وسط انخفاض فرص العمل في الأردن، باتت نسبة العاطلين عن العمل بين الشباب تتراوح بين 25 و50 في المائة، وهي نسبة مرتفعة جداً بين خريجي الجامعات، ما دفع وزارة التعليم العالي وديوان الخدمة المدنية إلى تصنيف بعض الاختصاصات بأنها "راكدة" أو "مشبّعة" أو "مطلوبة". ويشير ذلك إلى وجود خلل في منظومة التعليم ومقدار توافقها مع احتياجات سوق العمل.
تحدث رئيس ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر عن حجم المشكلة في مؤتمر صحافي عقده أخيراً، وقال فيه إنه "استناداً إلى الكشف التنافسي للعام الحالي، بلغ العدد التراكمي لطلبات التوظيف 423 ألفاً قدمها حملة مؤهلات جامعية، في حين لم تتجاوز نسبة التعيينات في الدوائر الرسمية خلال العقد الأخير 2.72 في المائة فقط من إجمالي عدد الطلبات، ما يعني أن قدرة الأجهزة الحكومية على استيعاب الخريجين محدودة، علماً أن حوالي 70 ألف طالب يتخرجون سنوياً من كليات وجامعات، ولا تستطيع الإدارات الحكومية استيعاب أكثر من 8 آلاف منهم كحدّ أقصى، أي نحو 12 في المائة فقط من عدد الخريجين، ما يعني أننا نحتاج إلى نحو 8 سنوات لاستيعاب خريجي عام دراسي واحد".
ويوضح الناطق الإعلامي باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مهند الخطيب، أن "هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها أوصت خلال عملية القبول الموحد في الدورة التكميلية الماضية، بخفض القبول بنسبة 35 في المائة في أكثر من 300 اختصاص مصنفة في الفئة الراكدة والمشبّعة، في حين جرى تجميد اختصاصات تجاوزت طاقة الاستيعاب في سوق العمل.
وطالبت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها بخفض عدد الطلاب المقبولين سنوياً في الاختصاصات "الراكدة" و"المشبعة" في الجامعات، واستحداث أخرى جديدة.
يقول عضو هيئة التدريس في الجامعة الأردنية والخبير في شؤون الاعتماد منصور المطارنة لـ"العربي الجديد": "تصنيف ديوان الخدمة المدنية التخصصات غير المطلوبة بأنها راكدة أو مشبعة جهد مهم، خصوصاً أنه فصلّها بحسب المحافظات وفئتي الذكور والإناث، ما يوضح للطلاب المستقبل الخاص باختصاص محدد، وعدد الطلبات المتراكمة الخاصة به، ونسبة التعيينات المرجحة خلال 9 سنوات".
يضيف: "يفترض أن تأخذ الجامعات التصنيف في الاعتبار، خصوصاً على صعيد الاختصاصات التي لا تعيينات فيها، علماً أن بعضها لا تزال تدرس في جامعات، رغم أن نسبة التعيينات فيها صفر خلال 9 سنوات".
ويستدرك المطارنة بأن "مجرد إصدار تصنيف غير كافٍ، إذ يجب اتخاذ إجراءات مباشرة عبر إغلاق كليات تدرس هذه الاختصاصات أو تجميدها، وإصدار قرارات واضحة وصريحة يعمل بها حتى إشعار آخر. وقد تتغير إجراءات استبعاد اختصاصات معينة بعد 4 أو 5 سنوات، لأن سوق العمل يواكب التطورات التي تحدث في البلاد، ونعلم جيداً أن اختصاصات مطلوبة تحوّلت بعد فترة إلى راكدة ومشبّعة".
ويشير إلى أن "طلاباً في الأردن يدرسون اختصاصات راكدة ومشبعة لمجرد القول إنهم حصلوا على شهادات جامعية، لذا نطالب بالتنسيق بين الجامعات وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي لمعالجة مشكلة كون خريجي الجامعات أكثر من حاجة الأردن". ويلاحظ المطارنة "زيادة التوجه نحو الاختصاصات الأكاديمية في مقابل الابتعاد عن تلك المهنية والتقنية التي لا تشكل إلا نسبة 30 في المائة من عدد الخريجين، وبدء جامعات في طرح تخصصات للمستقبل، مثل الأمن السبراني والذكاء الاصطناعي".
وفيما يلفت المطارنة إلى أن بعض الاختصاصات الجديدة المطروحة في الجامعات ليست إلا رديفة لأخرى مشبّعة، يشير إلى أن اختصاصات مشبّعة وراكدة محلياً قد يكون لها سوق إقليمي أو دولي، لذا يدعو إلى البحث عن برامج بديلة تقنية وحرفية، والتركيز على الريادة والابتكار خلال التعليم المدرسي، فمنتج واحد قد يخلق قفزة نوعية، والسوق يبحث عن مهارات وليس عن أساليب تطبيق نظريات.
ويتحدث منسق حملة "ذبحتونا" الوطنية من أجل حقوق الطلاب فاخر دعاس لـ "العربي الجديد" بأن "جوهر المشكلة يكمن في ضعف حجم النمو الاقتصادي، في حين تنعدم قدرات الحكومة على إيجاد فرص عمل تنفيذاً لمطالب يفرضها صندوق النقد الدولي، وتشجيع الصناعة والزراعة، ما يرفع البطالة".
وفي ما يتعلق بمسؤولية وزارة التربية والتعليم العالي عن البطالة لدى الخريجين، يرى دعاس أن الحكومة لم تضع آليات لتشجيع التعليم المهني على حساب التعليم الأكاديمي، ما شوّه المشهد التعليمي، إذ لا تزيد نسبة طلاب الاختصاصات المهنية عن 14 في المائة، وهو أمر يختلف عن كل دول العالم، حيث ثلث الاختصاصات أكاديمية في مقابل ثلثين مهنية.
ويتابع أن "أكثر من ثلاثة أرباع الطلاب يتجهون الى التعليم الأكاديمي"، محملاً الدولة مسؤولية عدم القدرة على تسويق التعليم المهني وإظهار وإبراز أهميته، وعدم توفيرها مدارس قادرة على خلق كفاءات مهنية تطوّر ذاتها.
ويوضح أن "كل الاختصاصات تصبح راكدة ومشبعة في حال عدم القدرة على خلق فرص عمل، لكن كيف ستقنع الحكومة الناس عبر وصفها اختصاصات في الطب وطب الأسنان والصيدلة بأنها راكدة أو مشبعة. وهل يعقل ذلك حين تشتكي مستشفيات من نقص في كوادرها الطبية؟".
يتابع أن "الاختصاصات الجديدة في الجامعات لا تفتح بناءً على الحاجة لها، بل بسبب قدرتها على درّ أموال إلى خزينة الجامعة، وقد يغلق بعضها بعد عام من فتحها رغم أنها جديدة".
ويتوقع أن يزداد الطلب على اختصاصات مرتبطة بالطاقة الجديدة والتكنولوجيا الحديثة، علماً أن هناك اختصاصات جيدة تحتاج الى سوق عمل لاستيعابها لأنها غير مطلوبة في الأردن، بخلاف دول في الخليج والعالم.