استمع إلى الملخص
- التحديات والتمويل: يواجه المشروع تحديات مالية بتكلفة 3 مليارات دولار، مع تمويل من منح وقروض دولية، ومخاوف من تحميل المواطنين تكاليف إضافية عبر رفع أسعار المياه.
- البدائل والمخاوف: تُطرح بدائل لتقليل الفاقد المائي وتخفيض استهلاك المياه الزراعية، مع مخاوف من فساد محتمل وضرورة ضمان الشفافية والكفاءة في التنفيذ.
يعتبر مشروع الناقل الوطني للمياه مبادرة لمعالجة ندرة المياه في الأردن ومحاولة تحقيق استقلال مائي لتجنب الضغوط الخارجية وضمان استدامة المصادر في ظل الظروف السائدة.
بعد سنوات من المراوحة ينطلق قريباً مشروع الناقل الوطني الأردني للمياه الذي ينفذ خطة تحلية مياه البحر الأحمر بمعدل 300 مليون متر مكعب سنوياً، وينقلها مسافة 460 كيلومتراً إلى وسط المملكة وشمالها.
وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني، قال في كتاب تكليف رئيس الوزراء الجديد جعفر حسان: "لتعزيز أمننا المائي، يجب أن تبدأ الحكومة في تنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه العام المقبل". أضاف: "الناقل الوطني أهم مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويجب أن يترافق مع تقليل فاقد المياه والحدّ من الاعتداءات على خطوط المياه، ومحاسبة من يعتدون على حقوق الأردنيين".
وفي 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلن رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة أنّ "لجنة الشراء الخاصة التي شكلتها الحكومة اختارت المناقصة التي قدمها ائتلاف ميريديام سويز بعدما حقق عرضه متطلبات التأهيل الفني والمالي، واجتاز الحدّ الأدنى للعلامة الفنية المطلوبة في الشروط المرجعية الخاصة بتنفيذ المشروع. وستستكمل اللجنة إجراءات الشراء وتدخل في مفاوضات مباشرة مع ميريديام سويز لبدء تنفيذ المشروع".
حاجة الأردن السنوية من المياه نحو مليار و400 مليون متر مكعب
وتبلغ الحاجة السنوية للأردن من المياه نحو مليار و400 مليون متر مكعب لكل الاستخدامات. ويتوفر منها نحو 950 مليون متر مكعب، بينما يقدّر العجز المائي بنحو 400 مليون متر مكعب. وقال وزير المياه والري رائد أبو السعود أخيراً إن "الأردن أصبح أفقر بلد في العالم على صعيد الوضع المائي، وأي مشروع يزيد كميات المياه مهم جداً، علماً أن مشروع الناقل الوطني للمياه في المقدمة لأنه يحل مشكلة المياه حتى عام 2050".
ويقول رئيس الجمعية الأردنية للحفاظ على المياه، أحمد الروسان، لـ"العربي الجديد": "الناقل الوطني المخرج الوحيد الذي يمكن أن يعوّض نقص المياه في الأردن، إذ يتوقع أن ينقل كمية يتراوح بين 300 و350 مليون متر مكعب سنوياً من العقبة إلى وسط المملكة وشمالها. وفيما يقدّر العجز السنوي الحالي بنحو 400 مليون متر مكعب، سيغطي المشروع جزءاً كبيراً من الاحتياجات".
وفي شأن تكلفة المشروع، أوضح أنها تناهز 3 مليارات دولار، وقد ترتفع إذا زادت الأسعار في العالم، ومواصفات المواد المستخدمة التي تختلف أسعارها بحسب الجودة والعمر التشغيلي. كما تشمل التكلفة العالية إزالة الملوحة من مياه البحر، وقيمتها عالية جداً".
