول الفيروس، وأن تكون المعلومات دقيقة وتصدر من جهة واحدة حتى لا يحدث تشويش للرأي العام، فتعدد المرجعيات مربك.
كما يُطالب الحكومة بخفض عدد الوفيات من خلال منع الانتشار السريع للعدوى حتى لا تصل إلى الفئات ذات القابلية العالية للخطر، الأمر الذي يتسبب في زيادة عدد الوفيات. ويطالب بتحديث البروتوكول العلاجي ودخول أدوية جديدة مجازة في الولايات المتحدة وبريطانيا، والعمل على الحصول على خليط الأجسام المضادة لتقديم رعاية مثلى للمصابين.