يتابع: "نخشى تحميل المواطنين تكلفة المشروع عبر رفع أسعار المياه إلى مستويات عالية جداً، علماً أن تكلفة المياه زادت على المواطنين بعد تحويل الفواتير من ربع سنوية إلى شهرية خلال الفترة الماضية، وربما يستمر رفعها أكثر مع إطلاق المشروع خاصة في حال تنفيذه من خلال شركة بنظام بي أو تي بدلاً من المرافق الحكومية، والسماح لها بتشغيله بعاﺋﺪات ﻟﻤﺪة ﻣﺤﺪدة قبل أن ﺗﻌﻮد إلى ﻣﻠﻜﻴﺔ الحكومة. ونرجح أن تتضاعف الأسعار عند استخدام المياه المحلاة".
ويتوقع الروسان أن يستغرق تنفيذ المشروع بين 4 و5 سنوات، لافتاً إلى تقديم منح كبيرة للمشروع من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عدة ومنظمات عربية ودولية، إضافة إلى قروض. ويرى أن "تصريح وزير المياه والري رائد أبو السعود بأن الأردن أفقر دولة في العالم مائياً "سياسي، وكان الأفضل عدم استخدام وصف يُخيف المواطنين". وسأل: "إذا وصلنا فعلاً إلى هذا التصنيف أين كانت الحكومات خلال الأعوام الماضية، ولماذا لم تضع حلولاً؟".
يتابع: "صرح الوزير أبو السعود بأن حصة الفرد الأردني 61 متراً مكعباً حالياً، مقابل 75 متراً مكعباً قبل 5 سنوات، والسؤال لماذا انخفضت هذه النسبة خلال هذه الفترة القصيرة؟ ربما يكون التصريح محاولة لتبرير شراء مياه من إسرائيل، خاصة من آبار وادي عربة، وربما أيضاً لتبرير رفع أسعار المياه في المستقبل".
ويوضح أن "ائتلافاً وحيداً تقدم لتنفيذ المشروع، ما يعني وجود مخاطر في التنفيذ"، ويشير إلى أن تجربة ناجحة حصلت بين القوات المسلحة الأردنية وشركة تركية حين نقِلت مياه الديسي من الجنوب، ويعتبر أن نظام بي أو تي الأفضل لتنفيذ المشروع، ويناسب دولاً فقيرة مثل الأردن. من جهته، يسأل العضو السابق في لجنة الزراعة والمياه والبادية في البرلمان موسى هنطش: "هل الناقل الوطني ضروري في هذا الظرف، أو أن طرقاً علمية راقية أخرى تتوفر للحصول على المياه التي نحتاج إليها؟".
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "لماذا لا نخفض نسبة الفاقد التي تتجاوز 45% إلى 25%، ونكسب 200 مليون متر مكعب من المياه على الأقل، علماً أنها من أعلى النسب في العالم، ومن السهل جداً معالجتها وتخفيضها. والسؤال الآخر هل هناك بدائل للناقل الوطني، والجواب هو نعم إذ وافقت السعودية التي تسيطر على 95% من مياه حوض الديسي على مد خط آخر إلى عمان، ما يوفر 100 مليون متر مكعب من المياه".
ويتحدث أيضاً عن أهمية تخفيض كميات المياه التي يجري ضخها للقطاع الزراعي، ويقول: "يستهلك هذا القطاع نحو 55% من المياه في الأردن، أي نحو 600 مليون متر مكعب، واذا وضعنا برنامجاً للمزارعين حول الآليات وكميات المياه والاستهلاك يمكن تخفيض الاستهلاك إلى رقم جيد. وعلى سبيل المثال يعني تخفيض حصة القطاع الزراعي من 55 إلى 40% توفير نحو 150 مليون متر مكعب".
ويشير إلى "إمكان شراء مياه من أصحاب الآبار الجوفية المرخصة وتلك غير المرخصة، ما يفيد الطرفين ويحمي طبقات الأرض من الهلاك، كما يجب حث المواطنين على الحفاظ على المياه، وعدم الإسراف في استهلاكها".
حجم العجز المائي السنوي الحالي نحو 400 مليون متر مكعب
ويخشى هنطش أن يتعرض المشروع لشبهات فساد. ويوضح أن وزير المياه السابق محمد النجار أعلن قبل أشهر أن المشروع يكلّف 3 مليار دولار لإنتاج 300 مليون متر مكعب، وأنه التقى رئيس مجلس إدارة شركة أكوا باور، مؤيد السمان، والتي كانت الأولى التي قدمت عرضاً لإنجاز المشروع بقيمة 3 مليارات دولار، لكنها اختلفت مع وزارة المياه حول قياس الكميات ليس بعد خروجها من العقبة بل حين تصل إلى مختلف المحافظات، إذ طالب السمان بمحاسبة الحكومة على المياه التي يجري ضخها، وليس التي يجري توزيعها".
يتابع هنطش: "أبلغ الوزير محمد النجار لجنة المياه في مجلس النواب أن تكلفة المشروع هي 3 مليارات، وعندما جاء الوزير رائد السعود قال إن التكلفة 4 مليارات دولار. وقد تقدم ائتلاف واحد لتنفيذ المشروع".
ويرى أن "رئيس الوزراء السابق بشر الخصاونة تسرّع في اختيار ائتلاف ميريديام سويز لتنفيذ المشروع لأنه أراد تسجيل هذا العطاء كأحد إنجازاته قبل أن يغادر منصبه. وهو اعتبر أن الأهم في المشروع هي تكلفة متر المياه التي تصل إلى المستهلك. وإذا كانت تكلفة متر المياه 4 دولارات فمن سيدفع ومن سيتحمل الفرق عن المواطنين؟".
يضيف: "يستطيع سلاح الهندسة في القوات الأردنية تنفيذ المشروع بالتعاون مع شركات محلية ودولية. وعموماً أي فساد في المشروع ستكون عواقبه وخيمة، علماً أن تقرير وزارة المياه والري لعام 2023 سجل نحو 90 ألف سرقة مياه، ولا يعلم أحد كيف جرى التعامل مع هذا الأمر". ويشير إلى "وجود فساد في إدارة المياه يجعل الأردن يصنّف من بين أفقر الدول مائياً في العالم،" ويحذر من محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي الضغط على الأردن في اتفاقيات تزويد المياه".
ويقول المتحدث باسم وزارة المياه والري الأردنية عمر سلامة لـ"العربي الجديد": "مشروع الناقل الوطني استراتيجي لضمان تأمين مصدر مائي مستدام يعالج العجز في مصادر مياه الشرب المقدّر بنحو 400 مليون متر مكعب، وتراجع حصة الفرد في الأردن إلى أقل من 61 متراً مكعباً، وذلك من خلال تحلية مياه البحر الأحمر، وتأمين 300 مليون متر مكعب من هذه المياه سنوياً" .
ويتوقع أن "يسمح المشروع بالتحوّل من تزويد المنازل بالمياه مرة واحدة أسبوعياً أو كل أسبوعين في بعض المناطق إلى التزود بالمياه في شكل مستمر. والائتلاف الذي كلفته الحكومة تنفيذ المشروع قدم العرض الأفضل الذي يتوافق مع المتطلبات الموضوعة. وهما يتفاوضان حالياً على الشروط الفنية الخاصة بتنفيذ المشروع قبل استكمال إجراءات الغلق المالي التي قد تحتاج إلى بضعة شهور لأن المشروع كبير، ثم يبدأ تنفيذه في أقرب وقت".
ويشير إلى أن "الاعتداءات تشكل النسبة العظمى من الفاقد المائي. وتعمل وزارة المياه والري على تنفيذ خطتها الاستراتيجية لخفضه إلى 25% بحلول عام 2040، وحققت نجاحاً كبيراً خلال العامين الأخيرين بخفضه إلى 46.3%، من خلال تحديث الشبكات وتكثيف حملات الرقابة والتفتيش وضبط الحالات غير الشرعية للاستخدام". يضيف: "نجحت إدارة قطاع المياه بتجاوز الصيف الحالي رغم أنها واجهت تحديات كثيرة في ظل تناقص المصادر، وارتفاع الطلب نتيجة زيادة عدد السكان، واستمرار وجود مئات الآلاف من اللاجئين والتغيّرات المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات الحرارة".